تأملت مسيرة زعماء العالم ضد الإرهاب فى باريس، وبغض النظر عن الأعداد التى شاركت، وطريقة التصوير التليفزيونى للحدث الذى لا بد من تسجيل حقوقه الفكرية للشعب المصرى فى 30 يونيو، بغض النظر عن كل هذا لا أعرف لماذا سيطرت على فكرى صورة الفنان العظيم زكى رستم فى فيلم «رصيف نمرة 5» حينما قدم شخصية «المعلم بيومى»، تلك الشخصية التى ظاهرها التقوى والورع والرجولة والمحبة والجدعنة. وباطنها تجارة الهيروين والمخدرات فى أطراف الحمام الزاجل، والقتل حين ذبح زوجة «الشاويش خميس»، المجند بالبحرية، خطأً لأنه كان يريد قتل الشاويش نفسه. ندل يسيطر على مغنية لا حول لها ولا قوة ويعيش معها فى الحرام. ظالم جبار لا يعرف الخوف من الله حين تسبب فى خروج «خميس» من عمله ظلماً. ورغم كل هذا لم تفارق السبحة يده طيلة الفيلم كمظهر من مظاهر الوقار والتقوى، ولم يترك «خميس» المنكوب للحظة واحدة طيلة الأحداث سانداً إياه بالكلمات المشجعة تارة، وهدايا لطفليه تارة أخرى.
هكذا سيطرت شخصية «المعلم بيومى» على ذهنى يا سادة وأنا أتابع المسيرة الجادة أمام عدسات القنوات العالمية تتوسطها أنجيلا ميركل، قاطرة أوروبا الاقتصادية. وبجوارها وفى ذات الصف بنيامين نتنياهو، مستخدم كل أدوات القتل غير المشروعة، أحد مغتصبى أرضى فى فلسطين، صاحب إعلان أن إسرائيل دولة يهودية قبل سنوات من إعلان «داعش»، ذلك التنظيم الإرهابى، لوجوده، الذى يحلو للغرب الآن إطلاق مسمى «الدولة الإسلامية فى الشام والعراق» عليه. تأملت وتساءلت فى نفسى: ترى من المجرم والضحية فى هذا المشهد؟
هل أصدق قادة أوروبا الذين دعموا ومولوا وآووا كل هؤلاء الإرهابيين الذين يتحدثون عنهم اليوم ويؤكدون على مواجهتهم؟ أم أصدق صورة الطائرات الأمريكية فى العراق وهى تلقى المساعدات العسكرية لـ«داعش» فى حرب تقودها أمريكا؟ طيب.. هل أصدق أمريكا وهى تعلن أنها ستقضى على «داعش»، كما قضت على القاعدة؟! وهو كلام يؤكد فساد الترامادول المتداول فى الأسواق تلك الأيام لأن أحداً لم يقضِ على القاعدة التى يتداولون هم أخبارها كل يوم. هل أصدق وزير الدفاع الأمريكى المُقال أو المستقيل -لا يهم- «تشاك هيجل»، الذى أعلن عدم وجود استراتيجية لمحاربة «داعش» فى التحالف الذى تقوده بلاده؟ أم أصدق ما يدعون له من مؤتمر عالمى لمكافحة الإرهاب فى الأيام المقبلة؟ طيب برده.. هل أعتبر أن ما حدث فى فرنسا مؤخراً بداية لتعديل اتفاقيات المرور بين دول الاتحاد الأوروبى المعروفة باسم «شينجن»؟ أم أعتبرها بداية لتطبيق قرار الانتشار السريع خلال 48 ساعة فى أى مكان بالعالم ودون إخطار لقوات الناتو المدربة على أعلى مستويات والذى تم إقراره فى قمة ويلز لحلف الناتو فى سبتمبر الماضى؟ وهكذا يا سادة تكاثرت سحب الأسئلة فى رأسى لمجرد رؤية هذا المشهد الدرامى لزعماء وقادة أوروبا فى ذروة درامية يعجز عن الإتيان بها عباقرة إخراج الإثارة فى العالم. وطغى على فكرى مجدداً، مشهد «الشاويش خميس» المصرى الجدع الحدق وهو يطارد «المعلم بيومى» فى نهاية الفيلم بعد قتله لامرأة أخرى فيضبطه داخل مسجد يدعى الصلاة، فيمسك به دون إعطائه فرصة الإفلات منه سائلاً إياه عن سبحته، رمز تقواه، فيقول له إنه نسيها. فيخرجها الشاويش المصرى من جيبه قائلاً: «لميتها لك يا معلم».