الحياة فى 4 غرف من الطوب والأسمنت: غسيل وشيشة

كتب: جهاد عباس

الحياة فى 4 غرف من الطوب والأسمنت: غسيل وشيشة

الحياة فى 4 غرف من الطوب والأسمنت: غسيل وشيشة

 

تشتد الرياح المحملة بالرمال وتضرب كل ما يقابلها بدون رحمة، تشتد الحرارة، حتى بعد صلاة العصر، تعمل اللوادر الضخمة على تسوية الطرق، التى تعد جزءاً من البنية التحتية لمشروع العاصمة الإدارية الجديدة، يتحرك سائقو اللوادر فوق التلال المرتفعة، وفى الجهة التى تقابلها توجد استراحات العمال التابعة لشركة جنوب الوادى، عبارة عن 4 غرف كبيرة مبنية من الطوب والأسمنت، وبها كل احتياجات المعيشة، وتمتد حبال بين الغرف وبعضها، منشور عليها ملابس العمال، كما تعلوها خزانات كبيرة بيضاء، بها المياه التى يحتاجها العمال للمعيشة، يصعد عدد من العمال، ينامون فوق خزانات المياه، ويصبون المياه على أجسادهم، ليتجنبوا التعرض لضربة شمس، خاصة بعدما تشتد الحرارة بقوة.

{long_qoute_1}

يقول محمود محمد عوض، شاب فى الثلاثين من عمره، وهو المشرف على أعمال البنية التحتية المكلفة بها شركة جنوب الوادى: «عايش فى الجبل علشان أتجوز بعد العيد»، مضيفاً أن توفير متطلبات الحياة ليس بالأمر السهل، والمشروعات التى فتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الفترة الأخيرة وفرت فرصاً كثيرة للعمل بالنسبة للشباب، ولذلك من يحتاج أن يتقدم فى حياته المادية عليه بالعمل وتحمل الصعاب.

يؤكد «محمود» أن الحياة فى الجبل ليست بالأمر السهل، ولكن ما يهوّن عليه ذلك الوضع، أنه يوفر يوميته من ذلك العمل الصعب، الذى يبدأ فى السادسة صباحاً، وينتهى فى السادسة مساءً، من أجل الوفاء بمتطلبات الزواج: «كان نفسى الجواز فى مصر يبقى أسهل من كده، شبكة وعفش وفرح ومصاريف كتير جداً، وأصعب حاجة توفير الشقة».

ويضيف «محمود» (ضاحكاً): «هنا مفيش تغطية لشبكات المحمول، باضطر أسوق وأطلع بره حدود العاصمة الإدارية خالص، علشان أكلم خطيبتى»، مستطرداً أنه عمل فى مجموعة كبيرة من المشاريع فى مختلف المحافظات، كان آخرها فى محافظة الفيوم، كما عمل فى مشروعات تابعة لقناة السويس، وأن العمل فى تلك المشروعات أضاف له قدراً كبيراً من الخبرة والقدرة على التحمل.

وعن معيشة العمال يقول «محمد»: «أنا مسئول وملزم بتوفير الأكل والشرب لزمايلى، بنكلم العربيات وتدخل لنا كل اللى محتاجينه كل يوم»، مضيفاً أن العمال معظمهم من محافظات وجه قبلى، وبعضهم فضل أن يسكن فى بعض شقق فى مدينة بدر، والبقية فضلوا البقاء فى الاستراحات فى مواقع العمل، ولكنهم لا ينزلون سوى إجازات شهرية لبضعة أيام قليلة.

بينما يقول خالد إبراهيم، شاب فى أواخر العشرين من عمره، سائق عربة نصف نقل: «جيت الصحرا علشان أعوض المصيبة اللى حصلت لى»، يؤكد «خالد» أنه تعرض لحادثة سرقة سيارة منذ شهرين، والتى كان رقمها 3415، موديل 2016، حيث دفع مقدم السيارة 80 ألف جنيه، ولا يزال يدفع أقساطها التى تبلغ حوالى 120 ألف جنيه، ولكنه فوجئ بسرقتها عند مدينة الشروق، وبعد فترة تم التواصل معه من قبل السارقين، والذين طالبوه بدفع 65 ألف جنيه، ووضعها فى حقيبة فى مكان محدد.

يحكى «خالد» أنه تواصل مع الشرطة، فطالبته بوضع المبلغ المالى، الذى حدده السارقون، ولكنه فوجئ بفشل الكمين الذى تم إعداده، حيث تقدم أحد السارقين وقام بسرقة الأموال أيضاً وهرب مسرعاً بموتوسيكل. قائلاً: «خسرت الفلوس والعربية ولسه بادفع أقساطها كمان، وما لقيتش حاجة أعملها غير إنى أشتغل على أى عربية».

يقول «خالد» إنه أب لطفلتين، ولا يعود لبيته إلا قليلاً، ويبقى فى موقع العمل أياماً متواصلة، حيث يشعر بالاكتئاب، وإحساسه بالخسارة، مضيفاً: «لما جبت العربية قلت هأجّرها وأشتغل عليها وأخليها باب رزق ليّا لكن اتسرقت ورجعت أشتغل فى الصحرا».

بينما يجلس حسين متولى، رجل تجاوز الـ50 من عمره، يضع فوق رأسه عمامة بيضاء، مرتدياً عباءة واسعة، يجلس مرتاحاً بجوار حبال الغسيل، الذى يرفرف فى الهواء فى وقت الغروب، يدخن «الشيشة»، ويشرب الشاى، يقول حسين إنه من أبناء محافظة سوهاج، قضى معظم سنوات حياته متنقلاً بين المحافظات، عمل فى البناء والخرسانة، وعمل كسائق لودر، وانتهى به المطاف للعمل فى شركة جنوب الوادى: «خلاص اتعودنا على الحياة فى الجبل والحر والصحرا عادى، ولادنا بنشوفهم كل شهر يومين تلاتة».

وعن حياة العمال يقول «حسين» إن العمال أصبحوا يعرفون بعضهم جيداً، وبقاؤهم فى الاستراحة ليلاً، أصبح يشبه النادى الاجتماعى، حيث يكد العمال طوال اليوم، وليلاً يرتاحون ويتحدثون مع بعضهم البعض.


مواضيع متعلقة