2- الخاسرون
فى الأسبوع الماضى ناقشت الجزء الأول من مقال كتبه ستيفن والت عن الفائزين والخاسرين فى الثورة المصرية، وذلك بعد يومين اثنين من إطاحة حسنى مبارك، وكان هذا الجزء مخصصاً لمن سماهم «والت» «الفائزين». واليوم أعرض للجزء الثانى من مقال «والت» الذى تحدث فيه عن الخاسرين من ثورة يناير.
اعتبر الكاتب أن أسرة حسنى مبارك تأتى على رأس قائمة الخاسرين، ليس aفقط لأن «مبارك» خسر شرعيته السياسية، بل -وهذا هو الأهم- لأنه لم يتمكن من تمرير مشروع توريث السلطة لابنه جمال. وزاد «والت» بالقول إن «القادة المصريين الجدد سيسعون لاسترداد ثروة أسرة مبارك المهربة للخارج التى تتراوح بين 2 و3 مليارات دولار». والخاسر الثانى فى رأى الكاتب هو تنظيم القاعدة الذى فقد مصدرين أساسيين من المصادر التى يبرر بها استخدام العنف، وهما أنه لا تغيير فى المنطقة العربية إلا عن طريق العنف، وأن الولايات المتحدة داعم رئيسى للنظم السلطوية فى العالم الإسلامى. ففى رأى الكاتب أن الخروج السلمى لملايين المصريين فى 25 يناير أثبت أن التغيير ممكن عن غير طريق العنف، كما أن تخلى الولايات المتحدة -ولو رغماً عنها- عن تأييد نظام مبارك يجعل من الصعب على تنظيم القاعدة الحشد ضدها. أما الخاسر الثالث من الثورة فهو المشروع الأمريكى الذى ظل مهيمناً على المنطقة طيلة أربعة عقود. ورجح «والت» أن قيام نظام جديد منتخب بشكل ديمقراطى فى مصر سيجعل من الصعب عليه الانصياع الكامل لإرادة الولايات المتحدة كما كان يحدث من قبل، ومع أن هذا التغير يفترض أن يدعو صناع القرار فى الولايات المتحدة إلى مراجعة سياساتهم السابقة تجاه المنطقة فإن «والت» يعتقد أن مثل تلك المراجعة لن تحدث. ويأتى الإخوان المسلمون فى الترتيب الرابع بين الخاسرين من الثورة المصرية، وأرجع «والت» حصولهم على 20% من المقاعد البرلمانية فى 2005 إلى شيوع الوهم بأنهم البديل الوحيد المطروح لنظام مبارك، أما وقد فجرت الثورة طاقات المصريين على هذا النحو المذهل فالأرجح أن يمثل كل من «مبارك» والإخوان جزءاً من الماضى لا المستقبل. وأخيراً يجىء الفلسطينيون آخر الخاسرين فى المدى القصير حيث ستركز مصر على ترتيب أوضاعها الداخلية ولن تجد الولايات المتحدة ما يدعوها للضغط على إسرائيل. أما فى المدى الطويل فقد يتغير الوضع إذا قرر النظام المصرى الجديد الدفع قدماً بعملية التسوية، وأقدمت «فتح» و«حماس» على إبرام تسوية.
بطبيعة الحال أن نتحدث اليوم عن خسارة أسرة مبارك وقد أصبح الأب وابناه مطلقى السراح، أو تفاجئنا سوزان مبارك بالتقاط صورة سيلفى، لا بل وتشكو لنا من معاناتها فى مشوار حياتها، أو يكون حصاد الأموال المهربة إلى الخارج بعد أربع سنوات من الثورة صفراً كبيراً، أقول عندما نتحدث عن خسارة أسرة مبارك فى ظل هذه الأوضاع فلا شك أن الأمر ينطوى على مفارقة كبيرة. هذه المفارقة مسئول عنها التراخى فى تقديم آل مبارك إلى القضاء لمحاسبتهم على ما اقترفوه فى حق مصر والمصريين، ثم عند تقديمهم للمحاكمة إعطاء الأولوية لنهب الأموال وليس لقتل الشهداء. وللأمانة أيضاً لأنه لم يكن أى من المتظاهرين حين كان يهتف «ارحل يعنى امشى» يطالب بأكثر من أن يغادر «مبارك» السلطة، ولو على طريقة زين العابدين بن على، أما وقد صار الحلم حقيقة وتنحى «مبارك» عن الحكم فقد أربك الصورة تصدر المجلس العسكرى والإخوان واجهة المشهد. ومع كل ذلك يبقى أن «مبارك» هو الرئيس العربى الوحيد الذى وقف خلف القضبان هو وولداه.
وفيما يخص تنظيم القاعدة، افترض «والت» أن هذا التنظيم ينجح فى تجنيد الشباب بسبب انسداد وسائل التغيير السياسى، والواقع أن التغيير الذى ترمى إليه القاعدة لا علاقة له بالتداول السلمى للسلطة وآليات النظام الديمقراطى. الديمقراطية فى عرف القاعدة كفر، وبالتالى فإن الحاكم الذى لا يحكم بما أنزل الله (وفق تفسير القاعدة) واجب الإزاحة بالقوة حتى وإن جاء بطريق الانتخاب. ولو أن هناك علاقة عكسية بين نشاط التنظيم والمسار الانتخابى لما نشطت حركة «أنصار الشريعة» فى تونس مثلاً. أما الولايات المتحدة فإن عداء التنظيم لها أكثر تعقيداً بكثير من مجرد تفسيره بعامل دعمها للنظم الديكتاتورية. ورغم ما أشار إليه «والت» من تآكل المشروع الأمريكى فى المنطقة، فإن الدور الأمريكى ما زال حاضراً بقوة، ويكفى الاستشهاد بنموذجين اثنين هما: الحرب على «داعش»، وخفض أسعار البترول.
وبالنسبة للإخوان توصل «والت» إلى أنهم بين الخاسرين من ثورة يناير، وهذا صحيح، لكن خسارتهم ليست لازدهار البدائل المدنية لهم، فالواقع خير شاهد على بؤس تلك البدائل، أما سبب خسارتهم فهو الفجوة الهائلة بين قدراتهم التنظيمية كجماعة، وقدراتهم السياسية والإدارية عند ممارسة الحكم. وها هم الإخوان وحلفاؤهم بعد عام ونصف العام من خروج المصريين ضدهم فى 30 يونيو يواصلون معاقبتهم على هذا الخروج، ويوزعون القنابل عليهم، كما كان أحمد شفيق يقترح توزيع «البونبون» على متظاهرى التحرير.
وأخيراً تحولت بالفعل خسارة الفلسطينيين إلى مكسب لكن مرة أخرى لأسباب مختلفة، فلقد تسببت الحرب الإسرائيلية الهوجاء على غزة فى صيف 2014 فى تغيير مواقف عدد كبير من الدول الأوروبية من قضيتهم، وبعد أن تصور قادة «حماس» أن بإمكانهم إحلال أدوار عربية وإقليمية أخرى مكان الدور المصرى، تبينوا أنه لا غنى لهم عن هذا الأخير.
ترى كيف سيقيم آخرون هذه المراجعة التى قمت بها لأفكار «والت» بعد أربعة أعوام أخرى؟ وإلى أى مدى ستعبر هذه المراجعة عن حقيقة هذا المستقبل القريب؟.. ننتظر لنرى.