«الخراب» يقتل «الأمل» فى مسقط رأس الثورة التونسية

كتب: تونس: محمد أبوضيف

«الخراب» يقتل «الأمل» فى مسقط رأس الثورة التونسية

«الخراب» يقتل «الأمل» فى مسقط رأس الثورة التونسية

على مبنى البريد التى يتوسط الولاية، تستقر صورة مكبرة لـ«بوعزيزى»، باسطاً ذراعيه، ومن فوق هامته ميزان العدالة، وممهور بجملة «ثورة ١٧ ديسمبر رمز الوحدة الوطنية»، وعلى مقربة منه تمثال لعربة باعة جائلين مزينة بالعلم التونسى، وفى الجهة المقابلة تقبع إدارة الدفاع الداخلى «مقر الشرطة»، وكأن كلاً منهما فى مواجهة الآخر، كما كان «البوعزيزى» فى مواجهة الشرطية التى صفعته فاندلعت الثورة، هنا وسط مدينة سيدى بوزيد، مهد الثورة التونسية.

التوانسة رفعوا لافتات «بوعزيزى» من جديد

وعلى مبعدة من التمثال واللوحة يستقر مقر الولاية الملطخ بالسواد، جراء محاولات العاطلين عن العمل اقتحامه، وأمام بوابته الحديدية تلك هى البقعة التى أضرم الشاب التونسى النار فيها فى جسده فى ديسمبر عام 2010 لتشتعل من خلفه ألسنة الثورة، ليكون وسط الولاية جامعاً لكل أشكال المواجهة بين النظام والثوار.

{long_qoute_1}

الدخول لسيدى بوزيد ليس بالأمر الهين، طريق ضيق متعرج ملىء بالحفر، غير معبد، تحفه شجيرات الصبار، والصنوبر، يكفى بالكاد لعبور سيارة واحدة، وعلى جانبيه عصارات الزيتون، التى يحمل بعضها اسم «بوعزيزى»، وأراض مترامية الأطراف، تليق بولاية تعتمد بالأساس على الزراعة كمورد رئيسى وعمل لأكثر من 60% من أهل سيدى بوزيد.

تجمع سيدى بوزيد بين النقيضين، بها تجمع سلفى حيث تعد مقراً لمنظر السلفية الجهادية فى تونس، فى الوقت الذى قامت تلك القرية حول أئمة الصوفية، وسميت نسبة لأحد أكبر أئمة الصوفية فى تونس، وتستقر بها الزاوية القاسمية بمعتمدية المزونة، إحدى أكبر المعتمديات «القرى» بالولاية، وتصدر «سيدى بوزيد» الكثير من الشباب المهاجرين للعمل فى ليبيا، فى ظل ما يعانونه من فقر.

صور شهداء الثورة التونسية على الجدران

حين وصلت «الوطن»، لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوت سقوط سقف مدرسة على تلاميذها، وهى نفسها المدرسة التى زارها رئيس الوزراء التونسى العام الماضى، مما يشير إلى كم الإهمال الذى تنضح به مهد الثورة التونسية، التى يتحدث فيها جميع أهل الولاية، بعدما منوا أنفسهم باهتمام يليق بما أحدثته الثورة فى البلاد، بعدما كانت سبباً فى رحيل رئيس الجمهورية الأسبق عن الحكم، ولكن كان جزاؤهم جزاء سنمار، فزاد الإهمال فى الولاية وزادت الأوضاع المعيشية سوءاً، لتشهد البقعة التى أضرم فيها «بوعزيزى» النار فى نفسه تظاهرات يومية تطالب بالتشغيل وتندد بالفساد.

منزل «البوعزيزى» سكنه آخرون ووالدته هجرت البلاد

فى شارع ضيق بحى النور الغربى الفقير، بوسط ولاية سيدى بوزيد يقبع منزل محمد البوعزيزى، يظهر المنزل من طابق واحد، وأمامه ساحة صغيرة، يستخدمها أهل المنزل فى نشر ملابسهم المبتلة، ومغلق بباب حديدى، تبدل حال المنزل، فهجره أهله بعدما رحلت أسرة الشاب التونسى إلى العاصمة، لتسكن فى «المرسى» أحد أهم الأحياء الراقية، حسبما ذكرت شقيقة والدته «هنية الضاوى»، التى تقطن المنزل المتاخم لهم، وتقول: بعدما اشتهر نجل شقيقتها الراحل، حل عليهم الثراء فتركوا المنزل، ولكن سرعان ما قدمت الأم طلب لجوء سياسى إلى كندا، خوفاً من تعقب بعض الناس لهم بعدما حل ببعض البلدان العربية جراء الثورات التى أشعلها نجلها، وانتشار الإرهاب والفقر.

{long_qoute_2}

تمر إحدى السيدات من قاطنى الشارع الفقير، تقول: «بوعزيزى تانى، عمل إيه بوعزيزى، انتحاره حل علينا بالفقر والخراب والإرهاب، الله يسامحه»، تمر السيدة، وترفض استكمال حديثها، ولكن ثمة شاباً كان يجلس بالقرب من منزل «بوعزيزى»، «رياض دليلى» يقول إنه كان على علاقة وثيقة به بحكم الجيرة، ويمتدح أخلاقه ويقول إن فلول نظام بن على وبعض ممن تضرروا من الثورة طاردوا أسرة بوعزيزى، حتى أصبحت والدته لا تطيق العيش فى تونس، خاصة أنها كلما خرجت للشارع يطاردها المارة فى الحى الراقى التى انتقلت لتسكن به، وينادونها بأم فال «الشؤم» والخراب، بل وحاولوا الاعتداء عليها عدة مرات.

إلى جواره يقف «عبدالستار الجراوى» بلحيته الكثة، من سكان حى النور الغربى، ويقول إن شقيقة بوعزيزى تزوجت من أحد العاملين بسفارة تونس بكندا، وانتقلت للعيش معه، ثم نقلت والدته بعدما قدمت لها على طلب لجوء، خوفاً عليها من المطاردات التى كانت تتعرض لها مع كل مصيبة تحل على الوطن العربى، بل وما زاد الطين بلة أن الحى الراقى الذى اختاروه كان يقطنه الكثيرون من أنصار الرئيس السابق زين العابدين بن على، وظلت تتعرض لمضايقات شديدة، حتى إنها فى الأيام الأخيرة عزفت عن مقابلة الناس سواء وسائل الإعلام أو غيرها.

زملاء البوعزيزى نادمون: «ليته ما فعلها»

فى سوق الخضار بالولاية التى شهدت صفعة الشرطية فادية حمدى على وجه «البوعزيزى»، جلس «حبيب غادى» صديقه، يتذكر الواقعة التى غيرت وجه الوطن العربى، حينما أضرم النيران فى جسده أمام باب الولاية، ويقول: «يا ليته ما فعلها.. رحل ورحل الخير معه»، ورغم إيمانه بأن «بوعزيزى» لم يقدم على تلك الخطوة إلا بعدما يئس من الحياة بسبب ضيق الرزق وامتهان الكرامة، فإنه يرى أن ما فعله زاد من ضيق الرزق نفسه، مشيراً إلى أن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لم تقدم جديداً بل زادت من تأزم الوضع: «عهد بن على كان أفضل ولا توجد مقارنة بينه وبين الوضع الحالى».{left_qoute_1}

حبيب شاب ثلاثينى، ذو أسنان حديدية ورأس أصلع، يقول إن سيدى بوزيد تدمر العمل بها، بعدما هجرتها رؤوس الأموال بعد الثورة، مشيراً إلى أن القوى السياسية تجرى وراء الكراسى ولم تنظر للمواطن، مشيراً إلى أن ولاية سيدى بوزيد تقدم للدولة ما يزيد على 50% من إنتاج الخضر والزيتون، تحتل المرتبة الثانية وطنياً فى مجال إنتاج الألبان، بخلاف اللحوم والماشية، وبعد الثورة هربت منها الشركات الأجنبية التى كانت تعمل على تصدير تلك الخضراوات وبيعها للخارج، وهو ما دمر الفلاح فى بلدتنا، وتراكمت عليه الديون. ويقول إن المادة الخام نفسها التى كانت تصدر للخارج لم تعد موجودة بعدما زاد العبء على كاهل الفلاح وأصحاب محلات الحياكة، ليتوقفوا عن العمل، مشيراً إلى أن البشر أيضاً من المواد الخام التى فقدتها سيدى بوزيد: «المواطن يدور على أى ضمان».

زهير غربى، من زملاء بوعزيزى، لم يتفق مع ما قاله حبيب، لكنه يقول إن الأهالى فى سيدى بوزيد كانوا على أمل أن يكونوا فى طليعة الولايات التى ستهتم الدولة بها بعدما قادت البلاد خلال الثورة، ولكن الوضع زاد سوءاً ولم ينظر أحد لحال الشعب هنا، بل زادت البطالة، وقل دخل الفرد وزادت الأسعار، وتوقف الكثيرون عن العمل، بسبب ضيق الرزق.

يتمنى «غربى»، لو كان يستطيع إيقاف البوعزيزى حينما توجه لإشعال النيران فى جسده، ويقول ذو القامة الطويلة، بملابسه غير المهندمة: «الوضع أصبح أكثر سوءاً فى شتى مناحى الحياة»، ولكن يثنى الرجل على التقدم فى الحريات: «تتكلم زى ما تحب وتقول رأيك فى أى حد حتى رئيس الجمهورية»، ولكن للأسف الدولة لا توفر التنمية والتوظيف للمواطنين، والسوق التى يعملون بها توقف حالها، بخلاف الكثير من مصانع النسيج التى توقفت بعد سفر أصحابها لبلادهم فتشرد الكثيرون، مؤكداً أن يومية الرجل فى السوق كانت تصل لـ20 ديناراً، اليوم لا تكمل أجرة الرجل عشرة دنانير ولا تكفى فى ظل زيادة الأسعار.

{long_qoute_3}

يشير «غربى» إلى موقع إحراق «بوعزيزى» لجسده، ويقول: «لو كنت أعرف بما كان ينوى فعله، وما سيحدث على أثره بالتأكيد كنت منعته بالقوة»، مشيراً إلى أنه مر على تونس بعد الثورة أكثر من 180 رئيساً، خلال الحكومات المتعاقبة لم يترك أحد منهم أثره على حياة الناس.

مثلث الموت والعنصرية ضد أهل الغرب والجنوب

على بعد 45 كيلومتراً تستقر معتمدية «مدينة» الرقاب، كانت إحدى شعلات الثورة فى تونس، وكان لها النصيب الأكبر من عدد الشهداء فى ولاية سيدى بوزيد، حيث توفى 5 شهداء فى يوم واحد خلال المواجهات مع الشرطة، بمجرد الدخول للمدينة تستقبل ساحة الشهداء، وفى الجهة المقابلة يقع مقر المعتمدية، الذى افترش المعطلون حوله الخيم، وعلى سورها نسج الفنانون لوحات من الزيت لصور الشهداء، الذى سقطوا من المدينة.

على مقهى يتوسط المدينة جلس «عادل عبيدى»، يصف سيدى بوزيد ومعتمديتها بأنها قاعدة مثلث الرعب الذى يتكون من القصرين وسيدى بوزيد وقفصة، حيث كانت دائماً ولاية سيدى بوزيد فى طليعة من قدموا أرواحهم فداء للوطن، مشيراً إلى أن قبيلة «الهمام» التى تعيش فى سيدى بوزيد وقفصة، كانوا دائماً فى مقدمة الثوار، منذ مقاومة الاستعمار، وكونوا فرقاً مسلحة سكنت الجبل، وظلت تحارب الاستعمار، حتى الرحيل، ويصفها بـ«خزان للثورة» يمد البلاد كلما احتاجت إلى ثوار يحركون الأحداث.

ميادين تونس شاهدة على الأحداث

ولكن الشاب يشعر بعنصرية مقيتة تجاه أهل الغرب والجنوب، ويصف نفسه وأهله بـ«العبيد» لأهل الشمال والساحل، مشيراً إلى أن فى الثورة نفسها دائماً من ينكر ما قدمته ولايات الجنوب خلال الثورة، ويرفض الشاب تسمية الثورة بثورة الياسمين، مؤكداً أنها تسمية غربية، يمقتها الشباب هنا فى الجنوب، تشعرك بأن الثورة كانت هادئة ورقيقة، فى إغفال حقيقى لقضية الشهداء والمصابين، الذى ضحوا بأرواحهم، من أجل رحيل زين العابدين بن على عن الحكم.

تابع «عبيدى» أن معتمدية «مدينة» الرقاب، كان لها دور جليل خلال المواجهات مع الشرطة إبان ثورة ديسمبر 2010، حيث حاصرت المقرات الأمنية، ومقر المعتمدية، ودخلت فى مواجهات دامية مع الشرطة، حتى تخفف من وطأة الضغط الذى كانت تمارسه الشرطة على القصرين، وحتى يتشتت جهد قوات الأمن، ما بين ولاية القصرين ومعتمدية الرقاب.

على مبعدة من جلسة «عبيدى» تظهر خيمة للمعطلين عن العمل، أمام مقر المعتمدية، ويقول إن هؤلاء الذين يعد نفسه واحداً منهم هم من يحركون الأحداث فى مدينته الأثيرة من بعد ثورة 2010، حيث وصلوا إلى أنهم خلعوا المعتمد الأول «رئيس المدينة» بسبب فشله فى حل أزماتها، ولكن فى نفس الوقت مشكلتهم الوحيدة فى العمل لم تحل.

تمثال لعربة باعة جائلين مزينة بالعلم التونسى كرمز للثورة

قتلة الشهداء يرقون فى المناصب.. وحقوق المصابين ضاعت هباء

العربى القادرى، أحد مصابى الثورة، بمنطقة الرقاب، لم يجن من مشاركته فى الأحداث عام 2010، إلا توفير الدولة عمل له، وهو ما يرفضه، ويقول: «عليهم أن يأخذوا تلك الوظيفة لو كانت ثمناً لإصابتى، ويحاكموا الضباط الذين شاركوا فى قتل الشهداء وإحداث الإصابات بنا»، وتابع: «الضباط الذين شاركوا فى معتمدية الرقاب فى عمليات قتل خمسة شهداء وإصابة العشرات خلال أحداث الثورة، تمت ترقيتهم إلى مناصب عليا فى وزارة الدفاع الداخلى الشرطة، والنظام الشرطى لم يتغير فيه من بعد الثورة إلا لون الزى الخاص بها».

المزارعون يسكبون الألبان فى الشارع ويلقون بمحصول الطماطم فى الأرض

عند اللوحة الممهورة بـ«سيدى بوزيد» تظهر مساحات مترامية من الأراضى الزراعية، تشير إلى الولاية الفلاحية بالأساس، ومن هناك إلى وسط الولاية، كان طريق «حمزة حرشانى» لترك أرضه الطينية وتأسيس مقهاه، حرشانى الذى ترك الفلاحة بعدما «خربت بيته» حسبما أورد، منذ الثورة وزادت أزمة الفلاحة، بحيث أصبحت الأرض عبئاً على كاهل صاحبها أكثر ما تدر عليه من أموال، ويقول الشاب إن الفلاح هنا يتعرض للكثير من الأزمات أهمها عدم تعبيد الطرق وتمهيدها، وعدم ملكية الأرض، فتلك الأرض التى عمل فيها الشاب منذ نعومة أظافره لا يمتلك لها سند ملكية بسبب أنها تخضع لقانون ملكية الأراضى للنظام الاشتراكى الموجود منذ الاستعمار، حيث تؤول ملكية كل الأراضى للدولة، ما يضطره لبيع المحصول من خلال وسيط، بسعر بخس لعدم امتلاكه أوراقاً تثبت ملكيتها، الأمر الذى يعطله عن الحصول على قرض يستطيع من خلاله توفير المعدات.

يقول «حرشانى» بصوت ممتعض، إن الأمن عاد إلى سابق عهده يجمع الإتاوات من الباعة، ويتعرض الجميع فى سيدى بوزيد لمضايقات من الأمن، بسبب الفساد، مشيراً: إذا مات «بوعزيزى» واحد فهناك أكثر من بوعزيزى الآن فى سيدى بوزيد، مشيراً إلى انتشار ظاهرة حالات الانتحار فى نفس موقع حادثة 2010، حيث لا يمر شهر واحد دون وقوع حالة انتحار فى سيدى بوزيد: «لما نسمع إن فيه حد انتحر ما بقناش نتأثر بقى شىء عادى، بقينا بلد المنتحرين»، وتتعدد أسباب المنتحرين، وفق ما يروى صاحب المقهى، حيث يؤكد أن ضيق المعايش بكافة أشكالها والبطالة هى السبب الرئيسى.

بلحيته الكثة، وقبعته الرمادية، جلس أسعد عبداللى، مهندس بالاتحاد العام للفلاحين بسيدى بوزيد، داخل مقر الاتحاد، يتابع المشاكل التى يضج بها الاتحاد، جراء الوضع السيئ للفلاحين بمدينة سيدى بوزيد، ويقول إن مساحة الرقعة الزراعية والأرياف فى الولاية تصل إلى 75% من أرض الولاية، وسكانها يعملون فى الفلاحة.

«لأول مرة فى التاريخ تكون وفرة الإنتاج وبال على أصحابه» هذا هو الحال فى سيدى بوزيد، بعد خمس سنوات من الثورة، حيث يقول «عبداللى» إن عدم وجود مكان يستوعب صناعة الألبان، فى ظل الإنتاج الضخم من الحليب، ما يؤدى إلى سكب الألبان فى الشارع، وهو ما يعود بالخسارة على الفلاح.

لم تكن الألبان وحدها التى تعانى من أزمة كبيرة بالولاية، بل وحسب رواية «عبداللى» إن المزارعون أيضاً يلقون بالطماطم بعدما فسدت منهم فى المخازن، بسبب الوفرة فى الإنتاج وعدم وجود مشروع لتسويق تلك المنتجات، بخلاف عدم وجود مشروع لصناعات تكميلية للاستفادة من الفائض فى الإنتاج الذى يخرج عن القانون.

هذا بخلاف مشكلة الأعلاف التى تشهد فساداً إدارياً كبيراً، حسبما يوضح عبداللى، الذى يؤكد أن الأعلاف التى تخصصها الدولة لكل فلاح، يبيعها المسئولون فى قطاع الزراعة إلى السوق السوداء، والفلاح لا يطيق ثمنها الباهظ.

ويقول «عبداللى» إن الفلاح دائماً ما يبيع عبر وسيط، يقدم له المعدات والأدوات، والسيارات لنقل المحصول، وهو ما يضطره للبيع بسعر بخس لذلك الوسيط الذى يمتلك وسيلة نقل، ما اضطر الكثيرين لترك الأراضى الزراعية، بعدما زادت تكلفة الإنتاج عن سعر المحصول، ويقول إن تلك المشاكل موجودة بالفعل من قبل الثورة ولكنها تفاقمت وزادت بشكل كبير جداً من بعد الثورة.

الإضراب عن الطعام طريق المعطلين عن العمل

داخل مقهى الاتحاد العام للشغل، الكائن إلى جوار مقر الاتحاد، يجلس جمال الصفرونى، المنسق الجهوى لاتحاد أصحاب الشهادات العليا المعطلين عن العمل، رافضاً أن يسمى ما يحدث من انتفاضة فى ربوع الوطن التونسى بثورة جديدة، ولكنها يراها تصحيحاً لمسار الثورة، التى انحرفت ما وصل بالأوضاع إلى ما هى عليه الآن.

ويقول الصفرونى، إن النظام لم يرحل، ولكن رأسه فقط ممثل فى بن على، ولكن ما زال النظام القديم يحكم، مشيراً إلى أن حتى المكسب الوحيد من الثورة الممثل فى حرية الرأى والتعبير، لم يعد يؤثر فى المشهد السياسى، وإن مجرد أحاديثنا ثرثرة لا تشغل بالاً لدى الحكومة، ويقول إن مطالب الثورة كما هى والمسار الثورى ما زال مطروحاً.

يجد «الصفرونى» فى سيدى بوزيد خصوصية على مستوى المعطلين، فعد دهم يفوق 17 ألفاً، وهى كل سنة فى حالة ازدياد، مما يدل على أن تلبية مطالب الشغل غير متوفرة، مشيراً إلى أن الولاية لا يوجد بها نسيج صناعى قادر على استيعاب ولو نسب صغيرة من المعطلين عن العمل.

سيدى بوزيد على خريطة الاغتيالات السياسية

بالقرب من مقر الولاية الملطخ بالسواد، جراء محاولات المتظاهرين المستمرة لإحراقه واقتحامه، علق ثوار سيدى بوزيد، لوحة تضم عدداً من المعارضين السياسيين الذين طالتهم الاغتيالات، وإلى جوارها وقف «الكافى براهمى»، ينظر إلى صورة ابن عمه «محمد براهمى»، ابن ولايته الأثيرة، إلى جواره المعارض شكرى بلعيد، ويقول ابنه عمه إنه اغتيل فى عقر داره، بعدما تربص به المجرمون أمام منزله، وأطلقوا عليه أربع عشرة رصاصة، لينهوا حياته بسبب مشروعاته المعارضة والمجابهة للنظام الحاكم وسياسته، يصفه بأنه شوكة فى حلق حكومة «الترويكا» خلال مشاركته فى المجلس التأسيسى عن ولاية سيدى بوزيد، بخلاف أنه ضد الحراك القومى.

«براهمى» الذى مثل «سيدى بوزيد» فى المجلس التأسيسى بعد الثورة، قُتل بعدما اعتصم لمدة 25 يوماً داخل المجلس مضرباً عن الطعام، على أثر حراك شعبى بمعتمدية منزل أبوزيان، و«حين اتصلت به لوقف الإضراب رفض بشدة».

ويقول بزهو إن تونس كافة خرجت لتوديع البراهمى، والاحتجاج على تصفيته بتلك الطريقة الوحشية، وقتل مناضل بحجم ابن عمه، مشيراً إلى أن اغتياله كان بتواطؤ مع السلطة الحاكمة آن ذلك، ممثلة فى حركة النهضة الإخوانية، ويقول بكل ثقة إنها كانت تعرف أن الرجل معرض للاغتيال ومهدد بذلك من قبل ولم توفر له الحماية الكاملة.

لا يبحث الرجل عمن نفذ عملية اغتيال ابن عمه، ولكن يشير إلى قضية دخول البلاد فى عصر اغتيالات المعارضين السياسيين، وهو منحى خطير للغاية، وأن يكون هذا المنحى فى بلدة مثل سيدى بوزيد، مهد الثورة.

 


مواضيع متعلقة