عمدة عرب جزيرة فاضل: "أنا بالعشم مولود هنا.. ومصر بتعاملنا على إننا أجانب"

كتب: محمد متولي ومحمود معوض

عمدة عرب جزيرة فاضل: "أنا بالعشم مولود هنا.. ومصر بتعاملنا على إننا أجانب"

عمدة عرب جزيرة فاضل: "أنا بالعشم مولود هنا.. ومصر بتعاملنا على إننا أجانب"

دور أرضي داخل "جزيرة فاضل" الفلسطينية، يأخذك إليه أي من سكانها إذا طلبت منه الذهاب لـ"الشق"، معلقة على جدرانها خرائط لـ"دولة فلسطين" صماء، وأخرى موضح عليها التفاصيل، وأسفلها صور للزعيم الراحل ياسر عرفات، وإلى جانب الصورة يجلس رجل بسيط الملامح شديد المراس قوي الشكيمة، لا يعلو صوت أحد فوق صوته، يبادل سكان الجزيرة الود والحب، يعرف نفسه قائلًا: "أنا عيد نصير النامولي، عمدة عرب جزيرة فاضل ومختار آل النامولي في مصر والشتات".

{long_qoute_1}

يحيا عمدة القرية وسط أهلها وأسرته، من الصعب أن تفرق أطفاله عن أطفال القرية بأكملها، يرتدي أغلب الأطفال ملابس متسخة أغلب الوقت بسبب اللهو واللعب في طريق الجزيرة، وهو الأمر الذي فسره العمدة بأنه "شيء طبيعي"، قائلًا: "الأولاد هنا كلهم عيلة واحدة وأسرة واحدة، الولد بيطلع يلعب في الشارع كأنه بيلعب في شقته، وبالنسبة ليه الشارع أوضه في شقة، ولو أي حاجة ضاعت بترجع تاني في آخر اليوم لبيته".

{long_qoute_2}

بصوت هادئ، يعرف النامولي أبناء الجزيرة بقوله: "مختار القبيلة الشيخ نصير النامولي جه في سنة 1948، بعدما هاجر من فلسطين بسبب حرب الهجانة والعصابات التي يجيدها الإسرائيليون، وحفاظا على أرواحهم نزحوا لمصر"، موضحًا أن رحلة الهجرة التي بدأها والده كانت "شاقة" و"مرهقة"، مقسمًا إياها إلى محطات، "بدأت الهجرة من سيناء لرفح للشيخ زويد وحتى العريش، وصولًا ببئر العبد للقنطرة، حتى استقرينا في محافظة الشرقية".

تعايش أهل القبيلة مع القرى المصرية المجاورة لهم، وذلك بعدما ساعدهم المصريون بناءً على تأكيدات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أن الفلسطيني يُعامل معاملة المصري في كل شيء حسبما ذكر "النامولي"، موضحًا: "كنا نعامل معاملة المصري في كل شيء، مثل العمل في القطاعات الحكومية أو الخاصة، أو السفر للدول المجاورة بحثًا عن لقمة العيش والعودة مرة أخرى إلى الجزيرة، كما كنا نمتلك بطاقة تموينية، وتقدم لنا الحكومة المصرية تسهيلات لمساعدة الأطفال على استكمال تعليمهم بمراحله المختلفة"، إلا أن كل المميزات التي كان يتمتع بها أهل الجزيرة "رُفعت" عن أهلها، بحسب قوله.

{long_qoute_3}

يقول عمدة الجزيرة، إن المشاكل التي يعانيها أهل "فاضل" تتضمن ارتفاع سعر استخراج الوثائق والأوراق التي يحتاجها الطلاب للتعليم، والبطاقات التموينية التي تم رفعها عن الفلسطينيين جميعًا، لافتًا إلى أنه "رغم ولادة كل أفراد الجزيرة في مصر إلا أنهم يعاملون معاملة الأجانب دون استثناء"، مشيرًا إلى أن الأوراق الخاصة بالسفر خارج مصر، كانت فيما سبق لا تتعدى الـ4.10 قرش، إلا أنها حاليا يتم استخراجها بـ110 جنيهات لكل طفل يولد، إلى جانب أوراق الإقامة وجواز السفر، الذي يتم استخراجه بـ150 جنيها، بعد أن كان بـ10 جنيهات فقط، إضافة إلى منع أهل الجزيرة من مغادرة مصر للخارج، سوى للمملكة العربية السعودية، لأداء فريضتي الحج والعمرة، في فترة لا تتجاوز 15 يومًا.

{left_qoute_1}

"من سنة شالوا الدعم عن الفلسطينيين واتعاملنا على إننا أجانب، رغم أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أكد معاملة الفلسطينيين زي المصريين".. كلمات أوضح بها النامولي ما آلت إليه الأمور في الجزيرة، مشيرًا إلى أنه بسبب تصريحات الزعيم الراحل عبدالناصر، غضت وكالة "أونروا" الدولية -التي تقدم الدعم للاجئين- الطرف عن الجزيرة، ولم تعترف بهم حتى الآن.

يعاني أهل الجزيرة من مشكلات صحية عدة؛ بسبب انتشار مخلفات القمامة من زجاجات بلاستيكية، يقول النامولي: "في السابق، حين كان يمرض أحد الفلسطينيين، كان يتلقى العلاج بشكل طبيعي، أما حاليا، الفلسطيني يعالج بقرار وزاري فلسطيني، يجد صعوبة في استخراجه، نظرا لمعاملته كأجنبي، رغم أنه ولد في مصر، هذا إلى جانب عدم اعتراف وزارة الصحة الفلسطينية بالفلسطينيين الموجودين في مصر منذ عام 1948، حتى بدأ أهل القرية في إنشاء مستوصف منذ عامين، لكن لم يتم الانتهاء منه حتى الآن؛ وذلك لتنفيذه بالجهود الذاتية، بعيدًا عن التبرعات"، متابعًا أن المستوصف الجديد سيهتم بحالات الطوارئ في المقام الأول.

"التعليم في الجزيرة ترمومتر زئبقي فيه كذا مشكلة، وبنتغلب عليها في حدود المستطاع".. كلمات وصف بها عمدة القرية حال التعليم بالجزيرة، منوهًا بأن هناك نحو 200 طفل حاصلين على الدبلومات والمعاهد الفنية، وهم نسبة لا تتعدى الـ10%، مشيرًا إلى أن التسرب من التعليم أصبح في ازدياد مؤخرًا، بسبب العوائق التي تواجه أهل الطلاب، حيث يُشترط على الطالب الحصول على جواز سفر يتكلف 150 جنيهًا، وموافقة من قبل حاكم قطاع غزة، وأوراق من قسم الوافدين بوزارة التربية والتعليم في القاهرة، وأوراق أخرى لإدارة الوافدين بالشرقية، ما يكلف الأمر برمته 2000 جنيه لكل طالب، مضيفًا: "عشان ولي الأمر يروح مرتين القاهرة والشرقية، أولياء الأمور بيزهقوا، رغم أن الطلاب مولودون في مصر من الأساس"، متابعًا: "إحنا لا دولة ولا سلطة، وأنا بالعشم مولود هنا، والمفروض اتعامل معاملة المصري، وحاكم غزة مسؤول عن اللي لسه جاي من فلسطين بس، مش على الفلسطينيين اللي عايشين في مصر".

يرجع النامولي سبب تسرب الأطفال من التعليم، إلى انتشار مهن مثل "جمع مخلفات البلاستيك" و"البناء" على أرض الجزيرة، قائلًا إن الأسر بدأت في العمل بمخازن الخردة وتعليم مهنة جمع القمامة، حيث يشتريها التجار ثم يعيدونها إلى القاهرة لإعادة تدويرها، موضحًا: "عشان هي مهنة سريعة ومربحة، ابتدى التسرب من التعليم والتباهي بين الآباء، وعندما يرى ابن عمه زبال لازم يكون زبال زيه"، يرى أهل القرية أن "الشغل مش عيب، وممكن الطفل يشتغل في الإجازة ويكمل تعليمه"، مؤكدًا: "ظاهرة التعليم مش سلبية قد ما هي مش إيجابية، بس هي خدت أكبر من حجمها، وإحنا بكده ظالمين أطفالنا بسبب الأوراق والحاجة للمال، حتى أصبح التعليم جزء غير موجود في القرية بسبب عدم التوعية، وأهل القرية مش عايزين فلوس بس، عايزين يتعلموا ومحتاجين تنمية عقول".

تعلو وجهه ابتسامة يبدو عليها الفخر، حين يذكر والده شيخ القبيلة، يقول: "الله يرحمه كان بيعتبر مصر بيته الثاني، وكان مقتنع أن دولته الأصلية فلسطين ولا عودة عن حق العودة، وكان على طول بيفكرنا بالبيارات في فلسطين وشجر البرتقال، وكان بيتمنى أنه يموت ويتدفن في فلسطين، حتى وَّرثنا حب فلسطين وكافة الدول العربية"، قائلًا إن والده أنشأ دارًا للضيافة سماها "الشق"، وفصولًا لمحو الأمية، يضيف وهو يتنهد: "إحنا ماشيين على خطاه، بنعرف الأولاد اللي بيحصل في فلسطين، وبنعمل ليهم يوم فني ثقافي اجتماعي مرة كل سنة بالتعاون مع الدكتور بركات الفرا سفير فلسطين السابق في مصر، وبنحفظهم خريطة فلسطين الصماء عشان مينسوش بلدهم، وبننمي عندهم حب القومية العربية عشان مينسوش في يوم من الأيام وطنهم ومينسوش القدس".

لجأ أهل الجزيرة للانصهار في القرى المصرية المجاورة، حيث يقول النامولي: "بعد انصهارنا في القرى المجاورة، بعد موافقة والدي الشيخ نصير تزويج ابنه الأكبر من ابنة عمدة قرية سنتريس، وعندما يوافق شيخ القبيلة على تزويج ابنه من مصرية، يكون فتح الباب لباقي سكان الجزيرة، لكن لم تتزوج السيدات الفلسطينيات من مصريين في القرى المجاورة وكنا بناخد مبنديش، ولم يبق الوضع على ما هو عليه، لكن تغير حاليا، حتى أصبحت السيدات الفلسطينيات يتزوجن من المصريين، بعدما كان ممنوع الزواج من خارج القبيلة لأي سبب، لكن ما فعله النامولي الكبير كسر القاعدة".

يرجع النامولي سبب الانصهار هذا بسبب التقلد بالمكان، وذلك لنشأة كافة الأفراد داخل الجزيرة منذ عام 1948، موضحًا: "زيي زي أي مصري خدت رقم تسجيل من السجل المصري لكن بجنسية فلسطينية، لكن تمنح الأم المصرية الجنسية المصرية لأولادها، وذلك بناءً على قرار رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف، حتى بقينا منصهرين تماما في القرى اللي حوالينا".

يتنافس أهل الجزيرة على كثرة الإنجاب، ولا يعيرون لـ"تحديد النسل" أهمية، يقول عمدة الجزيرة إن الأهالي يهتمون بالإنجاب كي تستمر سيرة الأب بعد وفاته بين أهله، "فكرة إني أجيب 4 عيال بدل واحد بس ويموت مش هيكون ليا ذكر من ورايا، أنا بخلف 4 عشان لو واحد ولا اتنين ماتوا يكون ليا ذكر، وغيري لما بيتجوز بيكون في منافسة لخلفة أكبر عدد من الأطفال وبيخلف بدل العيل 20، عشان يفضل مقامه محفوظ وسط الناس بالهيبة والقوة والسيطرة في الأولاد"، يسعى بعض رجال القرية للزواج من سيدتين كحد أدنى، معللًا: "هتعيش سعيد بين الاتنين، واحدة هتحاول ترضيك والتانية هتحاول تراضيك".

للقضاء العرفي في الجزيرة أهمية كبرى للفصل بين النزاعات وإعادة الحق لأهله، والذي يطبق في الجزيرة، مؤكدًا أهميته بقوله: "محافظ شمال سيناء السابق كان بيعترف بالقضاء العرفي، وحطله مادة تعترف بيه في مجلس تحكيم، وبعدين بيترفع للنيابة وهو واحد، سواء مصري أو فلسطيني، ومن ميزة المجلس العرفي إنه سريع وبينجز، وفي نفس الوقت لو عايز تاخد حقك على المصطبة بتلجأ للقضاء العرفي، وبيكون ملزم للطرفين بعد اختيار 3 من أطراف النزاع".

يسعى السفير السابق لدولة فلسطين في مصر، الدكتور بركات الفرا، لتسهيل إجراءات أهل الجزيرة، وذلك بمعونة سفير فلسطين الحالي جمال الشوبكي، والدكتورة آمال الأغا رئيس اتحاد المرأة الفلسطينية، وفايق عوكل، حسب ما قال عمدة الجزيرة، موضحًا أنهم يساعدون أهالي الجزيرة على تنظيم يوم ثقافي لهم، يتحدثون فيه مع الطلاب المتسربين من التعليم وتحفيظ الأطفال النشيد الوطني الفلسطيني والمصري، إلى الخريطة الصماء لدولة فلسطين، حتى بنى عمدة الجزيرة دارًا للضيافة أكبر من "الشق" الذي يستقبل فيه زائريه.

حلم العودة كان ومازال أملًا لدى كثيرين ممن يحيون على أرض الجزيرة، دور "النامولي" كعمدة يتطلب أن يكون لديه جانبًا توعويًا، إلى جانب ترسيخ حب الوطن الأم "فلسطين"، وغرس حلم العودة للديار في نفوس الأطفال، مضيفًا: "لما كان أبويا بيعجبه مانجا معينة كان بياخد بزر المانجا علشان يزرعها في فلسطين لما يعاود، حتى أخي أبوياسر اشترى أرض في السبعينيات، بس أختي قالتله إنت بتشتري ليه إحنا قاعدين ضيوف وهنرجع تاني"، مؤكدًا أن حلم العودة موجود داخل أصغر طفل وحتى أكبر شيخ، وهو الحق الذي يعتبره "شخصيًا"، ولا يعني أي من الرؤساء أو الحكام أو الملوك.


مواضيع متعلقة