هل يستطيع مجلس النواب المواجهة؟

على السلمى

على السلمى

كاتب صحفي

مضت أربعة أشهر وثمانية عشر يوماً منذ بدأت جلسات مجلس النواب دون أن يشعر المصريون بأى فارق فى حياتهم بتأثير ذلك المجلس، سوى العديد من المواقف التى أثارت تهكم الكثيرين على مستوى الأداء الذى لم يرتفع إلى توقعات الشعب من أول مجلس منتخب حقيقة بعد ثورة 25 يناير/30 يونيو! فمن رفض بعض نواب الشعب الاعتراف بثورة 25 يناير ومحاولتهم تعديل القسَم الذى نص عليه الدستور، إلى طرد عدد آخر من جلسات المجلس، وانتشار أعمال الشغب وعدم الانضباط والغياب المتصاعد عن حضور الجلسات، وإسقاط العضوية عن أحد النواب بعد ضربه بحذاء نائب مخضرم الذى كان قد استقال من المجلس ثم تراجع، وإلغاء البث التليفزيونى لجلسات المجلس منعاً لسخرية المشاهدين لما يعرض عليهم!

وانحصر أداء المجلس طوال تلك الفترة فى تمرير كل القرارات بقوانين التى أصدرها الرئيسان عدلى منصور وعبدالفتاح السيسى، إعمالاً للمادة 156 من الدستور باستثناء قانون الخدمة المدنية الذى رفضه أغلبية الأعضاء، ثم انشغال برلمان الشعب فى إعداد لائحته الداخلية حتى صدرت بقانون، وفيما بين تلك المهام العويصة حصل المجلس على إجازات متعددة تجاوزت فترات العمل الفعلى!

وحيث انتهى المجلس من منح الحكومة الثقة، وبعد تشكيل لجانه الخمس والعشرين وانتخاب رؤساء تلك اللجان، بدأ سيل الإشكاليات التى تنتظره ويتوقف تحسن أدائه إلى حد بعيد على نجاحه فى التعامل معها!

إن ثمة إشكاليات متراكمة أولاها ضرورة مناقشة تقرير لجنة تقصى الحقائق التى كان الرئيس السيسى قد أصدر قراراً بتشكيلها لفحص تقرير رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات «المقال» حول الفساد، الذى يشكو أعضاء المجلس من عدم إتاحته لهم برغم أن الرئيس أحاله إلى المجلس للتصرف.

وإشكالية أخرى مقبلة تتمثل فى الاتفاقية الموقعة بين مصر والمملكة العربية السعودية بشأن جزيرتى صنافير وتيران اللتين أقرت الاتفاقية بملكية السعودية لهما، والتى أحالها الرئيس أيضاً للمجلس ليقرر قبولها أو رفضها!

وإشكالية ثالثة، تتمثل فى كم كبير من طلبات الإحاطة والأسئلة التى قدمها أعضاء فى المجلس لرئيسه ولم يتم مناقشة أى منها!

وإشكالية رابعة تلوح فى الأفق بعد منح الحكومة ثقة المجلس وهى كيف سيتابع المجلس ولجانه تنفيذ الحكومة لبرنامجها الذى وافق عليه الأعضاء بأغلبية 433 عضواً، وكيف يتأكدون من أن توصياتهم وملاحظاتهم على ذلك البرنامج سيتم الالتزام بها على حد قول رئيس مجلس الوزراء «إن توصيات المجلس هى تكليفات للحكومة»!

وهناك إشكاليات فرضها الدستور على المجلس منها أن المادة 237 أوجبت أن «تلتزم الدولة بمواجهة الإرهاب، بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله، وفق برنامج زمنى محدد، باعتباره تهديداً للوطن وللمواطنين، مع ضمان الحقوق والحريات العامة، وينظم القانون أحكام وإجراءات مكافحة الإرهاب والتعويض العادل عن الأضرار الناجمة عنه وبسببه»، والإشكالية أنه بعد انتخاب مجلس النواب، يصبح استكمال المقصد الدستورى واجباً أساسياً على النواب «ممثلى الشعب» وتصبح السلطة التنفيذية، الرئيس والحكومة، ملزمة بتطبيقه تحت رقابة المجلس، وذلك بعد أن أصدر الرئيس السيسى فعلاً قراراً بقانون رقم 94 لسنة 2015 ولكنه غير مفعل، الذى وافق عليه المجلس ضمن رزمة القوانين التى أوجبت المادة 156 على المجلس النظر فيها، مع ملاحظة أن نص المادة 237 قد حدد بوضوح تام أن الدولة بسلطاتها الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، ملتزمة بمواجهة الإرهاب: بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله ووفق برنامج زمنى محدد، والحصول من الإرهابيين على التعويض العادل عن الأضرار الناجمة عن إرهابهم وبسببه، وليس مجرد إصدار قانون!

وثمة إشكالية خامسة، وهى كيف سيراقب المجلس الموازنة العامة للدولة تفعيلاً لنص المادة 124 من الدستور وقد أصدر الرئيس الموازنة العامة للدولة بعد موافقة الحكومة عليها دون تنفيذ النص الدستورى، حيث كان من المستحيل الالتزام بالموعد الذى حدده الدستور لعرض الموازنة العامة والخطة العامة للدولة قبل تسعين يوماً من بدء السنة المالية الجديدة التى بدأت فى الأول من يوليو 2015 على حين بدأ المجلس مباشرة مهامه فى العاشر من يناير 2016!

وإشكالية سادسة هى ضرورة تفعيل المادة 241 من أن «يلتزم مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية»، حيث لا يبدو فى الأفق حماس لإصدار ذلك القانون ناهيك عن العمل به.

من ناحية أخرى هناك إشكالية سابعة تتمثل فيما نصت عليه المادة 242 من الدستور من أن «يستمر العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور بالتدريج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه، ودون إخلال بأحكام المادة 180 التى تنص على أن «تنتخب كل وحدة محلية مجلساً بالاقتراع العام السرى المباشر، لمدة أربع سنوات»، ولقد مضى ما يقرب من سنتين ونصف من مدة الخمس سنوات التى حددها الدستور لتطبيق نظام الإدارة المحلية، أى إن أمام الحكومة ومجلس النواب مهمة تبدو مستحيلة، تتمثل فى إنجاز التقسيم الجديد للمحافظات وفق الرؤية التى شرعت حكومة سابقة فى تطبيقها وعجزت عن ترسيم الحدود بين تلك المحافظات على النحو الذى يحقق مراعاة جميع الأهداف المطلوبة، كما أن من الضرورى وجود نظام لدعم اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية مع تحديد برنامج زمنى لنقل السلطات والموازنات إلى وحدات الإدارة المحلية، مع كفالة أن توفر الدولة ما تحتاجه الوحدات المحلية من معاونة علمية، وفنية، وإدارية، ومالية، وتضمن التوزيع العادل للمرافق، والخدمات، والموارد، وتقريب مستويات التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين هذه الوحدات، وضمان أن يكون للوحدات المحلية موازنات مالية مستقلة، إضافة إلى الاستقرار على نظام اختيار المحافظين ورؤساء الوحدات المحلية إما بالانتخاب أو بالتعيين!

والإشكالية أن على الحكومة المقبلة أن تتقدم إلى مجلس النواب بمشروع قانون للإدارة المحلية يحظى بالقبول المجتمعى أو أن يبادر أعضاء من مجلس النواب بتقديم مشروع قانون تنفيذاً للنص الدستورى، وفى أى البديلين سيكون التوافق بين الحكومة والمجلس مطلباً رئيساً!

والإشكالية الثامنة وليست هى الأخيرة تتمثل فيما نص عليه الدستور من التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى 10% من الناتج القومى الإجمالى للصحة وللتعليم، وللتعليم الجامعى وللبحث العلمى وأن تتصاعد تلك النسبة تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وما يجب توافره فى تقديم تلك الخدمات الأساسية للمواطنين، خاصة شرط الجودة والتزام المعايير العالمية، وأن تلتزم الدولة بتلك النسبة تدريجياً اعتباراً من تاريخ العمل بالدستور، على أن تلتزم به كاملاً فى موازنة الدولة للسنة المالية 2016/2017.

وتلك بعض المسئوليات والإشكاليات على المجلس أن يواجهها، فهل يستطيع؟!