أثناء مشاركتى فى ندوة مفتوحة لمناقشة كيفية مواجهة الإرهاب، وجدت أحد الأفاضل من الحاضرين يخبرنا عن رسالة وصلت على موبايل زوجته التى أرسلتها له بدورها لاندهاشها مما جاء فيها، قرأها علينا وتعجبنا مثلها من استنساخ الماضى بتلك السرعة والقدرة الفائقة لدى البعض على البقاء فى أى بيئة. يقول نص الرسالة: «نتشرف بدعوتكم لإحياء العشر الأواخر من ليالى رمضان المباركة بمنزلنا بدءاً من يوم الاثنين 19 رمضان، 6 يوليو. برجاء الحضور الساعة 10.30 مساء للاستماع لدرس الدكتور عمرو خالد، ثم الصلاة مع أجمل أصوات المقرئين، ثم الدرس الثانى مع نخبة من كبار الشيوخ ثم السحور وصلاة الفجر. الدعوة خاصة وليست عامة والدخول بالدعاوى لغير قاطنى بالم هيلز. برجاء الاتصال بنا لاستلام الدعوات وتقبل الله منا ومنكم»، ثم التوقيع من أصحاب الدعوة والعنوان اللذين أحتفظ بهما.
مرة أخرى تعود دروس المنازل الفاخرة لمن يطلقون على أنفسهم دعاة! مرة أخرى يمارس الإخوان وأربابهم الاستقطاب تحت مسميات الدين، على فرض أن إحياء العشر الأواخر من رمضان ألذ ألذ ألذ فى بالم هيلز التى اشترى الإخوان فيها وفى غيرها من التجمعات السكنية فى أعقاب ثورة يناير 2011 واشترطوا الدفع كاش لا عن طريق البنوك للابتعاد عن أى عمليات إيداع وسحب! على فرض أن دروس عمرو خالد والصلاة مع أجمل أصوات المقرئين، ثم الدرس الثانى مع نخبة من الشيوخ يليها السحور وصلاة الفجر معهم شىء آخر غير الصلاة فى البيوت! لا أدرى لماذا تذكرت وأنا أقرأ الرسالة الفنان خالد صالح فى فيلم «المصلحة» عند أدائه دور الداعية الخاص بالنساء فى فيلا أنيقة وهو يحادثهم بمعسول اللسان عن الفتاوى ويغازلهن بفجاجة ويطالب سيدة المنزل بسرعة تجهيز ما لذ وطاب، بينما الهدف اصطياد زوجة الضابط عن طريق زوجة تاجر المخدرات. ليس هذا فقط ما تذكرته، بل تذكرت نفس سماجة الإخوان فى الابتسام الزائف اللزج وادعاء البراءة لإقناع عباد الله بعقيدة فاسدة لا يتحدثون عنها إلا عند نضوج الثمرة ومجىء وقت سقوطها فى حجر الجماعة.
وتلك هى المأساة الحقيقية التى تزيد مخاوفى من عودة الإخوان مجدداً تحت عباءات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، الدروس والكتب وادعاء الانشقاق عن الجماعة والتطوير والمراجعة وغيرها الكثير من العباءات التى لن يعجزوا عن ارتدائها للعودة مجدداً واكتساب أرضيات حرقوها بين الناس دون أن يعبأوا بالزمن الذى يجيدون الصبر عليه لتحقيق مآربهم، والمصريون طيبون وينسون بسهولة، والدولة تحارب الإرهابيين لا الإرهاب ومنابعه، والمثقفون والنخبة يتجادلون حول المسميات والقضايا الفكرية الجدلية التى لا تعنى الشارع وأهله من العامة.
نعم، أعلم أن عمرو خالد أقل من أن يعيد البعث الرابع للإخوان بعد حسن البنا وسيد قطب والتلمسانى، ولكنه وسيلة مناسبة لهم فى تلك الأيام للبقاء وتصحيح المبررات وهو القادر على البقاء فى أنواع متعددة من البيئات بطريقة تعيده لصفوف من يتناسون الماضى -حتى القريب منه- بأسلوب ذاكرة السمكة، فعمرو خالد ربيب الإخوان، المختلف معهم عند تقسيم الأدوار، رئيس حزب «مصر المستقبل» السياسى وقت حكمهم للبلاد، المعتزل للحياة السياسية قبل أيام من دنو أجل حكمهم، المختفى عن الساحة لاستبيان الأمر بعد 30 يونيو 2013، لا يكل ولا يمل عن محاولات العودة بقوة للساحة عبر تقديم نفسه كمؤلف لرواية محبوكة الصنعة، أو عبر أحاديث يعتذر فيها عن أخطاء وقع فيها فيما مضى لنبدأ صفحة جديدة، أو عبر برامج يجدد فيها ثوبه الإنسانى ليقنع الناس به.
يؤكد التاريخ إيمان الجماعة بضرورة تجاوز المحن التى تمر بهم ومجاراة الريح وعدم الصمود فى مواجهتها. ويؤكد التاريخ أن الجماعة خرجت بعد أزمة الستينات وإعدام سيد قطب، بقاعدتين أساسيتين، هما «التربية العميقة للصف»، و«انتشار الدعوة بين الناس». للحفاظ على موروث البنا وقطب من جانب، وضم أكبر قدر من الناس لهم من جانب آخر عبر ادعاء المظلومية والتهادن مع نظام الحكم، واستغلال الأحداث ضدهم كوسيلة لتثبيت الفكرة فى عقول كتائبهم. وهو ما يحدث الآن بهدوء بالتوازى مع ممارسات إرهابية ينكرونها وسيظلون رغم كل أدلة الاثبات -حتى لو كانت موتهم بقنابل التفجير التى يحملونها-، وتكريس جهود التنظيم فى الخارج فى حرب شعواء ضد مصر.
ويبقى السؤال: هل سنسمح بالبعث الرابع للإخوان؟