زوجات «تحت السن» بين الشرع والتقاليد

كتب: إسراء سليمان

زوجات «تحت السن» بين الشرع والتقاليد

زوجات «تحت السن» بين الشرع والتقاليد

أثار زواج الصغيرات أزمة على مدار عقود من الزمان، حيث أباحت بعض التيارات المتشددة الزواج من سن 9 سنوات شريطة البلوغ، مدللين على وجهة نظرهم بزواج النبى (صلى الله عليه وسلم) من السيدة «عائشة»، وقد اشتعلت الأزمات فى هذا الصدد خلال وجود دستور 2012، بسبب قوانين الزواج التى طالب السلفيون بإلغاء سن الزواج منها باعتبار ذلك مخالفاً للشرع.

{long_qoute_1}

وأصدرت دار الإفتاء فتوى على لسان الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، بخصوص سن زواج الفتيات فى الشرع، قال فيها: «من الصعب تحديد سن الزواج للفتيات، لأن هناك فروقاً فردية تعد الفيصل، والأصل فى الشرع هو بلوغ الفتاة سن الزواج حتى لا يتسبب الزواج فى الإضرار بها، وفى هذا يحترم رأى الأطباء الثقات الذين يؤكدون أن هذه الفتاة تتحمل من الناحية الجسمانية تبعات الزواج لأن فتح الباب على مصراعيه دون ضوابط هو نوع من إلقاء النفس إلى التهلكة. وقد حذرنا القرآن من ذلك فى قوله تعالى فى سورة البقرة «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».

ورفض «جمعة» زواج الصغيرات فى أى سن استناداً إلى ما ورد فى السنة النبوية عن أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) تزوج السيدة عائشة وهى صغيرة، مشيراً إلى أنهم أعدوا دراسة متكاملة حول تلك القضية وانتهوا إلى ضرورة وضع اختلاف طبائع البيئات فى الاعتبار، فلا يجوز تطبيق أعراف وعادات العصر القديم على العصر الحديث مع إهدار الفارق الكبير الحاصل بفعل الزمان وعدم إدراك الفوارق التى فطر الله الناس عليها من الاختلاف فى هيئة البنية وحجم الجسد مع بيئات معينة خاصة فى شأن المرأة، فكم من امرأة نراها حتى فى عصرنا الحاضر وقد كملت واشتدّ عودها وهى لا تزال فى سن العاشرة أو نحوها.

{long_qoute_2}

ودلل «جمعة» على قوله بأنه لم يدر بخلد واحد من خصوم الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أن يتخذ من زواجه بعائشة مطعناً أو منفذاً للتجريح والاتـهام، وهم الذين لم يتركوا سبيلاً للطعن عليه إلا سلكوه ولو كان بـهتاناً وزوراً، متسائلاً: وماذا عساهم أن يقولوا؟ هل ينكرون أن تخطب صبية كعائشة، وما كانت أول صبية تزف فى تلك البيئة إلى رجل فى سن أبيها، ولن تكون كذلك آخِرهن، مشيراً إلى أنه قد تزوج «عبدالمطلب»، الشيخ، من «هالة الزهرية» بنت عم «آمنة» فى اليوم الذى تزوج فيه عبدالله أصغر أبنائه، من «آمنة بنت وهب»، كما تزوج «عمر بن الخطاب» من بنت على بن أبى طالب، وهو فى سن فوق سن أبيها! وعرض «عمر» على «أبى بكر» أن يتزوج ابنته الشابة «حفصة» وبينهما من فارق السن مثل الذى بين الرسول وعائشة.

وانتهى «جمعة» فى فتواه إلى أن الفيصل هو مصلحة الفتاة والمجتمع دون إفراط أو تفريط، فالإسلام دين الوسطية فى كل شىء ويرفض الإضرار بأى طرف لحساب الآخر خاصة فى الزواج.

من جانبه، قال الدكتور محمود مهنا، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، إنه لا مشكلة إذا بلغت الفتاة سن البلوغ، أن تتزوج ولكن المشكلة فى العرف والعادات التى أصبحت فى بعض المجتمعات أقوى من الجميع، فالبنت إذا زوجها أبوها وحرمها من حقوقها عليه فلها أن ترفع أمرها للقضاء لرفع الظلم عنها. وهو يرى الواقع العملى لأنه لا يمكن قياس الموضوع بسن معينة وإنما بحسب جسم الفتاة وقدرتها على الإنجاب وتحمل أعباء الزواج.

وأوضح «مهنا» أنه من المعلوم أن عقد الزواج يشترط فى صحته تمييز المتعاقدين، فإن كان أحدهما مجنوناً أو صغيراً لا يميز فإن الزواج لا ينعقد، وهنا يكون للولى الحق فى عقد الزواج، فالصغيرة إن كانت مميزة لا بد من استئذانها وموافقتها، أما إن كانت غير مميزة فإنه يجوز تزويجها بغير إذنها، مشيراً إلى أن المذهب الشافعى استحب ألا يزوجها الأب أو الجد حتى تبلغ ويستأذنها ولا يجوز لغير الأب والجد أن يزوج الصغيرة، لكن أبا حنيفة وجماعة من السلف أجازوا لجميع الأولياء وقالوا بصحة الزواج ولها الخيار إذا بلغت وذلك لما روى أن النبى (صلى الله عليه وسلم) زوّج «أمامة بنت حمزة» وهى صغيرة، وجعل لها الخيار إذا بلغت وهو لم يزوجها بوصفه نبياً بل لأنها قريبته وهو وليها لأنها بنت عمه.

وقالت الدكتورة إلهام شاهين، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إن الفقهاء أفاضوا فى مسألة الزواج فأوضحوا جواز ذلك للصغيرات لكن بشرط أن تُستأذَن فى الزواج وأن تكون بلغت أو تجاوزت سن التاسعة، ولا يتم الدخول بفتاة قبل بلوغها، مشددة على ضرورة أن تعطى الفرصة للفتاة حتى تكتمل معالم أنوثتها، موضحة أنه إذا زوّجها وليها وهى لم تبلغ بعد فلها الحق فى تمضية ما اتفق عليه وليها أو فسخه حسب ما تراه فى مصلحتها، لأنه لا يجوز شرعاً تزويج الفتاة رغماً عنها، مدللة بقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «البكر تُستأذَن»، فالأب لا يستطيع أن يقر الزواج ما لم توافق الفتاة وموافقتها مرتبطة بقدرتها على التمييز ومعرفة مصلحتها مع نضجها عقلياً وجسدياً.

وقال الدكتور علوى أمين خليل، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إن القياس على زواج الرسول (صلى الله عليه وسلم) من السيدة عائشة فى سن صغيرة، باطل، لأنها لم تكن بهذه السن الصغيرة التى يتداولها البعض، ولأن المستجدات الحالية فى المأكل والمشرب والتعليم والثقافة، لا يصلح معها أن تتزوج الفتاة قبل أن تكمل تعليمها الثانوى أى فى الثامنة عشرة، بالإضافة إلى أن السيدة عائشة كان لديها خصوصية حمل فقه وثقافة بيت النبوة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم).

وأكد أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن المرأة الآن تحتاج لأن تُعَدّ لتكون مسئولة عن رعيتها، والطفلة فى السن الصغيرة غير مؤهلة لهذه المسئولية قبل أن تتعلم، وتبلغ سن الرشد وهو تقريباً 18 سنة، أو 21 عاماً سن الذمة المالية، وبعض علماء الدين الذين يعترضون على تحديد سن الزواج هم معترضون فقط من أجل الاعتراض ولا يستندون إلى سند دينى حقيقى. وطالب الدكتور حامد أبوطالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، بنزع الولاية عن ولى الأمر الذى يجبر ابنته على الزواج غير المعقول، كأن يزوجها وهى فى العاشرة أو دون العاشرة فى بعض الحالات، فهو فى هذه الحالة غير أمين على ما استرعاه الله عليه بل تجب محاسبة كل من ساهم فى هذه الجريمة التى فيها قتل معنوى للفتاة لأن جسدها الضعيف غير قادر على تحمل أعباء الحمل والولادة، بل إن كثيراً منهن يتوفين أثناء الحمل والولادة.


مواضيع متعلقة