الإرهابيون يتقاسمون ليبيا ويتوعدون مصر

حسن أبوطالب

حسن أبوطالب

كاتب صحفي

نشرت جريدة الشرق الأوسط الصادرة فى لندن يوم الاثنين الماضى تقريراً مهماً وخطيراً فى آن واحد حول بعض ما جاء فى وثائق ليبية تخص العلاقات التعاونية المتصاعدة بين ثلاثة تنظيمات إرهابية تعمل فى ليبيا، أولها جماعة الإخوان «التنظيم الدولى»، وثانيها «داعش» وثالثها الجماعة المقاتلة الموالية لتنظيم القاعدة. ومما جاء فى هذا التقرير ثلاثة أمور ينبغى النظر إليها بكل حرص، أولها أن هناك اتفاقاً تم بين الأطراف الإرهابية الثلاثة على تقسيم مناطق النفوذ بينها تمهيداً للإطاحة باتفاق الصخيرات الذى وضع أساساً سياسياً وسلمياً لأزمة ليبيا، وبحيث يبقى داعش فى سرت ويتمدد شرقاً فى اتجاه مصر، وأن يتم الاندماج بين الجماعة المقاتلة، أى القاعدة، والإخوان ويسيطران على طرابلس وفى اتجاه الغرب ناحية الجزائر وتونس، على أن يتم تشكيل مجلس شورى بينهم لتنسيق العمليات المشتركة وموافقة الجميع عليها قبل القيام بها لا سيما خارج الأراضى الليبية وتحديداً فى مصر والجزائر وتونس وتشاد.

وثانيها أن هناك بداية تنسيق بين جماعة الإخوان الليبية والجماعة المقاتلة للقيام بعمليات إرهابية فى مصر وتحديداً فى القاهرة والإسكندرية باعتبارهما مدينتين تشكلان مركزين مهمين اقتصادياً ومن شأن القيام بعمليات فيهما أن يؤثر سلباً على الحالة الاقتصادية ويُبعد الاستثمارات عن مصر. وثالثها أن هناك اتصالات شبه دورية أو منتظمة بين أجهزة أمريكية وبين هذه الجماعات، وأن قوة الجماعة وأهميتها تزيدان مع استمرار هذه الاتصالات، ولكن هناك شكوى من تراجُع حجم هذه الاتصالات مؤخراً وهو ما يجب جذبه مرة أخرى عبر القيام بعمليات إرهابية كبيرة فى مصر تثبت أهمية هذه الجماعات فى توجيه ضربات موجعة لنظام الرئيس السيسى.

وفى التقرير اعترافات من قبَل قيادات القاعدة والإخوان الإرهابيتين بأن الإجراءات العسكرية المصرية فى سيناء أدت إلى التضييق الشديد على عملائهم فى غزة ورفح والشيخ زويد، وبالتالى قلت العمليات هناك، وهو ما يجب تعويضه حسب رؤيتهم الإرهابية من خلال فتح ثغرات فى الحدود المصرية الليبية لتمرير أفراد وأسلحة وخلافه إلى المدن المصرية الكبرى.

معنى ما سبق واضح ولا يحتاج أدنى جهد فى استخلاص معانيه التى سبق لكثيرين، ومن بينهم كاتب هذا المقال، أن أكدوا عليها مراراً، وهى أن ليبيا أصبحت فى ظل الفوضى القائمة فيها مصدر تهديد مباشر لدول الجوار جميعاً وليس فقط مصر، وإن كانت تستحوذ على اهتمام خاص من جماعات الإرهاب فيها، الأمر الذى يستدعى إجراءات ذات طبيعة خاصة جداً سواء فى مناطق الحدود المشتركة أو ما وراءها، كما يتطلب أيضاً من مصر القيام بمساع أكثر جدية مع كل من الجزائر وتونس والمغرب لمواجهة الخطر المتصاعد فى ليبيا رغم اتفاق المصالحة الأخير. ونلاحظ هنا أن الجزائر قد تواصلت مع المغرب من أجل اتخاذ إجراءات لوقف انتقال المغاربة إلى ليبيا عبر الجزائر، وبالطبع فإن هؤلاء لا يذهبون إلى ليبيا من أجل السياحة أو الدراسة أو الاستثمار والإعمار، بل من أجل الانضمام إلى جماعات الإرهاب العاملة هناك، وللتدريب على القتال والعمليات الانتحارية والعنف، وغالباً ما سيعودون إلى مواطنهم الأصلية ليعيثوا فيها فساداً وتخريباً. والأمر على هذا النحو يتطلب رؤية جماعية لمواجهة هذا الخطر المقبل من ليبيا، وأتصور أن الجزائر فى ضوء ما تعانيه الآن من تحول جزء من أراضيها إلى معبر لمجموعات مغربية مشكوك فى وقوعها فى براثن التطرف والإرهاب تكون مؤهلة أكثر لتعاون أكبر مع مصر يتعدى مجرد تبادل المعلومات أو تبادل الرأى حول المخاطر المشتركة. وحسب ما أكده التقرير الصحفى المشار إليه فإن جماعات الإرهاب الموجودة فى الأراضى الليبية تخطط للإضرار بدول الجوار من أجل استعطاف الدعم الأمريكى. ولا يصح الانتظار بينما هؤلاء الإرهابيون يواصلون تحركاتهم وتهديداتهم دون خوف أو قلق من رد فعل.

وثمة أمران جديران بالملاحظة، الأول أن العلاقة بين الإخوان وداعش والقاعدة هى علاقة تكاملية وتعاونية وليست صراعية كما يحاول البعض أن يثبت وجود فروق كبرى بين الإخوان وغيرها من جماعات الإرهاب والعنف الأخرى، وأن فكرة وجود جماعات ترفع الإسلام كشعار تتصف بالاعتدال وأخرى تتصف بالتطرف هى محض خرافة، فالجميع ينهلون من بئر فكرية واحدة وهدفهم واحد وهو السيطرة على الحكومات وشئون البلاد حتى وإن اختلفت بعض التفاصيل فى ممارسة العنف والإرهاب. ونشير هنا إلى ما اكتشفته لجنة التحفظ على أموال جماعة الإخوان فى مصر من خلال وثائق بالجماعة وُجدت فى مقر المرشد، حيث هناك مخطط شامل للسيطرة على مفاصل الدولة المصرية كالقضاء خاصة المحكمة الدستورية العليا والمؤسسات الأمنية المختلفة والإعلام، بل وتشكيل أجهزة أمنية بعيداً عن سلطة الدولة بالتعاون مع إيران كما هو الحال بالنسبة للحرس الثورى الإيرانى الذى يأتمر بالمرشد الأعلى.

ومعروف أن التفرقة بين جماعات إسلامية معتدلة وأخرى متطرفة ومتشددة هى فكرة أمريكية فى الأساس وُلدت فى دراسة أجراها مركز أبحاث راند لصالح الجيش الأمريكى قبل نحو عقد من الزمن وأصبحت أسلوب عمل للإدارة الأمريكية لاحقاً، خاصة فى عهد الرئيس الحالى أوباما، وتم بها تبرير وجود اتصالات ودعم لجماعة الإخوان المسلمين حتى تصل إلى السلطة فى عدد من الدول العربية وأبرزها وأهمها مصر.

وهو ما يقودنا إلى الأمر الثانى المتعلق بالاتصالات الأمريكية مع هذه الجماعات المتطرفة فى ليبيا، والتى تمنحهم شعوراً بالأهمية وبأنهم مدعومون برعاية أمريكية خاصة تفرض عليهم القيام بعمليات نوعية ضد أعداء للولايات المتحدة، ومنها مصر التى يراها الإخوان عدوة لأمريكا وأن ضربها هو بمثابة تقرب لواشنطن التى يجب حتماً أن ترد الجميل بالمزيد من المساعدات والرعاية والتنسيق المشترك. والأمر هنا يتطلب تفسيراً، ولو كنت مسئولاً ولدىّ مثل هذه المعلومات لوجب استدعاء السفير الأمريكى وتوجيه أسئلة لحكومته حول هذه الاتصالات وما وراءها وحقيقة رعايتهم لكل من داعش والقاعدة والإخوان لضرب مصر. وقد يرى أحدهم أن هذه الاتصالات هى أداء وسلوك عادى بين أجهزة أمنية أمريكية وجماعات تعمل فى مناطق نفوذ أمريكى منذ سنوات طويلة والهدف منها جمع المعلومات وتوظيفها لحماية المصالح الأمريكية. وهو تبرير إن وجد فإنه يدل على أن هناك مؤسسات أمريكية ما زالت مؤمنة بفكرة الفوضى كآلية لتدمير هذه المنطقة وتخريب الدول التى ما زالت فى حال تماسك نسبى يسمح لها بمواجهة جماعات الإرهاب على اختلاف أنواعها.