رداً على شبهة (بيننا وبينكم صناديق الانتخاب)

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

شاع هذه الأيام قول البعض: (بيننا وبينكم صناديق الانتخاب، والشعب له الحكم). وهذه العبارة فيها من الخداع ما يلزم بيانه: 1- الدستور يمثل وثيقة للأمة, يختلف عن التصويت فى المحليات أو البرلمانات، فالأصل فيه التوافق وليس الأغلبية. 2- أن الحكم على قبول الدساتير يكون من «النخبة» وليس «الكتلة»، فالنخبة بما فيها من متخصصين هم المرجعية، ثم يكون التصويت فى حالتنا ليس إلا إجراء شكلياً مكملاً.. لماذا؟ 3- لأن المشكلة لا تتمثل فى (قراءة) الناس للدستور، بل فى (فهمهم) له، وانتشار مسودات الدستور فى يد الجميع يتيح (القراءة) ولا يتيح (الفهم)، أضف إلى هذا أن مصر تحتل المرتبة السابعة بين أسوأ عشر دول فى العالم فى نسبة الأمية، فعندنا أكثر من 16 مليون مواطن لا يجيدون القراءة والكتابة أصلاً، وكل مائة مواطن فى المنيا بينهم 38 أمياً، وكل مائة مواطن فى سوهاج بينهم 36 أمياً، وكل مائة مواطن فى بنى سويف بينهم 35 أمياً. 4- الاستفتاء الشهير الذى صوت فيه معظم المصريين بـ(نعم) لهو أكبر دليل على ما أقول، حيث لم يلاحظ ملايين المصريين أن هناك مادة صوتوا عليها تحصن اللجنة الانتخابية من الطعن إلا بعد عدة شهور يوم تم استبعاد حازم أبوإسماعيل من الترشح للرئاسة. 5- إذا كان واحد فى مقام هيكل يعترف بعد قراءته للدستور أن فيه مواد استلزمت منه الاتصال بخبراء ليزيل ما استشكل لديه، وواحد كمعتز عبدالفتاح يعترف أنه لا يستطيع بمفرده أن يصدر حكماً بنعم أو لا إلا بعد استشارة قانونيين يثق فيهم، فما بالنا بمعظم الشعب المصرى فى الأرياف والنجوع. 6- رأى معظم الشعب معتبر لو كان الأمر متعلقاً بالأسعار والغلاء والمرتبات والأزمات اليومية، وأما الحكم على الدساتير فهذا علم وتخصص. 7- التصويت على الدستور فى الحالة المصرية لن يكون بالنظر إلى ذات الدستور، بل ستتحكم فيه عوامل أخرى بعيدة عن مواد الدستور نفسها، منها: 8 - أن التصويت بـ(نعم) يفضى إلى الاستقرار، وبـ(لا) إلى إطالة الفترة الانتقالية، فرجحت كفة (نعم). 9- معظم استفتاءات العالم تصوت بنعم إذا كان الخيار بين نعم ولا. 10- عدم انسحاب الأزهر من التأسيسية يُفهم منه ضمنياً الدعوة للتصويت بنعم، خاصة مع عاطفة المصريين الجياشة نحو الأزهر الشريف. 11- الذى يصوت بنعم لا يحتاج مزيد بحث وتدقيق، فالأصل عنده أننا فى حاجة لدستور، وأما الذى يصوت بلا فمطلوب منه أن يكون على دراية قانونية ودستورية ونقابية وسياسية وعلمية، وهذا متوافر فى القلة من الناخبين. 12- أن الاستفتاء بنعم يُفهم منه انتصار للإسلاميين، بل للإسلام نفسه عند البعض، ومن ثم سيكون الحشد أيديولوجياً بحتاً لا علاقة له بمواد الدستور. 13- أن معظم الناخبين انتووا التصويت قبل الاطلاع على الدستور، وأن 6% على الأكثر هم الذين سيطلعون على المسودة بصورة مجردة دون موقف مسبق، ثم يقررون رأيهم من أنفسهم. 14- فى مجتمع متدين يعانى الأمية ستكون الغلبة حتماً لمن يستخدم الدين والمساجد فى الحشد. 15- كما أن الانتخاب وحده لا يوفر ممارسة الديمقراطية، بل هناك ديمقراطية حقيقية وديمقراطية شكلية، ولى صديق دائماً ما يقول: هناك فرق بين «الديمقراطية الصندوقية» و«الديمقراطية الشعبية». وأخيراً فإن جزءاً كبيراً من الفوضى فيما يخص الدستور يتحمله المنسحبون، لانسحابهم آخر الوقت، مما يثير شكوكاً حول هذا التصرف.