خذوا العمل ولو من الصين

سهير جودة

سهير جودة

كاتب صحفي

لماذا تبدو المسافات شاسعة بين الطموح والتحقق وبين الإرادة والتنفيذ؟ نمتلك طموحات شاهقة تلازمها خيبات شاهقة أيضاً. لماذا تقف النوايا السليمة التى لا شك فيها من جانب الدولة عاجزة عن التحقق؟ لماذا تتوقف الاتجاهات الصحيحة والوطنية والجهود الكبيرة التى لا شك فيها أيضاً عند مراحل الفعل وبالتالى لا تأتى الإضافة ولا يفرض التغيير نفسه فنمضى نحو الأفضل بالنسبة للاقتصاد خاصة وبالنسبة لحالة المجتمع عامة؟ لماذا لا يشعر المواطن ولا يلمس كل هذه النوايا والجهود وإذا لمسها فالتحسن إما بطىء جداً أو متعسر؟

لماذا؟! تساؤل يبقى أكبر من مجرد علامة استفهام وعلامة تعجب. هل ندرك أن كل مشكلة من المشكلات الأساسية الكبرى مثل البطالة وما يرتبط بها من ضرورة رفع الدخل والتعليم والصحة والعلاج ليس لها خريطة واضحة ومعلنة تتحدث فيها الدقة عن نفسها والشعب أول من يعلم بها، فلا يوجد علاج غيابى والخطوة الصحيحة لعلاج المرض هى التشخيص الدقيق وإعلام المريض وإعلانه بكل التفاصيل والمخاطر ومراحل العلاج والوقت والمضاعفات، وجزء أساسى من مشكلاتنا وأزماتنا الكبرى أنها ربما كانت معلومة بدقة تفاصيلها وحجمها الحقيقى للإدارة السياسية وللحكومة ولكنها ليست معلومة بهذه التفاصيل بالنسبة للناس والاعتراف بالمرض والتوقف أمامه ومواجهته بإعلان الحرب عليه. ثقافة الإرادة لا بد من تعميمها، فلتعلن الدولة أننا فى حرب مع البطالة وتعلن الأسلحة والاحتياجات اللازمة بكل تنويعاتها وتفاصيلها وتحدد أدوات الانتصار، وأنها حرب ليس لنا خيار آخر فيها سوى النصر، وبالتالى لا بد من حشد طاقات الناس، فهم الجيش الحقيقى وهم أصحاب المصلحة الأولى فى الانتصار، وبالتالى لا بد من خلق الطاقة والدوافع لدى الناس ويعرف كل فرد دوره، ويعرف ماذا سيعود عليه.

وعلى الدولة أن تعلن مسارات واضحة ومقنعة بالنسبة للناس، ونقطة أخرى تسقط سهواً دائماً وهى أن كل الجهود والخطط التى تختص بمشكلة معينة لا بد أن تكون مجمعة ومتسعة ومتكاملة، فالواقع يؤكد أن المجهودات تُحشد لمشكلة ما متناثرة أو غير مرتبة ولا تجمعها مظلة واحدة، وبالتالى لا بد أن توجد جهة إدارية عليا لكل مشكلة ترى كل الجهود وتنسق بينها، وتكون هذه الجهة منزوعة الروتين والبطء والفكر القديم، فتتضاعف النتائج الإيجابية وتمنع الإهدار ونقيس على ذلك باقى قائمة المشاكل والتحديات الكبيرة، فأغلب الناس لا ترى الصورة كاملة بوضوح أو ترى أجزاء غائمة دون إدراك، ونحن فى اللحظة التى يجب أن يتم فيها التحول إلى نتائج إيجابية ملموسة وتغيير فى طبيعة الحياة للأفضل حتى لا تحدث تلك النتائج، فلا بد أن تدرك الدولة أن أهم الأولويات الاقتصادية فى هذه المرحلة هى المشروعات المتوسطة والصغيرة، فهى الحل والعلاج الرئيسى لمشكلة البطالة، وهى التى سترفع مستوى الدخول وتأتى بنتائج واضحة فارقة، والدول التى اتخذت هذا المسار أصبحت الآن اقتصاديات كبرى (الهند وكوريا والصين) نماذج تُحتذى

ولكن لا بد أن تكون هذه المشروعات بمنهجية وعلم بعيداً عن القروض العشوائية والمشروعات العشوائية الاستهلاكية التى تضر كثيراً ونفعها لحظى وقصير. إذا قررت الدولة أن يكون أحد مشروعاتها مثلاً المنافسة والتصدير لصناعة الملابس فلا بد أن تدرس الموقع الجغرافى والخبرات التى تمثلها والبنية الأساسية والأيدى العاملة، الدول التى تفكر بعلم ومنهج يتعافى اقتصادها ويشتد وتصبح قوة به، وفى المشروعات الصغيرة والمتوسطة خذوا العلم من الثلاثى كوريا والهند والصين تحديداً، فالمشروعات الصغيرة قادرة على أن تجعل المدن والقرى الصغيرة مصانع منتجة ومؤثرة، فهناك تفاصيل صغيرة فى صناعة الملابس مثلاً ولكنها بالغة الأهمية وتأتى بربح كبير، لا بد ألا تترك الدولة الناس لفضاء عقولها وأهوائها فى إقامة المشروعات الصغيرة، فالصين مثلاً غزت العالم بالصناعات الإلكترونية والسيارات والملابس والأثاث وغيرها ولكنها تمتلك صناعات صغيرة مثل فوانيس رمضان، وهم لا يعرفون الإسلام ولكنهم يعرفون العمل والربح، والمؤكد أن هذه المصانع ليست الضخمة والأضخم وإنما هى مشروعات صغيرة.

فى الصين الجميع يعمل أياً كان مستوى تعليمه أو قدرته أو عمره أو موقعه الجغرافى، فى مصر يمكننا تطبيق هذه التجربة عندما تكون هناك رؤية ومشروعات وأهداف ونستطيع أن نرفع شعار: «اعمل من بيتك»، هناك شىء ما لكل شخص يمكن أن يفعله بشكل تنفيذى جيد، ويمكن أن نكتشف وقتها مبدعين وليس منفذين فقط، فهل نأخذ علم العمل من الصين؟