قدامك سكتين عشان تاخد الشهادة: تمشى رسمى وتتبهدل.. أوتدفع وتخلص «من تحت الترابيزة»؟
![صورة أرشيفية](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/6318909411441718417.jpg)
صورة أرشيفية
«شهادات مضروبة» نزعت صفة التعقيد عن جميع الإجراءات الحكومية التى ظلت تلازمها عقوداً طويلة. «الدفع أولاً» يجعل الحياة على ما يرام ويُنهى تلك الإجراءات التى تستغرق أسابيع وربما شهوراً بأكملها خلال «ساعة زمن»، شهادات جامعية مضروبة، ماجستير ودبلومات، ورخص قيادة وغيرها، إلى أن تصبح تلك الشهادات تحصيل حاصل، تجمع من خلاله الدولة أكبر قدر ممكن من الرسوم فى الوقت الذى يقوم فيه مجموعة من «النصابين» بتسهيل تلك الإجراءات مقابل «سبوبة» ينتزعونها من جسد المواطن، الذى لا يريد شيئاً سوى إنهاء أوراقه فى عجالة.
فحص طبى قبل الزواج.. إحدى هذه الشهادات التى يتوقف الزواج فى أحيان كثيرة عليها، «الوطن» خاضت رحلة الحصول على شهادة الفحص، لتفاجأ خلال الرحلة بـ«مافيا» تنظم الأمر، وتحوله من مجرد إجراء حكومى فقد الهدف منه، إلى بيزنس قد يكشف فى بعض تفاصيله عن جرائم أخرى، يأتى «تسهيل زواج الأجانب مرضى الإيدز» كأحد أبشع هذه الجرائم المختفية وراء «شهادات الفحص الطبى».
نقطة بداية قادت إلى عدد من النتائج، على باب «مستشفى المنيرة العام» فى السيدة زينب بدأ التحرك، محررا «الوطن» يؤديان دور العريس والعروسة، الاستعلام عن المكان المخصص لإجراء الفحوصات لا يتطلب جهداً، تشير الممرضة إلى نهاية الممر دون أن تنظر لمحدثيها «آخر الطرقة يا أستاذ».. لافتة صغيرة مدوّن عليها «المكتب الخاص بالشئون الاجتماعية»، واستفسار بسيط تؤكد من خلاله إحدى الموظفات «أيوه هنا، كانوا بيعملوا شهادات الجواز، بس المكتب ده مقفول من 3 سنين ومحدش يعرف السبب».. كلماتها لا تنهى المهمة، بالعكس بدأت الجانب الخفى فيها، تشير الموظفة إلى أحد العمال المتكئ على مقشته: «اسألوه هيدلكم تعملوها فين وازاى»، لم يبذل الرجل جهداً فى فهم استفسار محدثيه، أجابهم قبل أن يسألوه، ليشير بيديه إلى الرصيف المجاور للمستشفى: «ما تقلقوش، الشهادة هتاخدوها وانتوا واقفين، روحوا بس لعم سعد اللى قاعد على الكرسى هناك ده هيعملها ليكم من غير ما تكشفوا ولا تعملوا أى تحاليل، بس ابقوا افتكرونى بالحلاوة».
يبتسم فى وجوه الجميع، خبرته فى العمل جعلته يدرك مراد المقبل إليه، على كرسيه البلاستيك جلس مستريحاً، استقبل قلق سائليه: «انتو بتدوروا على سعد؟ أنا سعد، انتو قلقانين ليه، هات بس صورة من بطاقتك وبطاقتها وصورة شخصية لكل واحد فيكم وهتاخدوا الشهادة حالاً». لا يوجد ما يعطل الأمر بالنسبة له: «لو مفيش صور شخصية جاهزة، روحوا اتصوروا فورى فى الاستوديو اللى ورا المستشفى، وتعالوا وانا مستنيكم هخلّص لكم كل حاجة». قال إن الأوراق الخاصة بالفحص لن تتم سوى بإحضار صورتين من البطاقة وصورتين شخصيتين لكل فرد: «اتصوروا صور فورية بسرعة وتعالوا وأنا هخلّص ليكم كل حاجة»، فى الاستوديو بدا الأمر طبيعياً، قبل أن يقتحم رجل ضخم البنيان الاستوديو، موجهاً حديثه لـ«الوطن» فى صيغة تهديد: «أنا اللى اسمى سعد واللى بره ده راجل نصاب هياخد منكم 500 جنيه على الشهادة ماترحوش عنده تانى، اطلعوا على أى مستشفى واعملوا التحليل ومش هتدفعوا غير 34 جنيه بس، الصور تطلع ومش عاوز أشوف وشكم هنا تانى». فضول شديد دفع «الوطن» للعودة إلى «سعد المزيف» الذى وعد بإنهاء الأوراق لكن الرجل غيّر لهجته وحديثه، وبدا خائفاً قبل أن يعترف: «اسمى أبومحمد، بس مش هقدر أعمل لكم الشهادة، اركبوا تاكسى واطلعوا على مستشفى حدائق زينهم واسألوا على وحدة سوزان مبارك الطبية وهتدفعوا 34 جنيه من غير ما تعملوا التحاليل وهتاخدوا الورق وانتو واقفين». محاولات كثيرة خاضتها «الوطن» لإقناع «أبومحمد» باستخراج شهادة الفحص، باءت جميعها بالفشل، صمت برهة ثم عاود مواصلة حديثه قائلاً: «الصراحة أنا بعملها للأجانب مش للمصريين باخد 300 جنيه من كل واحد والورق بيخلص خلال ساعة زمن، مش بعملها لأى حد، لازم الناس اللى تيجى تكون تبع حد أعرفه فى وزارة العدل، مش بتعامل مع حد بشكل عشوائى ولا مع حد ماعرفهوش، أنا هبعتكم على مستشفى تخلّصوا كل حاجة فيه، لأن عشان تاخدوها وقتى هتكلّفكم جامد، والشهادات غليت فى المستشفيات كلها بقيت بـ160 جنيه». تناقض شديد بدا واضحاً فى حديث «أبومحمد» وكأنه يريد الخلاص من الموقف برمته: «هوصف لكم المكان اللى هتروحوه وانا مالى إيدى منه وهوصّى عليكم، بس هتراضونى قبل ما تمشوا، أنا أنقذتكم من فلوس كتيرة كنتوا هتدفعوها»، أكد الرجل الخمسينى أنه يختص بتزوير تلك الشهادات للأجانب نظراً للكحوليات التى يتعاطونها وتؤثر على نتائج الفحص الطبى: «الخمرة بتفرق معاهم فى التحاليل لأن ممكن يكون فيه إصابة بفيروس سى أو مرض الإيدز، أنا بعدى ليهم الحاجات دى فى ورق التحاليل وماليش دعوة بأى مشاكل صحية تحصل ليهم أنا مهمتى أخلص الورق وآخد فلوسى ولو ماخلصتهوش غيرى هيخلّصه».
«احصل على الموافقة والإقامة يتبقى لك التحاليل الطبية قبل الزواج، نعمل لك التحاليل الطبية بالمستشفيات خلال ساعة زمن، وألف مبروك للعروسين» كلمات نُقشت على كارت صغير أخرجه «أبومحمد» من جيبه مرفقاً برقم هاتفه، محاولة جديدة قامت بها «الوطن» لاصطحاب الرجل الخمسينى إلى الوحدة التى دل عليها، إلا أنه رفض بدعوى: «مش هينفع، لو شافونى معاكم الورق هياخد وقت طويل، إنما لو انتم لوحدكم هتخلّصوا كل الورق فى ساعتها، ده غير إنهم هياخدوا الفلوس الضعف».
دقائق معدودة ووصلت «الوطن» إلى «وحدة سوزان مبارك» لطب الأسرة، وسيراً على الخطوات التى سردها «أبومحمد» تعاملت «الوطن».. غرفة واسعة، فى مقدمتها منضدة خشبية، يجلس عليها طبيبتان وفتاة تتولى تنسيق الأوراق وكتابة بيانات العروسين، قدم المحرران الصور الشخصية وصور البطاقات، ثم توجها إلى شباك التذاكر لدفع رسوم الفحص التى تبلغ قيمتها 34 جنيهاً للفرد، بالحديث مع الموظفة الجالسة أمام الشباك ادّعت المحررة بأن لديها فوبيا من الحقن وأبدت خوفاً شديداً من إجراء التحاليل، أكدت لها الموظفة أنها سوف تساعدها مقابل الدفع: «هتاخدوا الورق وتطلعوا على معمل التحاليل وهتقولوا للممرضة إنكم تبع مدام أميمة من مكتب الصحة صاحبة مدام نجلاء»، بمجرد أن انتهت الموظفة من كتابة الأوراق همّت بالوقوف، توجهت صوب الهاتف الأرضى، أجرت من خلاله مكالمة، وعقب دقيقة همست قائلة: «اطلعوا المعمل، أنا خلاص بلّغتها، بس ماتدفعوش فلوس أنا خدتها من الباقى»، توجّه المحرران إلى الطابق الثانى حيث يوجد معمل التحاليل، ممرضة ترتدى نظارة وبالطو أبيض تستقبلهما من أمام الباب قائلة: «مش انتو تبع مدام نجلاء؟ أنا مش هاخد منكم عيّنات ولا هعمل ليكم التحليل، بس لو الدكاترة سألوكم تحت ماتجيبوش سيرة وقولوا إننا خدنا منكم عيّنة دم عشان هنتئذى لو عرفوا». عاد المحرران مرة أخرى إلى غرفة الأطباء بالدور الأول لاستلام الأوراق الخاصة بكشف الباطنة، قالت إحدى الطبيبات: «هتملوا البيانات دى وتنزلوا بيها الدور الأرضى تكشفوا باطنة وترجعوا لنا تانى».
هدوء يعم أرجاء المكان يشير إلى أن وقت العمل قد انتهى، غرفة مفتوحة على مصراعيها عُلقت على بابها ورقة بيضاء نُقش عليها «عيادة فحص المقبلين على الزواج». بالطرْق على أحد الأبواب ظهرت واحدة من الممرضات قائلة: «اتفضلوا استريحوا فى الأوضة ودكتورة فاطمة جاية لكم حالاً»، أسئلة عديدة وجهتها الدكتورة للمحررين: «عندك السكر أو الضغط، بتتعالج من حاجة معينة، عملت عمليات جراحية قبل كده، الوالد أو الوالدة مرضى أو حد من العيلة؟» كانت الإجابة على جميعها بالنفى، ثم أشارت بالسؤال عن الوزن والطول وقامت بإنهاء الأوراق قائلة: «كده خلاص، تقدروا تستلموا الشهادة بتاعتكم من المكتب اللى فوق»، عاد المحرران إلى المكتب وبصما على الورق الخاص بكشف الباطنة، وبعد ثوان معدوة كانت الشهادة الطبية فى قبضة يدهما.
شهادتان حصل عليهما محررا «الوطن» دون فحص