الشتاء يضرب مرضى «الروماتويد» فى «المفاصل»

كتب: على ترك وإيمان مرجان

الشتاء يضرب مرضى «الروماتويد» فى «المفاصل»

الشتاء يضرب مرضى «الروماتويد» فى «المفاصل»

{long_qoute_1}

يأتى الشتاء فيتدثر الناس بمعاطفهم وملابسهم الثقيلة، تنخفض درجات الحرارة حدْ «الصقيع» فيلزمون منازلهم أمام مواقد التدفئة بإرادتهم، فيما يلازم مرضى «الروماتويد» أماكنهم لا يبرحونها رغماً عنهم، تتيبّس أياديهم وأرجلهم ولا يعرفون للحركة سبيلاً، ينهش المرض مفاصلهم الواحد تلو الآخر. مرض «سرطانى» الهويّة لا يترك عضواً إلا ويضربه، يصرخ أسراه من دون أن يسمع لهم أحد صوتاً، يقصدون أبواب مستشفيات «الصحة» وهيئة «التأمين الصحى» بأقدام يثقلها المرض، فلا يجدون سوى العلاج «الرخيص». وإذا ما اشتد المرض ووصل إلى مراحل متقدمة يلجأ الأطباء لـ«العلاج البيولوجى» لوقف مسيرته الآخذة فى النمو، وهنا تبدأ معاناة من نوع آخر لعدم توفير العلاج الذى قد تصل تكلفته الشهرية لـ8 آلاف جنيه، فى وقت تخصص فيه الدولة 0.4% من موازنتها العامة للتأمين الصحى والدواء، ليصبح المريض بين شقى رحى، الآلام التى لا تبرح جسده، ووزارة الصحة التى لا ترحم فقره وتحرمه حقه الطبيعى فى الحصول على «دواء جيّد وفعال».

{long_qoute_2}

يتردد على قسم «الروماتيزم والتأهيل» فى «قصر العينى» ما بين 200 و300 مريض يومياً، ومن بين هؤلاء سامية حسين (35 عاماً)، التى أصيبت بالمرض قبل 5 أعوام وبدأت الأعراض بآلام فى اليدين والرجلين.

تقول «سامية» التى تقطع الطريق أسبوعياً من مدينة الحوامدية فى محافظة الجيزة، إلى مستشفى قصر العينى القريب من وسط المدينة، إنّها ذهبت إلى طبيب وخضعت لبعض التحاليل لدى شعورها بتلك الآلام، وتضيف: «هنا أخبرنى الطبيب أنّى مُصابة بالروماتويد». وتوضح «وصف لى الطبيب علاجاً وانتظمت على تناوله حتى عرفتُ بحملى، وهنا توقفت عن تناول الدواء خشية تأثير ذلك على الجنين، وبعد الإنجاب عاودتنى الآلام بصورة أعنف»، مؤكدة «كنت فى بعض الفترات لا أستطيع تحريك يدىّ ثلاثة وأربعة أيام كاملة، توقفت تماماً عن أعمالى المنزليّة، ولم أعد أستطيع القيام بأبسط الأشياء». وتردف: «ذهبت إلى قصر العينى (أحد مستشفيات جامعة القاهرة) لإجراء كشف طبى، ومنذ ذلك اليوم وأنا أحرص على القدوم أسبوعياً لتلقّى العلاج، بدأ الألم يقل رويداً رويداً لكنه لا يفارقنى، وفى بعض الأوقات لا أستطيع تحريك يدى». وتضيف «سامية»، وهى أم لطفلين: «يشتد علىّ المرض فى فصل الشتاء، الأسبوع الفائت لم أكن أستطيع الحركة، الألم مستمر فى السنوات الخمس، وأعلم أنه مزمن».

فى ردهة إحدى طرقات القسم، كانت وفاء نظير (46 عاماً) تنتظر دورها فى «المتابعة»، بدا وجهها شاحباً وعيناها زائغتين وجلست تتدثر بمعطفها لبرودة الطقس. تروى «وفاء» قصتها مع المرض: «قبل 12 سنة وأنا أؤدى بعض الواجبات المنزلية ومنها غسيل الملابس على (غسالة عادية) وبدأت أشعر بآلام عند عصر الغسيل، ومع مرور الأيام فقدت القدرة تماماً على عصر الغسيل، وبدأت قدماى لا تقويان على حملى لفترة قصيرة». تقول: «فى البداية ظننت أنى أعانى ألماً فى العظام، أو مرض روماتيزم كالذى يصيب جيرانى ومعارفى، وأجريت كشفاً لدى طبيب عظام، فأخبرنى أنّى مصابة بالروماتويد. استغرق الوقت 4 أشهر أو أكثر قليلاً حتى عرفت أنى مصابة بالمرض». حُقِنت «وفاء» التى تقطن فى مدينة شبرا الخيمة فى محافظة القليوبية، بالكورتيزون فى بداية رحلة العلاج، وتقول: «لشهرين كاملين اختفت الآلام تماماً، وظننت حينها أنه مرض عادى وقد غادر جسدى، إلا أن تلك الأوهام ذهبت أدراج الرياح مع عودة الآلام مرة أخرى وبقوة».

وتضيف: «دخلت فى فترة علاج لمدة 3 سنوات، وشعرت بعدها بتحسن ما، وانقطعت عن العلاج لمدة 7 سنوات، لم أشعر فيها بأى آلام، وهذا بفضل الله، ومنذ عامين تقريباً عاودنى المرض مرة ثالثة وأعانى منذ ذلك الحين حتى الآن». وتتابع: «أجريت جراحة فى عينى (مياه بيضاء على العين) وكان سبب إصابتى فى عينى هو علاج الروماتويد نفسه الذى أتناوله. فى الشتاء لا أستطيع النهوض من السرير صباحاً، أعانى كثيراً حتى أؤدى واجباتى المنزلية، المرض يأخذ من وقتى ومن وقت أولادى، وإذا زاد مجهودى قليلاً عن المعتاد أتألم كثيراً فى نهاية اليوم».

بينما كانت ردهة قسم الروماتيزم مكتظة بالمرضى من جميع الأعمار، اخترقت سمية عبدالمنعم (42 عاماً) الصفوف فى طريقها إلى حجرة مرضى الروماتويد، للقاء الطبيبة «دينا» التى تتابع حالتها. تقول «سمية»: «ألمّ بى المرض منذ عامين، لم تترك الآلام مكاناً فى جسدى إلا وأنهكته، لدرجة أنى فقدت القدرة على إلباس صغيرتى الجورب، يداى لم تكونا تقويان على ذلك».

وتؤكد: «عندما علمت أنى مريضة روماتويد، بدأت فى التردد على قصر العينى للعلاج عن طريق حقنة أسبوعية. يوم أشعر بأنى سليمة تماماً وآخر لا أستطيع فيه الحركة من مكانى، وفى كثير من الأحيان أعرج على قدمى ولم أعد أستطيع السير بطريقة طبيعية كما كنت سابقاً، الآلام لم تترك مفصلاً واحداً فى جسدى، وظهرى أيضاً يؤلمنى كثيراً».

«الشتاء هو الفصل الأصعب فى مرحلة المرض، لا تكف عن التأوه والبكاء، قلبى ينفطر أمامها فى كل مرة أراها تتألم ولا أملك من أمرى أو من أمرها شيئاً، اكتشفنا إصابة أمى بالمرض منذ 21 عاماً، كان عمرى حينها لم يتجاوز (7 أعوام)» تحكى «أسماء» التى رافقت رحلة مرض والدتها.

{long_qoute_3}

وتضيف «أسماء» (اسم مستعار استخدم حفاظاً على خصوصيتها لرفضها الكشف عن هويتها): «لم يكن أى منا على علم بطبيعة المرض القاتل، ولم نكن نعلم كيفية مواجهته من أجل تخفيف أعراضه أو حتى التعايش معه، لم نكن من ميسورى الحال، وهذه أزمة أخرى لم ندركها إلا فى وقت متأخر، طفنا مع والدتى معظم المستشفيات الحكومية التى تعاملت معظمها مع أمى على أنها (فأر تجارب)، أوهمها البعض بأنه سيساعدها على تلقى العلاج السليم، فنفاجأ بعد فترة أنه يجرب عليها دواء ما، أو يأتى ببعض الطلبة حولها يتحدثون بالإنجليزية التى لا نفهمها لدراسة حالتها، ثم يطالبونها بالانصراف دون أن يقدموا لها أى علاج».

وتستطرد: «كانت بحاجة لمرافق دائم إلى جانبها، فالمرض مع الوقت أثَّر على حركة يديها وتركها مشوهة، كما أثر على حركتها وأصبحت بحاجة إلى من يحملها أو يسندها خلال سيرها».

تغالب «أسماء» دموعها وتضيف: «أشعر أنى أيضاً مريضة وليست هى وحدها، منذ تفتح وعيى على الحياة وجدتها مريضة، لا أذكر أننا خرجنا معاً إلا لزيارة الطبيب أو المستشفى، أو لزيارة البلد التى كنا نزورها كل عامين أو 3 أعوام، حرمنى المرض من أمى، كما حرمها من أجمل سنوات شبابها».

وقالت «أمى تتنقل بين العيادات الصغيرة فى المنطقة الشعبية التى نسكنها، وبين المستشفيات الحكومية، لا أذكر أننا زرنا طبيباً اتفق مع سابقه أو لاحقه فى (روشتة العلاج)، كل طبيب منهم يكتب أدوية مختلفة، وبعد أن أرهقت المصاريف والدى، اضطررنا للجوء للتأمين الصحى، الذى ذقنا خلاله الويلات، فالأدوية لم تكن فعّالة، لم نكن نطمع فى شفاء والدتى».

وأكدت «مع الوقت أدركنا أن المرض مناعى، لكن كنا نطمع فقط فى استقرارها، وهو ما لم يتحقق للأسف، فالأدوية التى كانت أمى تحصل عليها من التأمين الصحى بعد جولة على مكاتب الأطباء لم تكن فعالة بالقدر الكافى للقضاء على المرض، والمعروف أن الدواء بعد فترة لا يأتى بالنتيجة المرجوة، والطبيب كان يكتب نفس العلاج لوالدتى منذ بدء العمل بقرار التأمين الصحى وحتى انتهائه، ما ساعد فى توحش المرض أكثر فى جسد والدتى».

وتتابع: «وزارة الصحة لم توفر لوالدتى طبيباً قادراً على تشخيص المرض بشكل سليم، كما أنها لم تصرف عليها ما يكفى لعلاجها تحت مظلة التأمين الصحى، وأرهقتها فى طوابير صرف الدواء، وأرهقتها فى جلسات العلاج الطبيعى التى لم تأت بأى نتيجة، أعتقد أننا لو كنا أغنياء بما يكفى لعلاج أمى على نفقتنا الخاصة، لما تدهورت حالتها الصحية بعد إصابتها بالروماتويد، حتى وصلت للمرحلة الأخطر، وهى (سكليرو ديريميا) أو (تيبس فى الجلد)، وهو الذى حوَّل يدها لقطعة جامدة تشبه الخشب، ولا تتحرك».

وتؤكد «كما أصاب المرض مع الوقت عينيها، حيث أصيبت بجفاف فى العين، أدى لقرحة فى القرنية، فقدت على أثرها البصر فى إحدى عينيها، كما كانت دائمة الشكوى من التهابات الأذن الحادة التى كانت تدفعها للصراخ، إضافة إلى أنها فقدت أسنانها سريعاً بعد توحش المرض فى فترة قصيرة».

«أزمة الروماتويد أنه مرض لا يلازم من أصابه فقط، لكنه أيضاً يلازم مرافقيه، ويترك بصماته فى ألم نفسى شديد، تسببه حالة المريض التى تتدهور مع الوقت، إذا لم يكن قادراً على الحصول على العلاج الصحيح»، تختم «أسماء» حديثها مع «الوطن» وتتجه لمرافقة والدتها.

الروماتويد

مرض مناعى يصيب المفاصل

أسبابه «عضو - نفسية» وهناك جانب وراثى

الوصفات الجديدة للمرض تُنشر كل 3 - 5 سنوات

ينشط المرض فى فصل الشتاء.. ويصيب المريض بـ«التيبس»

 

 

 

 


مواضيع متعلقة