فقط في شمال سيناء.. ملثمون يفتشون أتوبيس معلمين بحثا عن رجال الأمن
يرفع آذان المغرب، ليختلط بصوت الطلقات النارية التي تخرج من سلاح القناص الرابض أعلى خزان المياه بحي الريسة، معلنًا انتهاء اليوم وبدء حظر التجوال، يمنع جميع السكان من الخروج من منازلهم، التلفاز هو الصاحب الوحيد في تلك الأثناء، وبينما يجلس بأريحية منتظرًا سريان الساعات لينام ويبدأ عمله كمدرس لغة إنجليزية صباح الغد، يفاجأ بنبأ عاجل يذيعه التليفزيون المصري، "تأجيل الدراسة بمحافظة شمال سيناء إلى أجل غير مسمى"، يبتسم الشاب العشريني ويشعر بسعادة بالغة، فقد قرر المسؤولون أخيرًا إنهاء معاناة المدرسين في تلك المناطق النائية.
محمد ناجي، مدرس اللغة الإنجليزية، بإحدى المدارس الابتدائية الموجودة في الشيخ زويد، يفضِّل عدم ركوب أوتوبيسات المحافظة، من العريش إلى الشيخ زويد، "المدرسين بيبقوا فوق بعض من الزحمة وبيقعدوا على سلم الأتوبيس"، على الرغم من قدرة أوتوبيسات المحافظة على العبور من الكمائن دون تفتيش، عكس باقي السيارات، إلا أنها في كثير من الأحيان تقف بالساعات أمام الكمائن هي الأخرى، "مرة وقفنا على كمين الخروبة 3 ساعات عشان كان فيه اشتباكات والضابط قفل الكمين خاف يعدينا نتصاب".
بالقرب من قرية التومة، تقع مدرسة ناجي، وتعتبر القرية ملاذًا وملجأ للتكفيريين، وغالبًا ما يداهمها الجيش ويقصفها بالطائرات بشكل يومي، ما يسبب قلقًا بالغًا لناجي بسبب تحركات الإرهابيين الكثيرة ومهاجمة الجيش لهم، "بنسمع صوت ضرب النار وقذائف الدبابات كأنها فوق راسنا"، لا ينكر ناجي أن الوضع في مدرسته أقل خطورة من بعض المناطق الأخرى والمدارس الموجودة في رفح والشيخ زويد، "فيه مدارس اتدمرت ومدارس اتقفلت، ومدرسين اتصابوا بالغلط في العمليات دي".
"العوايضة الإعدادية" كانت الوكر الذي اختبأ به الإرهابيون لفترة من الزمان، وهي لا تبعد كثيرًا عن مدرسة ناجي، وبحسب رواية الأهالي فإن الإرهابيون حولوها إلى وكر لهم ومخزن للأسلحة، قبل أن يقوم الجيش المصري بتطهيرها فاضطر إلى تدمير جزء كبير منها، "بعض الأهالي بيقولوا إن المسلحين هما اللي فجَّروا المدرسة بعد ما الجيش حاصرهم عشان ميتعرفش على جثثهم أو ياخد السلاح اللي كانوا مخبيينه".
في طريق عودته من المدرسة يستقل "ناجي"، أتوبيسًا تابعًا لمحافظة شمال سيناء، هو إهداء من القوات المسلحة، ينقل المعلمين من وإلى مدارسهم، وفي أحد الأيام قبل إيقاف الدراسة، أثناء خروج أحد هذه الأتوبيسات من رفح، في طريق عودته، أوقفه كمين فريد من نوعه لا يتبع القوات المسلحة، وإنما يقف فيه أشخاص ملثمون مدججون بالأسلحة الآلية، وبين صراخ النساء والطلقات النارية في الهواء، يدخل أحد الملثمين ويطلع على بطاقات الذكور من راكبي الأتوبيس.
لحظات صعبة من الترقب والرعب عاشها المدرسون داخل الأتوبيس، فقد كان الملثم يبحث عن رجال شرطة بينهم، وكشف عن بطاقاتهم على حاسبه الآلي حتى إنه شك في أحد الركاب وفتشه، "فكروا أن الأتوبيس تبع الجيش ولما عرفوا إننا مدرسين عدونا عادي"، وبمجرد السماح لهم بالانصراف، حذر السائق أقرب كمين وشرح له الموقف كاملًا، وفي الحال أرسل الكمين مدرعاته وقواته للمنطقة التي وجد بها الكمين الإرهابي، "الجيش هو اللي بيحمينا من الإرهابيين ولازم كلنا نسانده في حربه دي".