"الحركة الوطنية الأسيرة".. المجد الصاعد على رائحة الدم

كتب: محمد علي حسن

"الحركة الوطنية الأسيرة".. المجد الصاعد على رائحة الدم

"الحركة الوطنية الأسيرة".. المجد الصاعد على رائحة الدم

أبطال صنعوا المجد، في ظروف استثنائية، وسطروا تاريخا بالدم والمعاناة يتواصل بالحاضر من خلال الصبر والإرادة، تاريخا يحوي بين طياته الكثير من المعاني الوطنية ودلالات الصمود، وجيل قديم يسلم من يخلفه الدفة، ليسهم في نسخ سطر جديد بكتاب التاريخ المنير.

الحركة الوطنية الأسيرة، شكلت تجربةً رائدة في العطاء على مدار سنوات الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، هذه التجربة التي ضاهت في مستوى أدائها وبرامجها، عدة مدارس فكرية متعددة، رغم قسوة الحياة في المعتقل، ووحشية السجان الإسرائيلي، إلا أن صدق الانتماء وتطور التجربة، حوّل المعتقلات إلى قلاع ثورية تَخرج منها آلاف الكوادر الحزبية المنظمة التي استطاعت أن ترسم الساحة الفلسطينية، تلك الطاقات الخلاّقة التي عكست تجربتها النوعية في المضمون والأداء، وفي مجالات كثيرة في ساحة العمل الأوسع، ووسط الجماهير في الميدان.

تميزت الحركة الأسيرة في السنوات الأولى لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، بالتركيز على البعد التوعوي والتربوي؛ الأمر الذي أسهم في صقل الطاقات وتهذيبها، بشكل أتاح الفرصة لبناء الكادر القادر على القيادة وتحمل المسؤوليات، في ظل ظروف اعتقال قاسية، كان طابعها العام المواجهة الدائمة والمستمرة مع إدارة السجون، وهذا بطبيعة الحال كان له استحقاقات سددها الأسرى بالمعاناة والتحدي لأبشع قوة احتلالية، حتى أرسوا دعائم وأسس الحركة الفلسطينية الأسيرة، في ظل غياب الإعلام القادر على رفع صوت الحركة الأسيرة في وجه الغطرسة الصهيونية.

أصبحت قضية الأسرى والمعتقلين، ورقة ضغط قوية في يد إسرائيل تستخدمها  للابتزاز، ومساومة الطرف الفلسطيني وإجباره على تقديم التنازلات، وربطت الإفراج عن الأسرى بالتقدم في مسيرة المفاوضات.

ومع اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية كان في السجون 1150 أسير، اشتدت الهجمة الإسرائيلية القمعية والدموية على الشعب الفلسطيني، واشتدت حملات المقاومة المشروعة أيضا لطرد الاحتلال، فعادت إسرائيل إلى سياستها القديمة الجديدة، وشنت حملة اعتقالات واسعة جداً، طالت كل المدن والقرى الفلسطينية، بما فيها المناطق التي تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة، وتنوعت أشكال الاعتقال وزج بالآلاف الفلسطينيين في السجون والمعتقلات حتى وصل عدد حالات الاعتقال إلى أكثر من 35000 خلال انتفاضة الأقصى، وأقدمت على إعادة افتتاح العديد من المعتقلات، كالنقب وعوفر واكتظت السجون بالمعتقلين.

وبدأ الشعب الفلسطيني، بإحياء يوم الأسير منذ عام 1974، وهو العام الذي تمت فيه وتحديدا في السابع عشر من أبريل 1974، حيث تمت أول عملية تبادل للأسرى، باستبدال الأسير الفلسطيني الأول محمود بكر حجازي بأحد المستوطنين، الذي تم اختطافه خصيصا لإجراء عملية التبادل، وقد اعتمد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته في نفس العام 17 أبريل يوما من أجل حرية الأسير الفلسطيني.

وتركز صراع الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، حول دفاعهم عن ذاتهم الوطنية التي استهدفتها سياسات الإبادة الإسرائيلية. ومنذ عام 1967 زج الاحتلال بالآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في السجون، وعملت حكومة إسرائيل على ترميم السجون القديمة، التي ورثتها عن أسلافها المحتلين؛ لزيادة قدرتها الاستيعابية، وأقامت العديد من مراكز ومعسكرات الاعتقال الجديدة كأنصار 3 في النقب، وعوفر في بيتونيا، وسالم وحوارة في نابلس، وقادوميم في طولكرم وغيرها، حتى أنها حولت سجن الفارعة خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 من اصطبل للخيل في العهد البريطاني، إلى مركز للتحقيق وحولت سجن الدامون، الذي كان يستخدم كمستودع للدخان في العهد البريطاني، إلى سجن.

ومن المحزن أن الوضع داخل المعتقلات الإسرائيلية لم يستقر يوما، فهو في حالة مواجهة دائمة ومتواصلة، إذ لا تعترف مديرية السجون الإسرائيلية بمنجزات الحركة الأسيرة التي انتزعتها بنضالات الأسرى وجوعهم وآلامهم، كأساس ثابت تستند إليه في تعاملها مع الأسرى، بل تتحين الفرص للانقضاض عليها، وإعادة الأوضاع إلى سنوات سابقة، فالحالة داخل السجون هي حالة اشتباك وترقب وحذر، وبذلك؛ فإن الحركة الأسيرة لم تلق سلاح المواجهة والتعبئة والاستنفار النفسي في أي لحظة لأن أمامها عدو لا يريد لها سوى أن تدفن في الظلمة، وأن تنصاع لقوانينه الظالمة.

 

لمشاهدة الملف التفاعلي: "زهور الصبار".. الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال.. اضغط هنا


مواضيع متعلقة