التنسيق بين تشغيل «النهضة» والسد العالى ضرورة.. وإثيوبيا لا تستطيع تسويق الكهرباء دون مصر والسودان

كتب: مكرم محمد أحمد

التنسيق بين تشغيل «النهضة» والسد العالى ضرورة.. وإثيوبيا لا تستطيع تسويق الكهرباء دون مصر والسودان

التنسيق بين تشغيل «النهضة» والسد العالى ضرورة.. وإثيوبيا لا تستطيع تسويق الكهرباء دون مصر والسودان

تحت عنوان «سد النهضة وآثاره المحتملة على التعاون الإقليمى فى التنمية الاقتصادية لدول حوض النيل» صدر أخيراً تقرير علمى مهم عن معهد «ماساتشوتسى» كبرى الجامعات التكنولوجية الأمريكية، شارك فى وضعه مجموعة من أهم العلماء والخبراء فى العالم المتخصصين فى اقتصاديات استخدام المياه وبناء السدود ومشاكل أحواض الأنهار المشتركة، ناقشوا على مدار يومين كل العناصر المتعلقة بسد النهضة والنزاع المثار بين الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، حول حقوق المياه لدولتَى المصب، وتعميمات بناء السد ومدى سلامته، وعملية ملء خزان السد وتشغيله والآثار المترتبة على تشغيله على مصر والسودان، وتناقضات المصالح بين الدول الثلاث وفرص التوفيق بينها فى وجود خزانين كبيرين على نهر النيل؛ السد العالى فى مصر دولة المصب، و«النهضة» فى إثيوبيا دولة المنبع، وهو وضع فريد لا يتكرر كثيراً فى أحواض الأنهار الدولية. {left_qoute_1}

وبرغم تأكيد التقرير الذى أعده خبراء دوليون على مستوى عال لا ينتمى أى منهم إلى الدول الثلاث إثيوبيا والسودان ومصر على حق إثيوبيا فى تنمية مصادرها المائية واستثمار المساقط المائية على النيل الأزرق فى توليد الكهرباء لصالح شعبها، جاء التقرير واضحاً فى تأكيده على ضرورة التعاون الوثيق والشفاف بين الدول الثلاث لضمان حسن الاستفادة من سد النهضة لصالح كل الأطراف فى إطار التزام الدولة الإثيوبية المعلن بأن بناء سد النهضة وتشغيله سوف يتم بما يضمن عدم الإضرار بمصالح دولتَى المصب، التزاماً بقواعد القانون الدولى وحقوق جميع الأطراف المتشاركة فى حوض النيل.

واستناداً إلى هذه الحقيقة الأساسية، انتهى تقرير المعهد إلى عدد من الحقائق المهمة، أولاها ضرورة التنسيق المشترك بين إدارة وتشغيل سد النهضة وإدارة سد أسوان العالى، بما ينسق بين مصالح إثيوبيا ومصالح دولتَى المصب دون الإضرار بأيهما، الأمر الذى يفرض بالضرورة وجود اتفاق لا غنى عنه يربط وينسق عمليات تشغيل السدين، ضماناً لوفاء الحكومة الإثيوبية بالتزامها بأن عملية بناء سد النهضة وتشغيله لن تُحدث ضرراً لأى من دولتَى المصب، سواء خلال مرحلة ملء خزان السد أو فى فترات الجفاف ومواسم الفيضانات المنخفضة ضماناً لتمرير احتياجات مصر والسودان المائية، خاصة خلال مواسم الفيضانات الضعيفة، الأمر الذى يتطلب مرونة برنامج ملء خزان سد النهضة وحسن المواءمة بين عملية الملء ومواسم الفيضانات المختلفة. {left_qoute_2}

كما يؤكد تقرير الخبراء الدوليين أهمية وجود اتفاق فنى ينظم تعارض المصالح بين مصر وإثيوبيا، خاصة أن مصر تعتمد فى 98 فى المائة من احتياجاتها المائية على مياه النيل لشح سقوط الأمطار على أراضيها وقلة حجم مخزونها من المياه الجوفية وحاجتها المؤكدة إلى ضمانات تحقيق تمرير احتياجاتها المائية على نحو منتظم، بينما تتمثل مصلحة إثيوبيا فى الإسراع بملء خزان سد النهضة فى أقصر وأسرع وقت لضمان حصولها على الحد الأقصى من إنتاج الكهرباء.

ثانياً: يؤكد تقرير الخبراء الدوليين، بعد دراسة المتاح من المعلومات حول خطة بناء السد ورسوماته الهندسية، الحاجة الماسة إلى مراجعة عملية بناء السد التكميلى الذى يقام على الطرف الشمالى الغربى من خزان سد النهضة، الذى يمتد طوله إلى عشرة كيلومترات ويرتفع إلى حدود 50 متراً ليجعل من بحيرة السد أكبر خزان مائى فى العالم، لأن من المحتمل مع امتداد طول السد التكملى إلى عشرة كيلومترات وجود نقاط ضعيفة تسمح بتسريب مياه الخزان بما يهدد أمن السد وسلامته ويشكل خطراً على دولتَى المصب خاصة السودان، فضلاً عن حاجة السد التكميلى لنظام مراقبة دقيق يضمن عدم التسريب ويواجه مخاطره على نحو مستمر وعاجل، وما لم يتم طمأنة السودان ومصر إلى سلامة بناء السد التكميلى ودقة مراقبته يبقى قلق البلدين عاملاً مؤثراً على فرص تعاون الدول الثلاث بشفافية كاملة، خاصة أن مخزون المياه فى بحيرة سد النهضة يفوق كثيراً احتياجات إثيوبيا.

ثالثاً: ثمة ضرورات أخرى تتعلق بمصالح إثيوبيا الاقتصادية وضخامة كلفة بناء السد تفرض على إثيوبيا حسن التعاون مع السودان ومصر، لأن إثيوبيا تمول عملية بناء السد الذى تتجاوز تكلفته 8 مليارات دولار اعتماداً على مصادر محلية، بعد أن تعذّر عليها إشراك المؤسسات المالية العالمية والمصارف الدولية فى عملية تمويل بناء السد التى تتطلب موافقة كل دول حوض النيل. ولأنه يدخل فى مصلحة إثيوبيا، فى ظل مواردها المحدودة، الإسراع بإنتاج الكهرباء لسداد هذه الكلفة الضخمة، يتحتم على إثيوبيا سرعة الوصول إلى اتفاق بين الدول الثلاث «إثيوبيا ومصر والسودان» يكون نواة لاتفاقية تجارية تساعد على بيع إنتاج السد من الكهرباء الذى يصل إلى حدود 15 ألف ميجاوات بقيمة تربو على مليار دولار فى العام إلى دول الجوار الأفريقى عبر كينيا، وإلى دول الشمال عبر السودان ومصر، فضلاً عن حاجة إثيوبيا الملحة إلى الإسراع فى عملية بناء شبكة من خطوط الضغط العالى تصل إلى كينيا، يستغرق بناؤها ثلاثة أعوام، وأخرى إلى السودان ومصر يستغرق بناؤها خمسة أعوام يصعب بدء العمل فى بنائها فى غيبة تعاون وثيق بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان، بما يؤكد أن المفاوض المصرى يملك أوراق قوة عديدة تفرض توازن المصالح بين إثيوبيا دولة المنبع والسودان ومصر دولتَى المصب.

رابعاً: يشدد تقرير المعهد الأمريكى على ضرورة إعادة النظر فى فتحات السد بما يضمن تمرير احتياجات مصر والسودان المائية، ويعطى مفيضاً يساعد على خفض منسوب البحيرة فى حالات الطوارئ، خاصة أن فتحات توربينات السد لا تسمح بمرور المياه إلا فى حالات التشغيل.

خامساً: يؤكد التقرير، فى توصية واضحة ومباشرة، الحاجة الملحة إلى إجراء دراسات تفصيلية حول مخاطر سد النهضة بملوحة آلاف الأفدنة فى شمال الدلتا المصرية وبضع مئات فى أرض السودان، رغم أن السد سوف يقى السودان من غائلة الفيضانات المرتفعة وينظم جريان المياه فى النيل الأزرق عند مروره بالسودان بما يجعله صالحاً للملاحة، لكن السد التكميلى يمثل خطورة مؤكدة على سلامة السودان ما لم يتم معالجة المناطق الطينية على امتداده الذى يطول إلى عشرة كيلومترات.

بقى أن نقول أخيراً إن التقرير المهم الذى تنشر «الوطن» نصه الكامل شارك فى وضعه أربعة من أكبر خبراء العالم هم «تانيوس باسيون» من جنوب أفريقيا ويُعتبر أكبر الخبراء الدوليين فى تنمية الموارد المائية، و«آلان باتس»، بريطانى متخصص فى بناء السدود، و«دون بلاك مور»، أسترالى خبرة 40 عاماً فى مشاكل الأنهار الدولية المشتركة، و«بول بلاك»، أستاذ فى جامعة ويسكنسون الأمريكية وأحد أهم خبراء المناخ فى العالم.

 


مواضيع متعلقة