«فوة».. الأسماك النافقة على أبواب محطة الشرب.. والأهالى: المياه لا تطاق

كتب: عبدالفتاح فرج

«فوة».. الأسماك النافقة على أبواب محطة الشرب.. والأهالى: المياه لا تطاق

«فوة».. الأسماك النافقة على أبواب محطة الشرب.. والأهالى: المياه لا تطاق

صفحة بيضاء تعكس لون السماء الفاتح، تسر الناظرين من أعلى، لكنها تسوءهم بمجرد الاقتراب منها فى الأسفل، إذ تنبعث منها روائح كريهة تزكم الأنوف وتجبر الزائرين على الهرب من المكان، الأسماك النافقة التى انتشلتها فرق الإنقاذ النهرى من المياه تم إلقاؤها على جوانب فرع رشيد فى مدينة فوة بمحافظة كفر الشيخ، وسط الأكياس البلاستيكية والقمامة المنتشرة بطول الكورنيش بمدينة فوه بجوار المياه.

{long_qoute_1}

رغم مرور أكثر من أسبوع على نفوق أطنان الأسماك داخل الأقفاص السمكية، فإن الكثير من تلك الأسماك «السامة» لا تزال عالقة فى المياه وتطفو على السطح، بعد أن استقرت بجوار مراكب الصيد الراسية أو البواخر النيلية السياحية، ولم يتم انتشالها وتطهير المياه منها، والكارثة ماثلة فى وجود هذه الأسماك النافقة على بوابات مأخذ محطة مياه شرب «فوة» جنوب المدينة، يعانى فرع نهر النيل بفوة من انتشار الأقفاص السمكية، وهو ما يتسبب فى زيادة تلوث مياه النيل، ورغم إزالة شرطة المسطحات المائية وقوات الجيش للعديد من الأقفاص بفرع رشيد فإن بعضها لا يزال موجوداً فى المياه. رضا عوض، 46 سنة، ورث مهنة الصيد عن أبيه ويعمل بها منذ أن كان صبياً صغيراً، فرغ لتوه من رحلة صيده اليومية التى بدأها مع أذان صلاة الفجر، وأنهاها فى تمام الحادية عشرة صباحاً، وأمسك بسمكتين «بلطى» من 5 سمكات استطاع صيدها من مياه النيل التى نفقت فيها الأسماك، يقول بنبرة منخفضة «نزلت الميه بعد صلاة الفجر وربنا رزقنى بشوية السمك دول، ولو عرفت أبيعهم مش هيجيبوا أكتر من 10 جنيه، الناس خايفة تاكل سمك من النيل».

يتحدث عن الأقفاص السمكية التى ينفق بداخلها أطنان الأسماك بشكل مستمر: «احنا بنسميها صناديق، وهى عبارة عن قوائم خشبية مُثبت بها غزل من الجهات الأربع، وعائمة على سطح الميه عن طريق جراكن فارغة، وتتفاوت أحجامها حسب قدرة كل صياد، وقد يصل طول الصندوق أحياناً إلى 15 متراً فى 10 أمتار، ويتم وضع ذريعة سمك السنفر بمقدار 10 آلاف ذريعة أو أقل، وتترك لمدة عام كامل حتى يصل وزن السمكة الواحدة إلى أكثر من كيلو جرام أو 2 كيلو جرام، ويباع الكيلو الواحد بـ2.5 جنيه، لتجار كبار يوردونها إلى سوق العبور فى القاهرة أو لمحافظات الصعيد، لأنها لا تباع فى محافظات الوجه البحرى أو فى كفر الشيخ لأنها سمكة غير محببة لسكان هذه المدن، ولا يحبون تناولها بسبب وجود «سفا» كثيف ويفضلون البورى والبلطى عنها بجانب أسماك البحر المالح».

{long_qoute_2}

«عوض» يؤكد أنه لا تتم تغذية هذه الأسماك بأى شىء، بل هى تتغذى على الهوام والريم الموجود بالمياه، والحكومة هى التى أطلقتها فى النيل منذ سنوات للقضاء على التلوث فى النيل، وهى تفلتر المياه كما كانوا يقولون.

يلتقط «محمد رشاد» أطراف الحديث من «عوض»: «الصياد هيعمل إيه يعنى، بيكافح عشان يعيش وبيشتغل شغلانة شريفة وكل الناس بتتهم الصيادين بالتسبب فى تلوث مياه النيل، وده كلام غير صحيح، الأقفاص السمكية مجنى عليها وليست جانية»، يشير «محمد» إلى أن تكلفة الصندوق الواحد تتراوح ما بين 3 آلاف إلى 5 آلاف جنيه: الصياد ممكن يستلف ويعمل له صندوق واحد على قده، لكن فيه تجار كبار ممكن يدوا للصياد 50 ألف جنيه ويقولوا له اعمل صناديق بالفلوس دى، والصناديق السمكية منتشرة فى محافظة كفر الشيخ، بداية من قرية السالمية فى الجنوب وحتى مدينة مطوبس فى الشمال».

وعن تصدى الدولة للأقفاص السمكية، يوضح «رشاد»: «فيه مهندسين وموظفين فى الرى بيديروا الموضوع ده بنفسهم، ولما بتيجى دورية بيبلغوا الصيادين، وبياخدوا مقابل مادى أمام هذه الخدمة، والموظف بياخد مننا 100 جنيه فى كل مرة بشرط إنهم ما يروحوش ناحية الصناديق، ويقوم بعض الصيادين الآخرين بإنزال الأقفاص للمياه حتى لا تظهر مع رفع الجراكن من أماكنها أثناء قيام الدوريات بعملها، ثم يقومون برفعها من جديد بعد انتهاء ورديات التفتيش، ولما السمك بيطلع بياخدوا نصيبهم برضه، وسمكة السنفر لحمها أبيض وطعمها حلو وتباع فى سوق العبور بسعر زهيد ويتم شراؤها من قبل تجار كبار، وتشفيتها من الشوك أو العظام، وبيعها على أنها سمك فيليه للمطاعم الكبرى والأسواق التجارية، ومع إضافة البهارات اللازمة لا يستطيع أحد تفرقتها عن باقى الأسماك أو أسماك البحر الأخرى».

يتابع «رشاد» أن 100 صياد يعملون تقريباً فى «فوة» برخصة، و100 مثلهم دون رخصة، لافتاً إلى أن معظمهم يعمل فى الأقفاص السمكية حتى يستطيع العيش ويفتح بيته: «لو اعتمد على السمك اللى طالع من النيل يبقى مش هياكل ولا هيشرب خالص لأن الرزق قل من النيل، والميه جاية ملوثة من مصانع كفر الزيات ومشروع الرهاوى، وتأثيرها يمتد إلى هنا ونشعر بالتلوث فقط فى فصل الشتاء مع السدة الشتوية، وانحصار مياه النيل وتوقفها عن الجريان، لكن فى فصل الصيف يكون الرزق أفضل حالاً والأسماك جيدة ولا تنفق.. احنا عارفين التلوث جاى منين لكن احنا غلابة مفيش حد فينا يقدر يعمل مظاهرة أو اعتصام عشان التلوث ممكن ياخدونا يحبسونا على طول، احنا عارفين ميعاد قدوم التلوث إلى فرع رشيد فى فوه زى ما قلت من مصانع كفر الزيات وعشان كده بنطّلع السمك قبل وصول هذه المياه السامة، لكن الناس اللى ما لحقتش تطلع السمك بتاعها من المياه قبل وصول هذه المياه هم الذين يتكبدون خسائر ضخمة ومجهود السنة راح عليهم». بدوى رجب، أحد سكان مدينة «فوة» يتهم الصيادين بالتسبب فى تلوث نهر النيل «فرع رشيد» أمام المدينة: «بيحطوا للسمك علف وعيش وكمان فراخ ميتة عشان يتغذى ويكبر، أُمال هيكبر لوحده؟ السمك بيكبر داخل القفص ومساحة القفص محدودة جداً، ولما الأعداد بتزيد الأوكسجين بيقل فى الميه عشان كده بيموت، لأنه محجوز فى مساحة صغيرة والدليل هو وجود أسماك حية أخرى فى النيل مثل البلطى». «المسئولون يشاركون الصيادين فى تلويث النيل، لأنهم لا يقومون بدورهم المنشود فى الرقابة ويتسامحون معهم ولا يزيلون الأقفاص من المياه، ويستعرضون عضلاتهم ليظهروا فى التليفزيون ويقولون احنا أزلنا كام قفص من النيل مع أن الصناديق دى بتقعد فى النيل سنة كاملة وهما عارفين أماكنها كويس ويقدروا يزيلوها تماماً لو عاوزين»، كذلك يوضح «رجب»: «مياه الشرب هنا لا تطاق وتسبب الفشل الكلوى وأمراض الجهاز الهضمى، ولا يعتمد عليها السكان فى الشرب، بنشترى مياه معدنية وفيه ناس تانية جايبة فلاتر، الميه بتنزل من الحنفية ريحتها وحشة جداً، وكمان كلنا عارفين إن مصدرها ملوث ولا تصلح للشرب، ما هى قدامنا وشايفينها ملوثة وعكرة حتى لو كانوا بيقولوا لنا احنا بنقيها ونطهرها».

مصطفى طايل، مدير مستشفى فوة المركزى، نفى بدوره وجود حالات فشل كلوى حادة بسبب مياه الشرب: يوجد 60 مريضاً بالفشل الكلوى ويغسلون فى المستشفى وأغلبهم كانوا مصابين بأمراض مزمنة تسبب الفشل الكلوى مثل السكر والضغط.

على بعد 3 كيلومترات جنوب مدينة فوة، توجد محطة مياه الشرب الرئيسية فى قرية منية الأشراف، وأمام المحطة يمتد مأخذ المحطة الرئيسى على نهر النيل، والمحطة تعمل حالياً بكامل طاقتها بعد توقفها عن العمل لمدة يومين فى أعقاب نفوق الأسماك، خوفاً من تأثير التلوث على المياه الواردة إلى المحطة، استطاعت «الوطن» دخول حرم المحطة والتقاط بعض الصور لمأخذ المحطة الرئيسى على نهر النيل، رغم تهديدات الموظفين، ولاحظنا تلوث المياه الواردة إلى المحطة، وتغير لونها إلى اللون الأسود، بجانب وجود بعض الأسماك النافقة أمام المأخذ تماماً.

يقول محمد فرج، أحد سكان قرية منية الأشراف: «محطة الشرب لا تبعد عن بيتى سوى أمتار قليلة، لكننا لا نشرب مياهها لأنها ملوثة.

 


مواضيع متعلقة