د. هبة العيسوى تحلل: «مرسى اللطيف بقى أقطاى»

د. هبة العيسوى تحلل: «مرسى اللطيف بقى أقطاى»
ذات ليلة خرج الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز ليتفقد أحوال رعيته، وكان فى صحبته شرطى، فدخل مسجداً مظلماً، فتعثر عمر برجل نائم، فرفع الرجل رأسه، وقال لعمر: «أمجنون أنت؟» فقال عمر: «لا». فأراد الشرطى أن يضرب الرجل فقال له عمر: «لا تفعل؛ فإنما سألنى: أمجنون أنت؟ فأجبته».
قصة بسيطة حملت المعنى المفقود فى «حلم الرئيس»؛ فقد سبق حلمُ الخليفة غضبَه، فتقبل ببساطة أن يصفه رجل من العامة بالجنون، ولم يدفعه سلطانه وقوته إلى البطش به. فيما لم يكد الأسبوع الأول لرئاسته ينتهى حتى تحول الرئيس، الطيب التقى حافظ القرآن، إلى غاضب يقارب صبره على النفاد، أسرع مما توقع البعض، حين وقف خطيباً فى حفل تخريج دفعة طلاب الكلية الحربية، مهدداً: «أقول للذين يتطاولون، أو يجرحون الناس، وهم عدد قليل جداً وهم من أبناء مصر، ولهم كل الحقوق، أقول لهم: لا يغرنكم حلم الحليم، إننا يمكن بالقانون، وبالقانون وحده، أن نردع، لكننى وبكل الحب أفضل على ذلك وقبل ذلك الحب والألفة والعودة الكريمة إلى الحق». كانت المرة الأولى للغضب، وبعد ثلاثة أشهر وقف «الحليم» فى جامعة أسيوط شاهراً سيف الغضب لثانى مرة: «منذ ثلاثة أشهر قلت فى خطاب مفتوح: لا يغرنكم حلم الحليم، والآن أقولها مرة أخرى: لقد بلغ السيل الزبى، هذا أمر وطن لا عبث فيه». تقسِّم الدكتورة هبة عيسوى، أستاذة الطب النفسى بجامعة عين شمس، حياة «مرسى» إلى نصفين: نصف رآه العالم قبل الانتخابات منذ أن دخل عالم السياسة، ونصف آخر ظهر جلياً واضحاً بعد نتائج الانتخابات وفوزه بكرسى الرئاسة، وتقول: الوجه الحليم كان لعضو مجلس الشعب محمد مرسى، الذى حاز لقب أفضل برلمانى، باعتباره أكثرهم قدرة على تمثيل المعارضة وتقبُّل الآخر، والتعامل بتوازن انفعالى مع الطرف الآخر، وإن كان نقيضه، ورأينا وجهه الحليم أيضاً حينما كان مرشحاً للرئاسة، وحين تقبَّل ببساطة كلمة «الاستبن»، ولم يعدّها إهانة بل كان يضحك ويمتص ما حوله بتوازن انفعالى يحسد عليه وقتها. لكنه لم يستطع حين أصبح رئيساً أن يتعامل بذات الأسلوب، فبدأ النصف الثانى من حياته، وبعد أسبوع واحد فى المنصب، قالها: «لا يغرنكم حلم الحليم» وكررها فى أكثر من مناسبة وأكثر من خطاب، كان دائماً يشدد على حلمه وصبره بينما فى الواقع، يتحول من الحلم والتسامح والصبر، إلى ما يشبه البرود والجمود وليس الحلم.
تعريف «الحليم» كما تراه أستاذة الطب النفسى «ضبط النفس وكظم الغيظ والبُعد عن الغضب ومقابلة السيئة بالحسنة»، ولا يعنى أن يرضى الإنسان بالذل أو الهوان، وإنما الترفُّع عن شتم الناس وتنزيه النفس عن الغضب والسخط حين المقدرة»، وتعلق: وهو ما لم يفعله الرئيس، دائم التهديد، واستخدام لهجة العنف والتصعيد، بينما لم تحمل نبرات صوته فى أىٍّ من خطبه لهجة اللين.
وتتساءل: أين الحلم والصبر والعفو عند المقدرة حين قال الرئيس بعد ستة أيام من توليه الحكم: «لا يغرنكم حلم الحليم»؟ «أيبك اللطيف الطيب بقى أقطاى تانى».. تتذكر «العيسوى» تلك الجملة الشهيرة التى أطلقتها شجرة الدر فى وصف مملوكها أيبك، بعد وصوله للحكم، لوصف حالة التقلب التى انتابت مرسى بعد وصوله لسدة نفس الحكم، عرش مصر، وتشبيهه بمبارك فى بعض الأحيان، وتقول إن هذا المشهد السينمائى يطابق «التحول الانفعالى» الذى حدث لمرسى، الذى تحول إلى صاحب الضربات الخاطفة، الذى يستغل أى حدث لكى يضرب بعنف، مثلما حدث فى أحداث رفح التى استغلها وأزاح العسكر، ثم استغل حكم تبرئة متهمى موقعة الجمل فأقال النائب العام، مما يؤكد أنه يتعامل بالقوة، وإن كانت سلبية، على طريقة «اقتل بلا ضوضاء».
ترى الدكتورة هبة أن مواقف كثيرة تستدعى حلم «مرسى»، خاصة عند تعامله مع المعارضة والإعلاميين والقضاة، وتقول: أزمة الرئيس الحقيقية هى عدم قدرته على التسامح وغفران الأخطاء، حتى ما مضى منها، فى أول خطاباته قال «الستينات.. وما أدراك ما الستينات؟!»؛ لأنه لم ينسَ رواسب الماضى البعيد فكيف ينسى ما جدّ على الساحة؟
الأخبار المتعلقة:
المتناقض.. يعلن إيمانه بمعارضيه ويتهمهم بالتآمر
فى السينما.. الانقلاب تحت شعار «جعلونى مجرماً».. و«اتقى شر عبدالوارث عسر» إذا غضب
«دوريتوس».. كل حاجة وعكسها