بروفايل| عمر مكرم.. "الشريف"

كتب: سلوى الزغبي

بروفايل| عمر مكرم.. "الشريف"

بروفايل| عمر مكرم.. "الشريف"

تعددت الألقاب والشخص واحد، فتارة تجده جالسا بين طلابه يسقيهم من علمه وينير عقولهم، وأخرى تجده عاملا مجاهدا يفني حياته فداءً لبلاده، وإذا طلب الولاية بالأمس لشخص ارتآه عادلا صالحا، تجده اليوم يثور عليه حينما يصبح الوالي نفسه جائرا ظالما، ويبدو هادئا مطمئنا إذا ما ألقوا به في غيابات المنفى نظير جهاده، ليستحق "عمر مكرم" لقب نقيب الأشراف في بلاده خلال زمنه، ويكون له موعد مع التاريخ، رغم عثرات متكررة شهدها طوال حياته.

بدأت حكاية عمر مكرم من الأزهر، فالشاب، المولود بمحافظة أسيوط في العام 1750، انتقل إلى القاهرة ليستكمل دراسته الأزهرية وينهل من العلم ما يؤهله لشغل مكانة كبيرة بين المشايخ في عصره، لتبدأ رحلة جهاده بالدفاع عن الشريعة الإسلامية ورفع لوائها، مطالبا بأن تكون الحكم الأساسي في كل ما يخص المصريين من أمور دينهم ودنياهم.

لم يكن منصب نقيب الأشراف في بلاده، مجرد لقب ناله بالانتخاب في العام 1793، بل أثبت جدارته به حين وقف في وجه الحاكمين المملوكيين "إبراهيم بك" و"مراد بك" بعدها بعامين، وقاد حركة شعبية كبرى منددة بسياستهما الظالمة الفارضة لضرائب مجحفة لا يتحملها المصريون، لينتهي الأمر بتوقيع أول وثيقة تحدد الحقوق والواجبات بين الحاكم والرعية، وتضم 5 بنود، وقعها الأميرين مراد بك وإبراهيم بك والوالي الباشا العثماني بنفسه، وصدق عليها زعماء الثورة، وعلى رأسهم عمر مكرم نقيب الأشراف، والشيخ عبدالله الشرقاوي شيخ الأزهر، والشيخ محمد البكري، والشيخ أبوالأنوار السادات، والشيخ محمد الأمير.

"دقت ساعة الغضب الثوري".. كان ذلك هو نداء الشريف عمر مكرم إلى الآلاف من أبناء شعبه، ليشاركوا في الجهاد الأكبر ضد الفرنسيين، لم يصمت كغيره من الأمراء المماليك الذين لم يحركوا ساكنا إثر قدوم "نابليون بونابرت" إلى مصر غازيا في العام 1798، بل التحم مع الآلاف من أبناء حي بولاق الذي استهدفت المدفعية الفرنسية لتدك قوائمه وتهدم الدور على سكانها، لتمثل تلك المعركة الشعبية الخالدة التي قادها "نقيب الأشراف"، أول مقاومة حقيقية للفرنسيين في الساعات الأولى لحملتهم، رغم أن نتاجها كان جثثا مصرية ملقاة على الطرقات، واحتراق الأبنية والقصور ورحيل من بداخلها فداءً لوطنهم.

المحطة الأشهر في تاريخ الشريف، عمر مكرم، كانت حين قاد ثورته الثالثة للإطاحة بالوالي العثماني "خورشيد باشا"، ذلك الوالي العثماني الذي استقدم أفراد حراسته من الجنود الدلاة الذين أشاعوا الرعب في نفوس المصريين بسبب فظائعهم، فبينما المحال مغلقة والفوضى منتشرة والمنازل يتم اقتحامها، يقود زعيم المقاومة الشعبية حركة تحرير وتمرد على الوالي العثماني، ليلوح في الأفق رجل تربى بينهم وشرب من طباعهم يطالبون به حاكما عليهم، فيصدر السلطان العثماني فرمانا بتولية "محمد علي" واليا لمصر في العام 1805.

غاية الشرف بدت حينما ارتأى عمر مكرم، أن الرجل الذي نادى به واليا يحيد عن معسكر الحق، فما إن فرض محمد علي ضرائب جديدة على المصريين في يونيو من العام 1809، حتى بدأ نقيب الأشراف في تحريك ثورة جديدة ضده، ورفض مقابلته في مقر حكمه بالقلعة، واشترط أن يكون اللقاء في بيت الشيخ السادات، فكان "منفى دمياط" في انتظاره يقضي به سنوات طويلة من عمره.

الشريف لا ينسى.. فبعد سنوات النفي العشر، استقبلت القاهرة السيد "عمر مكرم أفندي"، ليعود الثائر الشريف من فوره إلى مقاومة الوالي الذي نفاه، ويبدو ذلك في ثورة جديدة يقودها مع سكان القاهرة ضد الضرائب الباهظة التي فرضها محمد علي في مارس من العام 1822، ليجد الأخير أن الحل في أن يموت "عمر مكرم" منفيا داخل أحد المنازل بطنطا، غير أن التاريخ رد على كل ذلك بتمثال على هيئته في أحد أكبر ميادين "مصر المحروسة".


مواضيع متعلقة