برلمان «فاهيتا» وإسقاط الرئيس

محمد فتحى

محمد فتحى

كاتب صحفي

تخيل أن يكون برلمان الشعب من (أبو لوموس)، الذى لا يريد أن ينتقده أحد، أو يمسه أحد، وكأنه منزه، وكأنه يقوم بدوره كما يجب، وكأنه أتحفنا بما من شأنه أن نقول له شكراً، أنتم نواب الشعب بحق. أعرف نواباً من البرلمان (يتراذلون) على مسئولين، يذهبون لمكاتبهم دون استئذان لتهديدهم، أو لمقابلتهم بشأن توظيف أقاربهم، أو للقيام بدور يدّعون أنه رقابى، كما أعرف، وتعرف أنت أيضاً، نواباً شرهين للإعلام، شهوة الظهور لديهم أعلى من إحساسهم بما يدور فى الوطن. أعرف نائباً ذهب لأحد الوزراء ليهدده ويؤكد أنه (خميرة عكننة)، وأعرف آخر ذهب لمستشفى خيرى مطالباً بالاطلاع على حساباته وميزانيته ليمارس دوره، قبل أن يتضح أنه يريد إدخال حالات تابعة لدائرته. أما أنت إذا كنت لا تعرف فأنت ترى، وأنا معك، الأداء الهزيل، والخناقات الهزلية، والمعارك التافهة، والهجوم على عرائس ماريونيت!!!

تخيل أن تشغل (أبلة فاهيتا) حيزاً من اهتمامات نواب الشعب، لأنها تنتقدهم، فيأخذونها ذريعة للهجوم على الإعلام، ولا يخرج إعلامى من وسطهم ليدافع عن المهنة.. تخيل أن تكون أخبار الخناقات والمعارك اللفظية فى البرلمان أكثر من أخبار طلبات الإحاطة، ثم تعالَ لترى مجلس نواب يخاف على نفسه فيمنع بث جلساته على الهواء مباشرة، وكأنه يعرف بالمهازل التى يمكن أن نراها.. تخيل مجلس نواب وضع فيه كثيرون أملهم، ومثل الشباب نسبة كبيرة منه دون دعم من أحد، وحظيت المرأة بمكان ومكانة فيه، يشوه صورته عند الناس (كام نائب) من بتوع الشو، ثم أعِد تركيب المشهد مع مشاهد أخرى من فضلك..

مشهد (1) أمين شرطة يقتل مواطناً فى شجار.

مشهد (2) محامٍ حقوقى يتحدث عن الخيانة فيرد (زياط) إوعى تجيب سيرة الرئيس.

مشهد (3) هجوم شديد من «الفلول» وأبناء «مبارك» على «السيسى» وسياساته.

مشهد (4) تعبئة شديدة وحشد أشد يتم للنزول الجمعة القادم لاستكمال الاعتراض على اتفاقية ترسيم الحدود، ووسط شرفاء يظهر متلونون وانتهازيون سياسيون ومزايدون وقطاع طرق، ليتحول الأمر، وللأسف سيتحول، من معركة مبدأ إلى معركة مصلحة.

مشهد (5) حشد للرأى العام عبر السوشيال ميديا ومن خلال غباء بعض المسئولين أو سوء إدارة الأزمة للتشكيك فى كل ما يحدث، وإلصاق التهم بالأجهزة المختلفة فى العديد من القضايا، وتشويه كل من يتجرأ ويحاول أن يقول: فلنهدأ قليلاً، ولننتظر تحقيقات شفافة.

أزيدك من الشعر بيتاً..

قبل نحو أسبوع اجتمع عدد من الإعلاميين والكُتاب مع جهة سيادية رفيعة المستوى، وخرجوا جميعاً بقناعة كاملة، بعد مشاهدة أدلة وقرائن وبراهين واعترافات بأن الدولة المصرية لا يمكن أن تكون تورطت فى مقتل الباحث الإيطالى «ريجينى»، وأن المشكلة الكبرى أن الأمر يدار بشكل أكبر من إدراك أبعاده، مع سيناريوهات مرعبة وكارثية..

كل ذلك كان موثقاً، والخروج من الاجتماع كان بقناعة (عند مَن حضروا ولم أكن أحدهم بالمناسبة) بأن ما رأوه يؤكد استحالة تورط (الدولة) فى موضوع (ريجينى)، ثم إذا قلت تلك المعلومة، تفاجأ بمجموعة من الجهلة والمراهقين السياسيين وأصحاب التويت اللاإرادى، يرفض المعلومة، صحيح أن الأجهزة الأمنية (مسئولة) عن تقديم الحقائق والأدلة إلى الشعب المصرى قبل الجانب الإيطالى الذى يجب أن يقتنع بما سيقدم له، لكننا هنا نتحدث عن مجموعة من المتطرفين التى تسعى لتأكيد التهمة ذاتها، مع مشهد عبثى قاتم يبدو فيه الأمر وكأن الخطر ليس من الخارج هذه المرة، وإنما من الداخل.. خطر يريد من يصنعونه أن ينقضوا على (بروفة) الدولة التى نريد جميعاً قيامها، لا لشىء، إلا لخصومة سياسية وصلت لحد تمنّى هلاك الوطن على مَن فيه، وحين تصرح بالأمر من مشاهدات ومعلومات تصبح خائناً أو شارباً للشاى بالياسمين..

صحصح.. الطرف الآخر (الدولة / الأجهزة / الرئيس نفسه) يديرون الأمور بشكل متأخر عن فهم الواقع أحياناً، أو أن هذا هو ما يصلنا مع أخطاء إدارة الأزمات المتعاقبة، لكن هل يعنى ذلك أن نترك كل ما يحدث للتأثير على بلد لو سقط الآن بهذا الشكل سنذهب جميعاً إلى ما هو أبعد من أى داهية نتخيلها؟؟

فكروا فى مصر قليلاً، ولتقيموا الوطن، لنستطيع أن نبنى عليه، فلا بناء يصلح على الأنقاض ولو حرصتم.