المتناقض.. يعلن إيمانه بمعارضيه ويتهمهم بالتآمر

المتناقض.. يعلن إيمانه بمعارضيه ويتهمهم بالتآمر
يبدأ حديثه بنبرة واثقة، هادئة تماماً، يتلو خلاله من آيات الذكر الحكيم، لهجته تنم عن حلم ووداعة فطرية، فجأة تتغير نبرته فى الحديث، يجز على أسنانه بعنف، يشرأب وجهه بحمرة تغلب على لحيته البيضاء، يشير بيديه يميناً ويساراً، يهدد ويتوعد، كملك يعاقب عبيده، يستمر فى النمط الثانى، تسيطر عليه شخصية الغاضب، تتلبسه فلا يستطيع الفكاك منها، لتصير شخصيته الغالبة. محمد مرسى العياط، يقف أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا، المتدثرين بالروب الأسود، فى هيبة ووقار، يبدى لهم احتراماً يستحقونه، بينما يطالبه الثوار بألا يحلف أمامهم يمين تنصيبه رئيساً لمصر، كيلا يعترف بشرعية الإعلان الدستورى المكمل، الذى أصدره المجلس العسكرى، لكنه لا يأبه، لا تشى وقفته إلا عن حب واحترام، يقسم باحترام القانون والدستور مبتسماً، ويرفع يده فى استقرار.
أيام تمضى، ينقلب الرئيس الهادئ، الحالف على اتباع القانون والدستور، واحترام المحكمة، إلى شخص غاضب عليهما، ناقم على أحكامهما، وعلى المحكمة وقضاتها، لتبدأ ملامح شخصية الغاضب تتشكل، وتنزوى شخصية الحليم.
يتحدث بفخر فى المؤتمرات الصحفية عن الجيش وقياداته، الذين كفلوا للثورة النجاح، ولحدود مصر الأمان والسلامة، طنطاوى وعنان، ثنائى المجلس العسكرى اللذان يظهران معه فى المؤتمرات، يجزل لهما الشكر، ويوجه لهما عبارات الثناء، يطمئن من خلالهما على سيناء، يسافر معهما إليها، عقب هجمة إرهابية. مرسى الساكن، لا يدوم على سكونه، يغضب دون سابق إنذار على قادة المجلس العسكرى، يتغدى معهم أمام الكاميرات، ويتعشى عليهم بعدها بيومين، حين أطاح بالمشير طنطاوى، والفريق عنان خارجاً، وحرك قيادات الجيش كقطع الشطرنج، مقلداً إياهما قلادة النيل، حتى يمنع حضورهما احتفالات نصر أكتوبر، وهما من أبطاله، مع «مرسى» فى استاد القاهرة.
صبيحة سبت، صحا من نومه فجراً، صلى الصبح، وذكر ربه حتى طلوع الشمس، دقت السادسة، جذب هاتفه، وراح يهاتف الشيخ «المحلاوى». قلب رحيم حليم، لرئيس يطمئن على رعيته، لم يرد خطيب مسجد القائد إبراهيم المحاصر ليوم كامل قبلها، أصاب مرسى قلق بالغ. يتحدث الرئيس الحليم دوماً عن إيمانه بمعارضيه، واهتمامه بهم قبل مؤيديه، قبل أن تندلع أحداث «الاتحادية»، يهب مؤيدوه للدفاع عن قصره المحاصر من قِبل الغاضبين، ليخرج إليهم بعد 48 ساعة، فى ثوب الغاضب، الذى نفض عنه رداء الحلم، يرغى ويزبد، يتحدث عن مؤمرات تحاك، وعن غضبته على سيارة الرئاسة التى قذفت، وسائقه الراقد فى المستشفى، فيما يتناسى فى فورة غضبه، الصحفى حسين أبوضيف المقتول برصاص الغدر، ومينا فيليب ويحيى جلال المسحولين.
يقول أمل دنقل «فى انتظار السيف»: «تقفز الأسواق يومين. وتعتاد على النقد الجديد. تشتكى الأضلاع يومين. وتعتاد على السوط الجديد. يسكت المذياع يومين ويعتاد على الصوت الجديد. وأنا منتظر. جنب فراشك. جالس أرقب فى حمّى ارتعاشك. صرخة الطفل الذى يفتح عينيه على مرأى الجنود».
يقول عبدالغفار شكر السياسى البارز: الوضع نفسه ينطبق على غضب مرسى على المحكمة الدستورية، فوقت حلفه لليمين الرئاسية، كانت الجماعة راضية عن المحكمة التى ستنصب «مرسى» على كرسى الحكم، وظهرت الغضبة لأنه وقع فى صدام معها، حين أعاد مجلس الشعب «المنحل»، فتصدت له، ما يثبت أن «مرسى» لا يغضب لأسباب شخصية، لكن للتعارض مع مصالح جماعة، الأمر الذى ينطبق على البرلمان الذى كانت أغلبيته من حزب الحرية والعدالة.
«غلبان وطيب وبسيط» هذه الأوصاف التى يحلل بها السياسى جورج إسحاق، عضو جبهة الإنقاذ شخصية الرئيس مرسى، ويقول إن حلمه فى البداية، الذى يفضى إلى غضب بعد ذلك، لا يعود إلى شخصيته فى المقام الأول، بقدر ما يرجع إلى «الجماعة»، التى يحاول دائماً إرضاءها، فيقع فى فخ تغير الشخصية. ويشير عضو جبهة الإنقاذ إلى تربية «مرسى»، فى مدرسة الإخوان، حيث السمع والطاعة، اللذان يدفعان به إلى «بَرْجَلـة» فى أى تعامل يسلكه، ما بين رغبته فى إرضاء «الجماعة»، وبين طلبات الثورة ورجل الشارع، كما أن انتظاره للتعليمات السبب.
الأخبار المتعلقة:
فى السينما.. الانقلاب تحت شعار «جعلونى مجرماً».. و«اتقى شر عبدالوارث عسر» إذا غضب
«دوريتوس».. كل حاجة وعكسها
د. هبة العيسوى تحلل: «مرسى اللطيف بقى أقطاى»