متى يدير مجلس الأمن القومى أزمات الدولة؟!

جمال طه

جمال طه

كاتب صحفي

مصر تتعرض لأجيال حديثة من الحروب، مجلس الأمن القومى هو الحل لمعضلة إدارة الدولة، وغرفة عمليات أزماتها، يستشرفها، يفككها، يمنع الانزلاق للحلول الأمنية، مطبخ قرارات الرئاسة، مركز تجميع وتنسيق وتوظيف جهود الأجهزة السيادية، ضماناً لرشادة القرارات، يمسك بخيوط وأدوات استراتيجية الدولة، لتعبر إجراءاتها وقراراتها عن قوتها وهيبتها، يمنع نشوء مراكز قوى تستحوذ عقل الرئيس وتوجهاته، أو تسعى لفرض رؤيتها على مؤسسات السلطة، عين الرئيس على الداخل والخارج، يجمع بين إدارة الحرب، ومواجهة تحديات السلام.

السادات عين حافظ إسماعيل مستشاراً للأمن القومى يوليو 1971، وأميناً عاماً لأول مجلس بالبلاد، يقود استعدادات الدولة الاستراتيجية لحرب أكتوبر 1973، «سياسياً، دبلوماسياً، عسكرياً، إعلامياً، اقتصادياً…»، استعان فى الأمانة بمساعدين أكفاء -على سبيل الإعارة- من الأجهزة والجهات السيادية بالدولة، أبرزهم أحمد أبوالغيط، لعب دوراً رئيسياً فى تحقيق النصر، لكن الدولة لم تقنن وضعه المؤسسى، فعاد عناصره لأعمالهم بعد الحرب، واستشعر إسماعيل تجاهلاً من الرئيس لتقاريره وتوصياته فاستقال، ليترك فراغاً سياسياً، غلَّبَ الرؤية الأمنية على معالجة الأزمات، اعتقال السادات 1500 من الشخصيات السياسية والعامة كان بداية لانتهاء حكمه، بعد أزمة إدارة الدولة إبان حكم الإخوان، وما أعقب الإطاحة بهم من إرهاب وتخريب، وحصار خارجى، أصبحت استعادة تجربة المجلس ضرورة ملحة، أنشىء بقرار جمهورى 26 فبراير 2014، برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية رئيس الوزراء ورئيس البرلمان ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمالية والعدل والصحة والاتصالات والتعليم ورئيس المخابرات العامة ورئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بالبرلمان، وتحددت اختصاصات الأمانة العامة بالقرار الجمهورى 17 يوليو.

دراسة التجربة المصرية وبعض التجارب الدولية تطرح تساؤلات، تثير إشكاليات، تفرض ملاحظات تتعلق بآليات تفعيله:

■ منصب الأمين العام ذو طبيعة استراتيجية، لا يهم انتماؤه لأى جهة بقدر الاهتمام بضرورة أن يجمع شاغله بين الخبرة العسكرية، والقدرة على إدارة السياسة الخارجية، الدراسة الأكاديمية، العمق الاستراتيجى، اختيار حافظ إسماعيل ابن المؤسسة العسكرية، خريج أكاديميات العلوم العسكرية بمصر وبريطانيا، رئيس المخابرات العامة، وزير الخارجية، يعكس نجاح السادات فى اختياره.

■ إسماعيل جمع بين منصبى مستشار الرئيس وأمين عام المجلس، وهو اختيار يُفَعِّل دور المجلس فى خدمة الرئاسة، ويعطيه ثقلاً فى مواجهة الأجهزة السيادية، لكنه يجعل المجلس جزءاً من مكتب الرئيس، ويحوله لكيان يفتقد الشخصية، يخشى الاختلاف، يهتم بترجمة فكر الرئيس، وتبرير إجراءاته، بغض النظر عن مدى ملاءمتها، فينعدم دوره. د. فايزة أبوالنجا اكتفت بمنصب مستشار الرئيس ولم تستحوذ على أمانة المجلس، وهو اختيار يمنحه الاستقلالية والحرية فى طرح رؤيته بموضوعية وتجرد، إلا أنه ينبغى إحاطتها بنتائج اجتماعات المجلس، ضماناً لحسن المتابعة.

■ أهمية إبعاد شاغل المنصب، أو المنصبين معاً، عن المهام التنفيذية ومخاطبة الإعلام، الاستثناء الوحيد إمكانية إيفاده كمبعوث للرئيس فى القضايا الاستراتيجية، وفى أضيق الحدود، لأن المبالغة قد تؤدى للتنافس وتهميش أدوار المسئولين التنفيذيين.

■ الأمانة العامة ينبغى أن تضم كفاءات وخبرات من الدفاع، الداخلية، الخارجية، المخابرات العامة والحربية، إضافة للاستعانة بمتخصصين كلما تطلب الأمر فى (الاقتصاد والمالية، الإعلام والثقافة، التعليم والدعوة)، ومتخصصى مراكز البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية. الأمانة لا ينبغى تحويلها لمؤسسة بيروقراطية، أو تضخيمها بأعداد من الخبراء والإداريين، كافة المناصب باستثناء الأمين العام ومساعديه تقتصر على الندب أو الإعارة، وفى أضيق الحدود، هى مهمة وطنية تتطلب متطوعاً للعطاء، لا متطلعاً لمزايا، المرتبات والبدلات تُصرف من الجهات الأصلية، ويعوض المجلس الأقل، حال تساوى الأقدميات، تحقيقاً للمساواة، الانضباط والصرامة طابع العمل بالمجلس، الخطأ الأول هو الأخير، والانحياز للمؤسسة التى ينتمى لها على حساب الموضوعية يفرض إنهاء الإعارة، ويجوز النقل بعد 15 عاماً.

■ تصب تقارير الجهات السيادية والأجهزة الأمنية والرقابية والخارجية والمالية، وتقارير الأجهزة المتعاونة، فى أمانة المجلس للفحص، ما يتعلق بالأمور المراسمية، والقضايا العاجلة، والأحداث الطارئة تحوله لمكتب الرئيس للعرض دون تدخل، والتقارير المتعلقة بموضوع واحد يتولى أعضاء الأمانة دراستها وتحليلها ودمجها فى تقرير مجمع وملخص حال اتفاقها، أو تقييم وجهات النظر، وتحديد الرأى المرجح فيها حين الاختلاف، كل التقارير قابلة لاستخراج احتياجات وتكليفات بشأنها لمختلف جهات الدولة، كل فى اختصاصه، لتأكيد أخبار أو استكمال معلومات أو للتقييم والرأى، على ألا يؤدى ذلك لإفشاء ما بها من معلومات، أو التطوع بتوجيهها لجهة لم تتوصل إليها فتبادر بنفيها دفعاً لشبهة التقصير، الأمانة تكلف الجهات المعنية بدراسات وبحوث تتعلق بمواجهة تحديات معينة، أو تطوير الأداء بالدولة أو طرح بدائل لتوجه استراتيجى، ردود الجهات لا تتأخر عن ثلاثة أيام عمل مهما كانت المبررات، الأمانة تدعم حسن التقييم وتكامل العرض على الرئيس، والتقارير المجمعة المرفوعة ينبغى أن تكون مشفوعة بمقترحات عملية لمواجهة التحديات التى تواجهها الدولة.

■ ويعنى ذلك ضبط وتدقيق التقارير المرفوعة للرئيس من مختلف الجهات، من خلال المقارنة وتحقيق التكامل بينها، واستكمال ما نقص، مما يحول دون فرض جهة أو فرد معين لرؤيته على رئاسة الدولة، ويمنع التنافس بين الأجهزة والوزارات التى تعمل كجزر مستقلة ومُنعزلة، وبالتالى تجنب عشوائية القرارات والسياسات، ونقص المعلومات والبيانات.

■ حتمية التزام المجلس بالمهام المحددة له، وفقاً لما ورد بقرار تأسيسه، وتوجيهات القيادة السياسية، على أن يقوم بتحديد الأولويات بنفسه، بناء على تقدير موقف موضوعى لمتطلبات كل مرحلة، تجنباً لسلبيات النموذج الأمريكى الذى يحدد الرئيس مهام المجلس، إيزنهاور ركز على التخطيط السياسى، كيندى ونيكسون اهتما بالسياسة الخارجية، جونسون أعطى أولوية للسياسة الداخلية.

■■■

قد لا يتسع المجال لفتح الملف من بدايته، فلنبدأ منذ إسقاط الطائرة الروسية لضرب أهم مرتكزات علاقاتنا الاستراتيجية ومصادر دخلنا السياحى، واستهداف القنصلية الإيطالية ومقتل ريجينى لعرقلة مشروعات الغاز والاستثمار والسياحة، والأخطر، أزمات ممنهجة بالداخل تستهدف الخصومة بين النظام والنقابات المهنية، آخرها تداعيات أزمة الجزيرتين مع الصحفيين فى اليوم العالمى لحرية الصحافة، ومواجهتها بفرض حظر على النشر!! تعدد الأزمات وتزامنها وارتباطها بعلاقات عضوية يفرض صعوبات بالغة فى إدارتها بجهود وآليات الجهة المعنية، لن أسام التذكير والتكرار، مصر فى حرب.. أفلا تصدقون؟!