لماذا تثير المادة 33 من قانون مكافحة الإرهاب، الذى رفعته الحكومة لرئيس الجمهورية جدلاً واسعاً وقلقاً مشروعاً؟ دعونى أشرح لكم بهدوء لماذا. المادة تنص على «الحبس مدة لا تقل عن سنتين لكل من يتعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أى عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، دون الإخلال بالعقوبات التأديبية المقررة فى هذا الشأن». هذا هو مضمون المادة التى تعبر -بلا أى حاجة لذكاء- عن مخاوف الدولة من تكرار ما حدث يوم الأربعاء قبل الماضى فى أحداث سيناء الأخيرة، عندما نشرت وسائل الإعلام بياناتها معتمدة الإعلام الخارجى كالجزيرة وسكاى نيوز ووكالة الأناضول. حينما بدأوا بث أخبار العمليات فى سيناء منذ الساعة الثامنة صباحاً، بينما الإعلام الرسمى للدولة غائب حتى منتصف النهار؟! ولم يصدر البيان الأول للقوات المسلحة إلا بعد العاشرة صباحاً. وهنا مربط الفرس ففى ظل صمت رسمى لمدة نجحت القنوات الخارجية فى قيادة الحدث وفق أهوائها ورؤيتها وخيانتها.
نعم تأخرنا كثيراً فى زمن تسيطر عليه حروب الجيلين الرابع والخامس الرافعة لشعار «تسييح المخ» بدلاً من شعار «تسييح الدم». كان علينا عمل غرفة عمليات إعلامية منذ اللحظة الأولى يقودها المتحدث الرسمى لوزارة الدفاع ويتولى من خلالها عملية بث البيانات والأخبار كيفما يتراءى لصانع القرار فيما يتعلق بالصالح العام لقيادة الأزمة، وهكذا كان يمكنه تفادى ما حدث وإجبار وسائل الإعلام المصرية والعالمية على تتبع كل كلمة تصدر عنه، لأنها الأصدق والأكثر متابعة للموقف.
جميل.. نعود إذن للمادة 33 فى قانون مكافحة الإرهاب التى أرادت تجاوز تلك النقطة بربط نشر الأخبار والمعلومات عن أى عمليات إرهابية، بما يصدر من بيانات رسمية من الجهة المعنية فى الدولة. جميل أيضاً.. ولكن هذا صعب فى ظل العالم الذى نعيشه وتسيطر عليه المعلومة والصورة دون القدرة على السيطرة عليها، إلا بقانون حاسم يخص تنظيم الإعلام لا مكافحة الإرهاب، يطبق على الكبير والصغير فى المهنة دون محاباة لشخص على حساب الآخر. وكثيراً ما طالبت به فى السنوات الماضية فى ظل فوضى نعيشها لا تتسبب إلا فى تغييب العقول أو تجهيلها. بمعنى أن يصدر قانون لتنظيم العمل الإعلامى يمنع نشر بيانات كاذبة عموماً أو أخبار لا أساس لها من الصحة عموماً بشكل يمنح الصحفى الحرية فى الحصول على المعلومات مقروناً بالمسئولية عن كل ما ينشره ويعرضه للعقوبة دون أن يكون على رأسه ريشة تمنعه من المحاسبة، فجميعنا أمام القانون سواسية. مع ضرورة العمل على إصدار قانون حرية تداول المعلومات -المركون فى الأدراج الحكومية منذ سنوات طويلة- ليتمكن الصحفيون من الحصول على المعلومة من مصادرها الرسمية بشكل «نظمى فهمى رسمى» دون أى التفاف من الخلف ينتهى بممارسة الصحفى الفساد وارتكاب جريمة الرشوة فى بعض الأحيان لاستغلال الموظفين فى مؤسسات الدولة للحصول على الملفات والبيانات المحظور التعامل معها.
ولهذا كله نرجو إعادة النظر فى المادة 33 من قانون مكافحة الإرهاب وإعادة صياغتها، بمعنى أن معاقبة الصحفى لا تتم إلا فى حال نشره بيانات كاذبة أو وهمية، أما إذا كانت أخباراً موثقة بشهادات ووثائق فلا يمكن محاسبته، لأنه قال الحقيقة. وعلينا جميعاً أن نعلم أن هذا القانون ليس مؤقتاً، وبالتالى علينا العمل فى ظل المفهوم الأوسع للقانون. وأن الصحفيين ليسوا فئة مميزة، فليحاسب من يخطئ، والأهم أننا فى مركب واحد طالما ليس بيننا إخوان ولا سلفيون.