في الشيخ زويد.. "العيال جتتهم نحست من صوت الضرب والانفجارات"
سيمفونية صباحية، تستيقظ عليها كل يوم، هي ليست معزوفة موسيقية وإنما سيمفونية الطلقات النارية التي اعتاد أن يستيقظ عليها أهل العريش يوميًا، لم يعد للمنبه ضرورة في ظل قرب مسكنها من كمين الريسة، طلقات تخترق الآذان لتعلن انتهاء فترة حظر التجوال، وبدء يوم جديد على شمال سيناء، ترتدي ملابسها وتخرج من منزلها في اتجاه مدينة الشيخ زويد التي لا تبعد أكثر من 30 كيلومترًا عن بيتها.
الطريق من منزل هبة محمد، التي تعمل مدرسة لغة عربية بإحدى مدارس قرى الشيخ زويد، لا يستغرق أكثر من نصف ساعة في الأوقات الطبيعية، لكنها تضطر للاستيقاظ مبكرًا، بسبب كثرة الكمائن على الطريق الدولي بين العريش ورفح التي جعلت الطريق يستغرق أكثر من ساعة، "أحيانًا بنقف في الكماين بالساعات وأحيانًا كمين الريسة بيبقى قافل وبضطر أرجع البيت قبل ما أروح الشغل وده سبب لي مشاكل مع مدير المدرسة"، بالإضافة إلى مشقة الطريق ذاته، فالمواصلات صعبة وتستغرق ساعات، وفي كثير من الأحيان كانت تضطر إلى انتظار إحدى صديقاتها في المدرسة في موقف الشيخ زويد، ليذهبوا سويًا إلى مدرستهم.. "أنا المدرِّسة الوحيدة اللي ساكنة في العريش وبدرس بعيد كدة".
المدرسة التي تعمل بها الفتاة العشرينية تقع بالقرب من قرية الجورة، وهي قرية لا يزورها الجيش أثناء بحثه عن الإرهابيين إلا قليلًا، فكل سكانها معروفون بنبذهم للإرهاب وحبهم للجيش، إلا أن القرى المحيطة بها دائمًا ما يداهمها الجيش للبحث عن مطلوبين، وهو ما وضع المُدرِّسة وطلابها في قلب الصراعات وضرب النار بصفة يومية، "الطلاب اتعودوا على صوت الرصاص والانفجارات وإحنا بقينا بنخاف من الانفجارات أكتر منهم".
أخطار زائدة، تقابلها الفتاة يوميًا، سيارة ملاكي سوداء، الوقت متأخر عن ميعاد المدرسة، لا مجال للتفكير، تضطر "هبة" وزميلتها لركوب السيارة، قبل أن يكتشفا أنها دون نمر، في الكرسي الأمامي بجوار السائق سلاح "آلي"، وتحت قدميهما أنواع من الأسلحة والطلقات النارية، "السواق كان شكله مش طبيعي أنا وزميلتي كنا خايفين جدًا"، بمجرد نزولهما من السيارة أمام المدرسة أخبرهما أهالي القرية أن هذه السيارة غريبة ولا يعرفون من صاحبها، وطلبوا منهما تحري الدقة أثناء اختيار السيارات التي يضطرون إلى ركوبها وصولًا للمدرسة.
الحملات العسكرية التي يقوم بها الجيش يوميًا، تجعل الفتاة وزملاؤها في ذات المدرسة بالشيخ زويد، في رعب، نظرًا للمداهمات التي يقوم بها الجيش ويرد عليها الإرهابيون، "مرة قابلنا حملة عسكرية في الجورة وكان في مجند مصاب"، وأُشيع خبر مقتل أحد العناصر الإرهابية الخطيرة، وإصابة مدرسة وتلميذة بالخطأ، وعند عودة الحملة العسكرية كان هناك ضرب نار كثيف لتأمينها "فكرنا نرجع بيتنا ومنروحش المدرسة من الرعب في اليوم دا.. شوفنا المجند المصاب وهو بيركب الإسعاف وكنا ممكن نصاب زي ما زميلتنا أصيبت".
صوت طائرات الأباتشي وهي تقصف البؤر الإرهابية، أصبح من الأمور المعتادة، في المنطقة التي تعمل بها هبة بعد أن كانت تثير الرعب والفزع في القلوب، في بداية عمل "هبة" منذ قرابة 9 أشهر في هذه المدرسة "كان كل طفل عندي في الفصل بيبكي وخايف من صوتها ومقتنع أنها هتقتله، وكان بيعيط في صمت"، لكن حتى الأطفال اعتادوا العنف والضرب في تلك المنطقة، "العيال مبقتش تخاف من صوت الطيارات أو الانفجارات لأن جتتهم نحست".
ملف خاص
ملف خاص| الدراسة في سيناء.. على خط النار
قبل مذبحة كرم القواديس، كانت الحياة في شمال سيناء تسير، على الرغم من صعوبتها، إلا أن الأمر ازداد سوءًا للمزيد
فوارغ الرصاص والزجاج "المكسور" يزين الفصول في "رفح"
مع دقات السادسة صباحًا تستمع الأم التي تسكن مدينة العريش إلى طلقات الرصاص، التي تشير لإنهاء مدة الحظر للمزيد
في "الشلاق".. التلاميذ شاهد على معارك الجيش من "الشبابيك"
تنظر في هاتفها لتكتشف أن شبكات المحمول لا تزال مقطوعة عن المدينة، في السادسة صباحًا يجب أن تستيقظ "سارة" للمزيد
فقط في شمال سيناء.. ملثمون يفتشون أتوبيس معلمين بحثا عن رجال الأمن
يرفع آذان المغرب، ليختلط بصوت الطلقات النارية التي تخرج من سلاح القناص الرابض أعلى خزان المياه بحي الريسة للمزيد