«إذاعة القرآن».. من «التموين» إلى «الداخلية»

أذكر أننى علّقت، خلال فترة حكم الإخوان، على تورط محطة القرآن الكريم فى التسويق السياسى لمسئولى الدولة، وذلك بمناسبة حلقة استمعت إليها تحتفى بأداء وزير التموين حينذاك. أنكرت على «القرآن الكريم» يومئذ ما فعلت، وقلت إن هذه الإذاعة مخصصة لتلاوة القرآن ولبرامج تهتم بعلوم القرآن والحديث والسيرة النبوية العطرة، وإن أغلب من يحرصون على الاستماع إليها يبغون الاستماع إلى خطاب إسلامى وسطى معتدل يبصّرهم بأمور دينهم. ولم أجد داعياً وقتها لأن تقحم الإذاعة الشهيرة نفسها فى دنيا السياسة، لأنها معنية بالدين، وثمة اتفاق على رفض الخلط بين الدين والسياسة، ولأنها إذاعة تتوجه إلى كل المصريين فيما يتفقون عليه من ضرورة التفقه فى أمور دينهم، أما أمور السياسة فمحلها محطات وخدمات أخرى تملكها الإذاعة.

كنت أستمع إلى محطة القرآن الكريم مساء الأربعاء الماضى، حين بثت برنامجاً عنوانه «فى موكب الدعاة» تتصدره الآية الكريمة: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، بصوت الشيخ «كامل يوسف البهتيمى»، تفاجأت بالمذيع يقدم للمستمعين موضوع الحلقة: «دور الدعاة فى تعزيز العلاقة بين الشعب والشرطة»!. لست أقلل بالطبع من أهمية الموضوع، وأستطيع أن أفهم الدور الذى يمكن أن تقوم به البرامج الإذاعية فى تعزيز العلاقة بين الشعب والشرطة. فجهاز الشرطة جزء من الشعب، ولابد أن تكون علاقة الشعب به قويمة، وعلاقة الجهاز بالمواطنين سليمة، لكننى أسأل: هل من المنطقى أن تكون إذاعة القرآن الكريم نافذة لمثل هذا البرنامج؟ فى ظنى أن من الوارد جداً أن يبث هذا البرنامج وما يشابهه على البرنامج العام، أو الشرق الأوسط، أو غيرهما من الخدمات الإذاعية، لكننى بصراحة لا أجد له محلاً من الإعراب على خريطة «القرآن الكريم».

فلنا أن نتخيل موقف من كان يعتب على جماعة الإخوان توظيفها لهذه الخدمة فى التسويق لأحد المسئولين أو فى خدمة أهداف سياسية معينة حين يجد أن محطة القرآن الكريم توظف بالطريقة نفسها بعد رحيل الإخوان، فتسخّر برامجها لتحقيق غايات معينة، لست أقلل من أهميتها، لكنها تعكس حالة من حالات فوضى إقحام الدين فى المسائل السياسية. وقد كتبت لك غير مرة أن هذا الشرَك لا بد أن نخرج منه، لأنه يسىء إلى الدين، حين يجعله البعض أداة لتحقيق أهداف سياسية، كما أنه يضر بالسياسة، ولا يعلّم المواطن أن جوهرها الأداء الناجح، وليس الشعارات الزاعقة.

أهيب بمعد ومقدم البرنامج أن يتأملا معى الآية الكريمة التى نستمع إليها فى تتر البداية، آية: «ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله». وهى تحمل معنى ودلالة واضحة على أن الدعوة لا بد أن يكون هدفها المولى عز وجل، وليس خدمة شخص أو جهة، وأنها عمل خالص لوجه الله، وليس لوجه غيره. الدعوة هى جوهر وظيفة الأنبياء فى التاريخ البشرى، وأنبياء الله جميعاً لم يدافع أى منهم عن نظام أو حاكم أو طريقة فى الحكم. من واجب الإذاعة أن تلعب دوراً فى تعزيز علاقة المواطن بمؤسسات الدولة، بشرط أن يتم ذلك بعيداً عن إذاعة القرآن الكريم.. هذا حقنا كمستمعين لها.