لقاء الخميس الماضى الذى استضاف فيه الأستاذ خيرى رمضان كلاً من د. جابر عصفور والشيخ أسامة الأزهرى والفنان القدير جمال سليمان والكاتب إبراهيم عيسى كان مهماً، فلأول مرة نرى لقاء تليفزيونياً تُناقَش فيه الأفكار بكل حرية، وتُقابَل الشبهة العلمية برد علمى، بعيداً عن العجز العلمى ومحاولة إخفاء العجز بالتركيز على الأشخاص والمواقف، وترك الفكرة نفسها. د. جابر عصفور ينكر السنة، فيرد «الأزهرى» ببيان خطأ هذا المنحى، ويأتى «عيسى» لينتقد كتاب البخارى، فيرد «الأزهرى» بعلم لا بصخب، وللأمانة فإن الأطراف كلها قالت ما تراه قناعة تامة، وليس تكتيكاً سياسياً، مع أن أحد الطرفين وزير للثقافة والآخر مستشار للرئيس.
المقصود هنا أن إنكار «عصفور» للسنة وتشكيك «عيسى» فى البخارى لم يقابَل من «الأزهرى» بما اعتدنا سماعه من غيره دائماً، من نوعية إنكم أعداء الدين، وأعداء الإسلام، والمحاربون للسنة، وهكذا. كما أن تمسك الأزهرى بالوحى الثانى، وبصحة صحيح البخارى، وبالتوفيق بين العقل والنقل، لم يمنع الطرف الثانى من وصفه بالمفكر والمجتهد، والسؤال: ألا ينبغى على «الأزهر والكنيسة والتعليم والثقافة والإعلام» بث هذا المعنى فى المجتمع حتى يقبل كل منا الآخر، مع احتفاظ كل شخص بما يعتقده؟ هذا ما نتمناه.ليس مطلوباً من العلمانى ترك علمانيته، ولا من الأزهرى ترك منهجه، ولا من السلفى ترك آرائه، ولا من أى شخص ترك ما اعتقده، إنما المطلوب أن يقابَل الرأى بالرأى، لذلك أوقفنى أن الموضوعات التى تناولتها الحلقة هى نفسها الموضوعات التى تناولتها حلقة جمعت بين محمود شعبان وإسلام البحيرى، وفى نهايتها رفع شعبان حذاءه فى وجه البحيرى دفاعاً عن السنة، وأطلق البحيرى سخائمه فى عرض شعبان دفاعاً عن التفكير؟ أما هنا فانتهت الحلقة بتقدير واحترام الأزهرى للثلاثة وعقولهم، وبمدح الثلاثة لعلم الشيخ واجتهاده وجهوده، لماذا؟ لأننا بكل بساطة هنا أمام «كبار» وهناك كنا أمام «صغار».
إن هناك صوراً مضيئة فى حوارات سابقة بين أطراف إسلامية وعلمانية أو بين دعاة الدولة الدينية والدولة المدنية (حسب ما يحب كل طرف أن ينادى)، فعُقدت فى القاهرة عام 1989 جلسات حضرها فاضل رسول والبشرى وعمارة والعوا وهويدى ومهدى الحافظ وسعد إبراهيم ومحجوب عمر وعلى الدين هلال، وقامت مجلة الأزهر بإصدار تلك الندوة فى كتاب، مما يدل على أن الأزهر كمؤسسة مشغول بالتقريب بين التيارات التى لكل منها موقف فكرى خاص، وهناك تجربة فى تونس صدرت فى كتاب «تونس الغد» شارك فيها مختلف الأطياف، كما صدر كتاب حول الإصلاح الدستورى فى السعودية لشخصيات مختلفة المنابع، وإذا استمر هذا المنحى تبددت الصورة الظالمة من النظر للأزهريين على أنهم يتبنون الجمود والتخلف، والصورة الظالمة من النظر للعلمانية على أنها ترادف الكفر والإلحاد.
والخلاصة أن تيارات الأمة المختلفة، وهى تواجه هيمنة الغرب وتتصدى لدور تركيا وإيران، لا بد أن تكشف ما بينها من نقاط تقارب وتعاون، فلا بد أن نعلم أن هذا العمل الضخم لا يملك طرف واحد كل خبراته ومهاراته، لأن شروط النهضة ليست كلها ديناً خالصاً، ومن هنا يأتى الدور على ضرورة إسهام القطاع العلمانى -كما يقول د. عمارة- وإذا أراد الأزهر القيام بثورة دينية وتصحيح المفاهيم الفكرية فلا غنى عن أن يكون للشيخ أسامة الأزهرى أثر فى المشيخة، ليعوض بعضاً من حالة الموات التى يعيشها قيادات المشيخة اليوم.