رفاعة الطهطاوى.. الجد والحفيد
أُصبتُ بالدهشة وخيبة الأمل عندما قرأت مذكرة المستشار الجليل مصطفى خاطر، المحامى العام لنيابات شرق القاهرة، صاحب الضمير الحى، إلى مجلس القضاء الأعلى حول دور رفاعة الطهطاوى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، فى الأحداث، وجاء فى المذكرة بالنص: «أخبرنى النائب العام أن هناك 49 بلطجياً محتجزين عند البوابة رقم 4 الخاصة برئاسة الجمهورية فى قصر الاتحادية، وأنه جرى التصديق بمعرفة سيادته مع السفير رفاعة الطهطاوى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، لكى تتوجه النيابة لقصر الرئاسة لاستلام هؤلاء المتهمين، وأفاد سيادته بأنه يتعين اتخاذ إجراء حاسم بشأن هؤلاء المتهمين، خصوصاً المجموعة التى ضُبطت فى قصر الاتحادية، وتوجهنا إلى قصر الاتحادية وتقابلنا مع السيد رئيس ديوان رئيس الجمهورية وقدّم لنا سيادته مذكرة مفادها ضبط 49 متهماً بمعرفة المتظاهرين، ومعهم سلاح نارى فرد خرطوش، وبعض الطلقات وبعض الأسلحة البيضاء. وقمنا بمناظرة هؤلاء المتهمين، وتبين أن جميعهم تعرض للضرب المبرح ويوجد فى كل منهم إصابات أُثبتت فى صيغة بموجب محضر إجراءات، وبموجب تقارير طبية، وأفاد كل منهم بأن من تولى ضبطهم هم مجموعة تنتمى لجماعة الإخوان المسلمين، وأنهم تعرضوا للضرب والتعذيب للاعتراف بأنهم مأجورون لإحداث أعمال شغب لقاء مبالغ نقدية». وتابع المستشار الجليل أن «النيابة تأكد لها براءة هؤلاء من التهم التى نسبها إليهم الإخوان المسلمون»، وتعنى هذه الفقرة بوضوح أن السفير رفاعة الطهطاوى طرف فى جريمة تلفيق تهمة كاذبة لمواطنين أبرياء.
ذكّرتنى كلمات المستشار مصطفى خاطر، برفاعة الطهطاوى الجد رائد الاستنارة فى مصر أول مَن ترجم دستور فرنسا، والذى عاد إلى مصر ليقود حركة نهضة حقيقية، متخذاً موقفاً مناصراً لدولة القانون والديمقراطية ومناصراً أيضاً للمرأة ومقولته الشهيرة «عفة المرأة فى تعليمها وعملها»، وفتح أول مدرسة لتعليم البنات، وأصدر جريدة «الوقائع»، وملأ مصر أفكاراً ملهمة منذ ما يقرب من مائتى عام. قارنتُ ذلك كله بما فعله رفاعة الطهطاوى الحفيد، ومواقفه المسانِدة للإعلان الدستورى الذى أهدر استقلال السلطة القضائية، وحرم المصريين من حق الطعن فى قرارات الرئيس وفى لجنة إعداد الدستور ومجلس الشورى وعزل النائب العام، متجاوزاً قانون السلطة القضائية، رغم أنه تنقّل فى عمله كسفير بين العديد من البلدان الديمقراطية، ويعرف جيداً حقوق الإنسان، ولا يتورع عن وصف أسرى جماعة الإخوان أمام قصر الاتحادية بأنهم بلطجية، رغم أنهم يضمُّون فى صفوفهم زميله الدبلوماسى يحيى نجم والصيدلى رامى صبرى والمهندس مينا فيليب والشابة علا شهبة وغيرهم من أبناء الشعب المصرى البسطاء الذين حاولوا التعبير السلمى عن رأيهم، فكان جزاؤهم التعذيب والتنكيل، وما بين مواقف الجد المستنيرة ومواقف الحفيد المتجاهلة لأبسط حقوق الإنسان، أطرح السؤال: هل نحن نتقدم أم نتأخر؟