صناع وراكبو أمواج الغضب

خالد عكاشة

خالد عكاشة

كاتب صحفي

صناع أمواج الغضب التى ضربت الشواطئ طوال الأسبوعين الماضيين، منهم العامد المتعمد، ومنهم آخرون تورطوا فى جلب المادة الخام باستهانة تفوق فعل التعمد، العامد والمتعمد كان اسمه هذه المرة أمين الشرطة، الذى تجاوز بداية فى حق مجموعة من الأطباء فلم يجد من يستنكر الفعل ويضرب على يده بسوط القانون والمحاسبة، فظن أن هناك فسحة من الوقت يمكن أن يضغط فيها مجدداً على أعصاب وزارته ويلهب مجدداً الرأى العام بمشاهد وجرائم يطالبهم فيها بابتلاعها على الهواء مباشرة، فإذا بجريمة الدرب الأحمر على مصادفتها المأساوية فى مشاجرة تحدث منها الآلاف يومياً تفتح فى وجه أمين الشرطة الجحيم الذى ظل يفر منه منذ يناير 2011م.

ومثله العامد الذى سمح بأن تنشئ تلك الشريحة الوظيفية داخل وزارة الداخلية ما سمى بائتلاف أمناء الشرطة فى مخالفة قانونية صارخة، حيث مارس هذا التجمع العشوائى، الذى أصبح لديه قيادات ومتحدثون رسميون، كافة أنواع الابتزاز ضد كيان الدولة المصرية، بدأ هذا منذ اللحظات الأولى فيما بعد رحيل نظام مبارك، وأول ما مارسه أنه فرض على وزارة الداخلية إعادة آلاف من أمناء الشرطة والأفراد المفصولين لسوء السلوك، والعامد هنا هو من سمح -أو بالأدق من استمر فى السماح- باعتبار أن النشأة الأولى قد تعتبر داخل ظرف استثنائى عام يمكن تمريره وقتها، لكن فعل الضغط والابتزاز الداخلى للوزارة استمر وخرج للعلن فى أكثر من مناسبة فيما بعد، وبعد سنوات من هذا الوضع الاستثنائى، فقد تم تنظيم اعتصامات وتجمهر بالمخالفة للقانون فى أكثر من مكان أمنى بالمنيا ومطار القاهرة، وأشهر تلك الحالات التى تابعها الجميع وكانت أحدثها ما تم فى مديرية أمن الشرقية، والعمد هنا تمثل فى الاستهانة بتبعات هذه المشاهد واللجوء من قبل وزارة الداخلية لسلوك تمرير الواقعة الغليظة من أجل ضمان عدم اهتزاز المقاعد والمناصب، من دون النظر أو التوقف أمام العرض الجانبى الأخطر وهو تراكم المشاهد الغليظة التى بدأت تدمر العمل الأمنى من داخله بالتدريج.

التدمير تمثل فى شيوع مبدأ التمرير الذى أصبح بممارسته مرة وفى واقعة صارخة الدلالة منهجاً لم يجد الصغار والكبار مفراً من اعتناقه وممارسته، فالمواجهة مع ظواهر من هذا النوع كانت تحتاج إلى توحد جمعى يشمل الكافة، وهو ما لم يتوفر فصار كل ضابط وأى قيادة يتعامل مع الخطيئة بمفرده، والإمكانيات الفردية هنا لا تستطيع مواجهة خلل بدأ يدب كالنمل ويزحف تحت الجلد ويعود بالدفع الذاتى للصورة النمطية للجهاز الأمنى، وكانت هذه وحدها كفيلة بالوصول إلى المربع الحالى الذى نقف فيه من دون مبرر، وهو المربع الوحيد الذى تستطيع فيه هذه الشريحة الوظيفية ممارسة تجاوزاتها ومخالفاتها.

الفاتورة السياسية وجدت نفسها مطالبة بمواجهة كافة أنواع راكبى الأمواج خلال تلك الأزمة ومن بعدها حادث مقتل شاب الدرب الأحمر، والحديث عن أن تلك الجرائم مفتعلة وهناك من يقف وراء التخطيط لها خاصة مع تكرارها، هو فعل تمرير آخر لتداعيات غليظة يستهين مردوده بما هو مقبل من حوادث، ربما حينها لا تصلح نظرياتهم العقيمة تلك فى تقديم خدمات مجانية لهؤلاء راكبى الأمواج، كى يعتلوا أسطحاً هم غير قادين على الوصول إليها من دون أخطاء فادحة ترتكب من الجانب الآخر، والمستنكر لسلوك قطاع كبير من وسائل الإعلام والصحف والمواقع فى معالجة ونقل تفاصيل الأزمة وحشوها بأكاذيب عديدة، والاستناد إلى هذه التفاصيل فى محاولة لتمرير أن راكبى هذه الأمواج هم مخططو الأزمة والقائمون عليها هو إسناد فاسد تماماً، ومماثل لما يحاول راكبو الأمواج ترويجه بأن هذه الأزمة وهذا الخلل فى الثقة هو مشهد عام ينسحب على غيره من الأوضاع الأخرى، وهذا غير حقيقى بالمرة رغم دقة وخطورة جسر الثقة ما بين المواطن وبين جهازه الأمنى، وهو ما يجب العمل عليه بالصدق والجهد والواقعية التى تليق به.