توابع «الطلاق» البريطانى

نشأت الديهى

نشأت الديهى

كاتب صحفي

فى مشهد ديمقراطى مهيب خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبى رافضة كل أشكال الذوبان فى أية كيانات تؤثر على كلاسيكية البريطانيين التاريخية، فرغم أن علاقات بريطانيا والاتحاد الأوروبى كانت بمثابة «علاقات غير مكتملة» فلم تدخل بريطانيا منطقة اليورو ولم تدخل اتفاقية الشنغن مثل باقى دول الاتحاد الأوروبى. الخروج البريطانى يمكن أن نطلق عليه «الخروج الكبير» وما يجب أن نهتم به الآن حقاً ليس الإجابة عن أسئلة وتساؤلات حول: لماذا خرجت بريطانيا وكيف حدث ذلك، بيد أن المهم حقاً هو الإجابة عن السؤال المفصلى: ما نتائج هذا الخروج أو هذا الانفصال على بريطانيا وعلى أوروبا وعلى العالم؟ أعود بالذاكرة إلى هذه الكلمات الرائعة للجنرال ديجول فى السابع والعشرين من نوفمبر عام 1967، داخل قصر الإليزيه «إن بريطانيا تملك كراهية متجذرة للكيانات الأوروبية وإن فرض بريطانيا كعضو فى السوق الأوروبية المشتركة سوف يؤدى إلى تحطيمه» كانت نبوءة الجنرال العظيم مبنية على قراءة متعمقة للشخصية الإنجليزية التى تتسم بالتعالى الشديد لكنها تختبئ وراء أقنعة المحافظة والكلاسيكية، لقد رفض الجنرال ديجول محاولات بريطانيا لدخول تجمع السوق الأوروبية المشتركة لمدة ثمانى سنوات مستخدماً حق الفيتو.

ولم تدخل بريطانيا إلى الكيان الأوروبى إلا بعد خروج الجنرال من السلطة، لقد قال ديجول إننا لم نسمح للولايات المتحدة أن تدخل إلى تجمعنا الأوروبى من الباب فكيف نسمح لها أن تدخل من الشباك! كان يقصد أن دخول بريطانيا إلى التجمع الأوروبى يعنى صراحة أن الولايات المتحدة قد تسللت ودخلت باسم مستعار هو «بريطانيا».

لكن ما الآثار والنتائج لهذا الانفصال؟

أولاً: المملكة المتحدة مهددة بالتقسيم والانهيار على أعتاب مطالبات كل من اسكتلندا وأيرلندا الشمالية بالاستفتاء للانفصال عن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبى مفضّلين أوروبيتهم على بريطانيتهم!

ثانياً: هذا الخروج سيصعد بالأحزاب اليمينية وهناك مطالبات فى كل من فرنسا وهولندا بتنظيم استفتاءات للخروج من الاتحاد الأوروبى على غرار بريطانيا وهذا يمثل تهديداً حقيقياً لمستقبل الاتحاد وربما يؤدى إلى انفراط عقد الاتحاد برمته.

ثالثاً: ستحاول كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا البحث عن صيغ لاستغلال الموقف استراتيجياً، خاصة ألمانيا التى تعتبر نفسها زعيمة القارة الأوروبية، وهذه المحاولات ستفتح مجالاً للتنافس وربما للصراع داخل الاتحاد الأوروبى.

رابعاً: روسيا هى أكبر المستفيدين من الخروج البريطانى وانشغال الاتحاد الأوروبى بعلاج آثار الزلزال البريطانى وتوابعه المتوقعة، ستتحرك روسيا فى خططها التوسعية فى منطقة أطلال الاتحاد السوفيتى وكذلك ستنطلق روسيا بحرية فى منطقة الشرق الأوسط.

خامساً: الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى بمثابة لطمة للولايات المتحدة وإدارتها الديمقراطية، فبريطانيا كانت هى عين أمريكا ومندوبتها فى الاتحاد الأوروبى.

سادساً: الخروج البريطانى سيصب حتماً فى مصلحة المرشح الجمهورى ترامب الذى قال «أخيراً حصلت بريطانيا على استقلالها وفى نوفمبر سيحصل الأمريكيون على استقلالهم بانتخابى رئيساً لأمريكا».

سابعاً: من المتوقع أن يدخل العالم مرحلة أزمة اقتصادية جديدة من جراء هذه التغيرات الدرامية ربما تصل فى حدتها إلى أزمة ٢٠٠٨.

هذه حزمة من النتائج السريعة لهذا الخروج الدرامى لبريطانيا من الاتحاد الأوروبى، بيد أن قضية المهاجرين من أوروبا الشرقية قد تسببت فى النفور البريطانى من الاتحاد الأوروبى، وفى تقديرى أن قضية المهاجرين السوريين ستكون سبباً فى تفكيك الاتحاد الأوروبى المنقسم على نفسه بسبب هذه القضية.

لكن اللافت للنظر أن بوتين وترامب هما الأكثر سعادة فى المشهد، لماذا؟ لأن خريطة التحالفات والكيانات والمحاور الدولية تتغير وتتبدل وفق معطيات ومدخلات غير متوقعة تماماً، مما يجعل كلا الرجلين يحقق أحلامه.. الأول فى التوسع على أنقاض الجمهوريات السوفيتية وشرق أوروبا، والثانى فى الوصول إلى البيت الأبيض حاكماً تاريخياً ربما تتفتت على يديه الولايات المتحدة الأمريكية!

أما النقطة الأخيرة الجديرة بالتناول هى: ما تأثير هذا الخروج على مصر؟

التيار الجديد فى أوروبا سيكون متوافقاً مع السياسة المصرية والتوجه المصرى المناوئ للإسلام السياسى وما ينبثق عنه من جماعات إرهابية.

وستتعامل مصر مع هذه المتغيرات على الأسس الجديدة للتركيبة الأوروبية الانفصالية دولة مع دولة، وليس دولة مع اتحاد. وفى تقديرى أن وصول اليمين المتطرف إلى الحكم فى الدول الأوروبية بات أمراً متوقعاً، وعليه ستبادر هذه الدول بطرد كل العناصر الإرهابية من أوروبا وعدم استقبال مهاجرين جدد.

لقد وقع الزلزال فى وقت دقيق للغاية وفى أجواء تشبه أجواء ما قبل الحرب العالمية الثانية.