«دار الكتب».. عزبة خارج التاريخ: «تعبث» بنهر النيل.. «وتحلم» بنقطة ماء نظيفة

«دار الكتب».. عزبة خارج التاريخ: «تعبث» بنهر النيل.. «وتحلم» بنقطة ماء نظيفة
- أذان الظهر
- أهل الخير
- التوك توك
- الدولة الحديثة
- الضمان الاجتماعى
- القناطر الخيرية
- المرأة الأربعينية
- الوحدة الصحية
- بنهر النيل
- تلوث المياه
- أذان الظهر
- أهل الخير
- التوك توك
- الدولة الحديثة
- الضمان الاجتماعى
- القناطر الخيرية
- المرأة الأربعينية
- الوحدة الصحية
- بنهر النيل
- تلوث المياه
- أذان الظهر
- أهل الخير
- التوك توك
- الدولة الحديثة
- الضمان الاجتماعى
- القناطر الخيرية
- المرأة الأربعينية
- الوحدة الصحية
- بنهر النيل
- تلوث المياه
- أذان الظهر
- أهل الخير
- التوك توك
- الدولة الحديثة
- الضمان الاجتماعى
- القناطر الخيرية
- المرأة الأربعينية
- الوحدة الصحية
- بنهر النيل
- تلوث المياه
طريق أسفلتى طويل تُزيّنه أشجار، تتوارى خلفها بيوت قديمة لا تظهر سوى حافتها من بين الأغصان، هدوء ملحوظ يغمر المكان تقطعه أصوات العصافير، و«التكاتك» التى تمر بين الحين والآخر، ينتهى الطريق بكوبرى صغير على يمينه ورشة ميكانيكى ومحل فاكهة، ليبدأ طريق أسفلتى آخر يؤدى إلى مدخل «عزبة دار الكتب» التابعة لمركز القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية، ترجع تسميتها بذلك الاسم إلى «محمد على»، مؤسس الدولة الحديثة، وهذا ما أكده أهالى العزبة، حيث إن العائد المادى الذى كان يجنيه الفلاحون فى الماضى كان يذهب إلى «دار الكتب المصرية» من أجل تطويرها، تناقض شديد بين مسمى العزبة وحال قاطنيها، يظهر فى الحوارى والأزقة والمنازل التى بُنيت بالطين، بالإضافة إلى انتشار الأمية، كما أن أهالى العزبة يعتمدون على غسل صحونهم وملابسهم فى نهر النيل، الذى يعتبرونه شريان حياتهم، ضحكات طفولية تتصاعد إلى السماء وهواء نقى يحمل بصحبته أصوات أمواج هادئة تنبع من أحد الشوارع الضيقة التى تنتهى بسلالم من الصخور الصفراء.
{long_qoute_1}
على حافة النهر تقف «منى» وشقيقتها «رحمة»، تشمر كل منهما عن ساعديها، تنهمكان فى غسل الصحون، تهتمان برصها، واحداً فوق الآخر فى تناغم مقصود، فينعكس عليها ضوء الشمس الساطع ليمنحها اصفرار الذهب اللامع، أحاديث شيقة يتبادلانها وضحكات ممتزجة بمشقة يتكبدانها أثناء غسل الصحون، تتضح فى ظهورهم المنحنية وأيديهم التى لا تجف من الماء والصابون، 3 ساعات متواصلة قضتها الفتاة العشرينية وشقيقتها الصغرى على النيل، تنتظران بفارغ الصبر نفاد الصحون حتى تبدأ الجولة الجديدة مع الملابس، تقول «منى»: «من الصبح بنطلع على البحر علشان نغسل المواعين، ولو فيه غسيل كتير بنجيبه معانا فى سَبَت، وبعد ما نخلص المواعين بنغسلهم، إحنا آه عندنا غسالة وميه بس اتعودنا على البحر، بنعمل فيه كل حاجتنا، حتى اخواتى الصبيان الصغيرين بيحبوا يستحموا فيه».
تلتقط منها «رحمة» أطراف الحديث، بعد أن همّت بالاعتدال، تأخذ نفساً عميقاً ثم تعاود الجلوس على الأرض، قائلة: «بانزل أساعد أختى فى المواعين والغسيل، لأن أمى تعبانة مش بتقدر تعمل حاجة»، تؤكد «رحمة» ذات الـ13 عاماً أنها لم تستكمل تعليمها بالمدرسة، وآثرت المكوث فى المنزل لمساعدة شقيقتها: «محدش عندنا فى العزبة بيتعلم خالص، وكمان التعليم محتاج مصاريف، ومعظم الناس هنا على قد حالها»، على بُعد مسافة قصيرة، تجلس صباح زكريا، برفقة ابنتيها تؤنسهما أثناء غسل الصحون، تبدأ الصغيرتان مهامهما بخلع الأحذية، ثم تجلسان بحكمة أمام الماء، تقوم «أسماء» بتنظيف الأطباق، بينما تنهمك «فاطمة» فى ممارسة هوايتها المفضلة التى تتمثّل فى صيد الأسماك، تُحضر سنارتها الصغيرة التى تتكون من عصا خشبية وحبل طويل مرفق بُطعم، تضع سنارتها فى الماء وتترقب حركة السمك فى هدوء، طامحة فى أن تظفر بواحدة، تعيش «صباح» برفقة زوجها وبنتيها فى بيت صغير مكون من طابق، يقتصر دخلهم على دكان بقالة صغير ومعاش تبلغ قيمته ألف جنيه: «محدش من عيالى دخل المدرسة، أنا عندى بنتين وولد فى الجيش، أبوهم رجل كبير عنده 90 سنة، كان شغال فى شركة حفارات وطلع على المعاش، نُص المعاش بيروح على علاج العضم بتاعه»، حزن شديد بدا على ملامح المرأة الأربعينية ينم عن ندم شديد بسبب إهمالها تعليم أبنائها: «الشهادة حلوة والعلام حلو، وزعلانة أوى إنى خرجتهم من المدرسة، وماحستش بكده غير لما كبروا قدامى والمسئولية زادت عليا». وعن عادة أهل العزبة فى إنهاء أعمالهم المنزلية فى البحر، تقول: «البحر ده هو اللى منضفنا، اتولدنا ولقينا أهلنا بيعملوا كل حاجة فيه، وكمان الميه فيه بتجرى والزبالة مش بتفضل زى ما هى».
يعمل بعض أهالى عزبة دار الكتب بحرفة الزراعة، بينما اتجه آخرون إلى شغل أعمال أخرى خارجها، محمود عباس أحد سكان العزبة، يعمل بمحل تصوير مجاور لمستشفى القناطر الخيرية، يقول: «أنا اتولدت فى العزبة، واتجوزت وخلفت فيها، كل الناس هنا قاعدة فى بيوت ملك، محدش ساكن بالإيجار خالص، شغل الزراعة قل فى العزبة وبقى معظمه شغل زينة، ناس كتيرة اتجهت لمهن تانية تشتغل فيها، وانا بالقط رزقى قدام المستشفى، لو حد عاوز يصور ورق»، يؤكد الشاب الثلاثينى أن يومه ينتهى بعد أذان الظهر، ثم يعود أدراجه إلى العزبة مرة أخرى: «باقفل الدكان أول ما المستشفى تخلص، وطبعاً الفلوس اللى بتطلع مش بتجيب همها، باحاول أشوف حاجة تانية أشتغل فيها، بس كل اللى حوالينا زراعة وفرص الشغل قليلة هنا».
عدم وجود صرف صحى أبرز المشكلات التى تعانى منها دار الكتب، حسب «محمود»، بالإضافة إلى عدم وجود مستشفى قريب منهم: «بنستعمل الطرنشات بقالنا سنين، وباظت مننا كذا مرة، والمشكلة أننا قريبين من البحر، لو ماعملوش لينا محطة، الصرف بتاع العزبة كله هيروح على البحر»، وعن الوحدة الصحية الموجودة فى العزبة، يقول: «عندنا وحدة صحية فى العزبة، فيها أجهزة ونضيفة، بس مافيهاش دكاترة أصلاً، مرة أروح يقولوا لينا مفيش النهارده، ومرة مانلاقيش الدكاترة أصلاً، ولما حد بيتعب فى نُص الليل من أهل العزبة بيتبهدل، لأن أقرب مستشفى على بُعد 5 كيلو، ومفيش مواصلات عندنا غير التوك توك».
حلول تقليدية لجأ إليها أهالى العزبة لتخفيف عبء المسافة الطويلة التى يقطعونها للوصول إلى السوق، «أم سهيلة»، واحدة من نساء العزبة، تقوم بشراء الفاكهة والخضراوات من سوق القناطر الخيرية وتقوم ببيعها فى العزبة: «بقالى 10 سنين بابيع خضار علشان أوفر على الناس بدل ما كل يوم يروحوا السوق ويدفعوا دم قلبهم فى المواصلات»، تعيش المرأة الخمسينية برفقة أبنائها الـ2 وزوجها المريض فى شارع صغير بالعزبة يُدعى «شارع البحر» يشتهر بأن جميع بيوته من الطين، تقول: «جوزى كان شغال فى ورشة وقعد منها لما جاتله جلطة، بقيت أقعد على فرشة الخضار أنا وهو، عندنا فى العزبة مدرسة الشهيد طارق أسامة، دى ابتدائى، ومدرسة الجهاد للإعدادى، «سُهيلة» فى 3 إعدادى، بتروحها، و«محمد» 6 ابتدائى، وناوية أخليهم يكملوا تعليم، ويبقوا أحسن ناس فى العزبة». تأخذ «أم سهيلة» 350 جنيهاً كمعاش من الضمان الاجتماعى، بالإضافة إلى العائد المادى الذى تحصل عليه من بيع الخضار: «ماعندناش فى الشارع طرنشات، فيه راجل بيجى كل شهر يفتح البلاعة ويفضيها وياخد مننا 200 جنيه، واحنا ظروفنا على قدّنا، وكمان بيجى من عزبة بعيدة، وفيه أيام مش بيرضى يدخل عندنا علشان المسافة بعيدة».
فى منزل ملاصق تجلس صفاء حسن، فى غرفتها الضيقة المكوّنة من دولاب خشبى صغير وسرير متهالك، تعيش برفقة ابنتها المطلقة بعد أن توفى زوجها منذ 18 عاماً: «باخد معاش 700 جنيه، والبيت ده حمايا اللى بناه من الطين، ولحد دلوقتى زى ما هو، بادفع المعاش كله فى أقساط الحاجة اللى جهزت بيها بنتى وأهل الخير بيساعدونى»، لدى «صفاء» 5 أبناء لم يستكملوا تعليمهم: «البنات خرجوا من المدرسة، وجوزتهم، والجدعان بيشتغلوا وبيصرفوا على نفسهم، محدش هنا بيهتم بالتعليم، الغلابة اللى زى حالتنا مش عاوزين من الدنيا غير الصحة والستر».
رغم وقوع تلك العزبة على نهر النيل مباشرة، فإن جميع سكانها يشكون من سوء نظافة المياه، بالإضافة إلى اعتماد بعضهم على شرائها، تؤكد المرأة الخمسينية أن جميع سكان هذا الشارع يقومون بشراء الماء من «السقا» الذى يتردّد عليهم يوم السبت والأربعاء: «بنملا الجركن أو الكولمن بـ2 جنيه، لو الميه خلصت بنملا من عند الجيران»، 40 عاماً قضتها «صفاء» فى العزبة دون أن تشهد أى حل لواحدة من المشكلات التى تواجه السكان: «طول عمرنا مش بنشرب ميه نضيفة، ومفيش عندنا صرف صحى خالص، أنا مش عاوزة أى حاجة غير أن ابنى يلاقى وظيفة كويسة، ويتجوز، لأن بتوع مجلس الشعب كل شوية يقولوا المشاكل هتتحل، ومفيش حاجة بتحصل».
بدت الحياة أكثر بؤساً لدى كريمة سلامة التى تعيش فى غرفة من الطين بمفردها بعد أن طلقها زوجها منذ 18 عاماً: «ربيت عيال أختى، 3 بنات وولدين، لأنى ماخلفتش، اتجوزوا كلهم ودلوقتى عايشة لوحدى بين 4 حيطان»، تعانى المرأة الخمسينية من الغضروف والقولون وتضخم فى الكبد، يقتصر دخلها على معاش والدها الذى يبلغ 310 جنيهات: «قبل ما أتعب كنت باشيل موز وفاصوليا من الغيط، وكنت بابيعهم، لكن بقالى 8 سنين قاعدة من الشغل»، رعب شديد تعيش فيه «كريمة» بعد تكرار حوادث السرقة التى شهدتها العزبة، تقول: «واحد جارنا عربيته اتسرقت من قدام البيت ده غير الناس اللى بتسرق البيوت، الأوضة اللى قاعدة فيها من الخشب والقفل بتاعها مكسور، باخاف أن حد يدخل عليا وأنا لوحدى ويكسر الباب، مع أن مفيش حاجة تتسرق، بس اولاد الحرام كتير».
تجمع نسائى بأحد شوارع العزبة، تحيط به مجموعة من الأطفال وصغار البط والأوز، يتبادلن أحاديثهن اليومية التى اعتدن أن يناقشنها كل صباح، تبدأ الحاجة غالية محمد، المجلس بالحديث عن غلاء المعيشة ومشاجرتها أمس مع سائق التوك توك الذى أصر على أن يأخذ منها 10 جنيهات، تقول: «كل أهل العزبة بتركب من القناطر لحد هنا بـ5 جنيه، بس علشان أنا مش باخرج كتير فكرنى غريبة وحب يستغلنى، بس أنا صممت واديته 5 جنيه برضه»، تعيش المرأة السبعينية بمفردها بعد أن تزوج أبناؤها، وتدير أمور حياتها بمبلغ 323 جنيه كمعاش: «عيالى بيجيبوا ليا العلاج علشان غالى، إنما باقى مصاريفى فأنا بادبرها من المعاش»، تؤيدها فى الرأى عايدة عبدالسميع: «إحنا غلابة وعايشين بالعافية مش مستحملين حد يستلغنا، لو كان فيه مواصلات من العزبة لحد القناطر ماكانش هيبقى فيه أزمة كل يوم، وكنا هنستغنى عن سواقين التوك توك الحرامية». تؤكد «عايدة» أنها تقطع مسافة طويلة يومياً من العزبة حتى تصل إلى سوق القناطر الخيرية: «أنا متعودة أشترى حاجتى كلها من السوق، وباضطر أروح كل يوم فى توك توك بخمسة جنيه، العزبة كلها مشاكل عايزة تتحل، واحنا اتعودنا عليها خلاص، اللى صبرنا على كل ده البحر، لو غسيل بنغسله فيه، لأنى واحدة من الناس مش باحب أشغل الغسالة علشان صوتها مزعج، لو طبيخ فاض منى بارميه فى البحر، لأن الميه ماشية وبتاخد كل ده معاها».
- أذان الظهر
- أهل الخير
- التوك توك
- الدولة الحديثة
- الضمان الاجتماعى
- القناطر الخيرية
- المرأة الأربعينية
- الوحدة الصحية
- بنهر النيل
- تلوث المياه
- أذان الظهر
- أهل الخير
- التوك توك
- الدولة الحديثة
- الضمان الاجتماعى
- القناطر الخيرية
- المرأة الأربعينية
- الوحدة الصحية
- بنهر النيل
- تلوث المياه
- أذان الظهر
- أهل الخير
- التوك توك
- الدولة الحديثة
- الضمان الاجتماعى
- القناطر الخيرية
- المرأة الأربعينية
- الوحدة الصحية
- بنهر النيل
- تلوث المياه
- أذان الظهر
- أهل الخير
- التوك توك
- الدولة الحديثة
- الضمان الاجتماعى
- القناطر الخيرية
- المرأة الأربعينية
- الوحدة الصحية
- بنهر النيل
- تلوث المياه