# 25_ خساير _ الانفلات الأمنى

كتب: محمد سيف

# 25_ خساير _ الانفلات الأمنى

# 25_ خساير _ الانفلات الأمنى

بعد أن هدأت مظاهر الفرح العارم بسقوط نظام «مبارك» فى أعقاب 11 فبراير 2011، بدأت الظواهر السلبية تبرز وتتحكم فى المجتمع، وكان فى مقدمتها «الانفلات الأمنى» وانتشار الجريمة المنظمة وتكوين 3 آلاف عصابة مسلحة، وهروب 23 ألف سجين جنائى، واقتحام وحرق عدد كبير من السجون وأقسام ومراكز الشرطة ونهب عدد كبير من الأسلحة النارية. {left_qoute_1}

الإحصائيات الصادرة عن مصلحة الأمن العام فى وزارة الداخلية عام 2011 أكدت أن الجرائم تزايدت بنسبة 200 فى المائة مقارنة بمثيلاتها فى عام 2010 خاصة جرائم «القتل والاغتصاب وخطف أطفال والمقايضة على حياتهم مقابل المال والسرقات بالإكراه تحت تهديد السلاح نهاراً وليلاً، وسرقة المنازل والمحال التجارية والآثار، وتجارة المخدرات، وحرق منازل ومزارع»، وأن جرائم القتل بلغت 530 حادثاً تنوعت أساليب ووسائل القتل ما بين السلاح النارى والسلاح الأبيض، و973 جريمة سرقة محال تجارية، إما باقتحامها باستخدام السلاح أو باستخدام مفاتيح مقلدة، و25 جريمة خطف واغتصاب، و804 جرائم سرقة منازل، و512 جريمة حرق منازل، و1170 جريمة سرقة بالإكراه، أو تحت تهديد السلاح، و811 سرقة سيارة، و99 جريمة إحراق أقسام شرطة.

وكشفت الإحصائية عن انتشار الجرائم الخطرة، أثناء اشتعال الثورة، خلال الثلث الأول من «فبراير»، وبعد انتصارها، وتمكنها من الإطاحة بنظام «مبارك» أثناء الثلثين الأخيرين من «فبراير»، إضافة لشهر مارس، وزادت خلال شهر أبريل 2011 بنحو 300% مقارنة بالشهر نفسه من العام 2010، بسبب غياب الشرطة، أو تقاعس بعض الضباط عن أداء واجبهم، بسبب تعرض قيادات وزملاء لهم للمحاكمة فى قضية قتل المتظاهرين، لاسيما أنهم يعتقدون أن زملاءهم كانوا يؤدون واجبهم فى الدفاع عن أقسام الشرطة وحفظ الأمن فى البلاد، إضافة لنظرة بعض المواطنين ووسائل الإعلام لرجال الشرطة على أنهم خونة ومتخاذلون، أصابتهم بالإحباط والاكتئاب.

الشرارة الأولى للانفلات كانت يوم 28 يناير المعروف بـ«جمعة الغضب»، بحدوث اقتحام لـ35 فى المائة من الأقسام والمراكز ونهب وسرقة آلاف الأسلحة النارية من الشرطة سواء الأميرية، الخاصة بتسليح الشرطة، أو المضبوطة فى مخازن وزارة الداخلية، ولسوء الحظ واكب هذه الأحداث ثورة ليبيا والاضطرابات السياسية والعسكرية التى نتج عنها تهريب أعداد كبيرة للأسلحة من الصحراء الغربية التى يصعب تأمينها، وأيضاً إخلاء سبيل عدد من العناصر الخطرة التابعة للجماعات الإرهابية لانتهاء قانون الطوارئ.

كل هذه الأحداث كان لها تأثيرها على الشارع المصرى، وكانت دافعاً للعناصر الإجرامية الكامنة أو الموجودة على الساحة لممارسة نشاطها الإجرامى، مع وجود ورش تصنيع الأسلحة التى توفر الأسلحة بأسعار زهيدة لمرتكبى الجرائم، وواكب كل هذا تصاعد المطالب الفئوية وارتفاع سقفها إلى حد غير منطقى من المطالب، واتخذها البعض وسيلة لإهانة رموز الهيئة أو الوزارة التى يعملون فيها، فضلاً عن ثبات المشهد الاحتجاجى فى الشارع وما ينتج عنه من توقف بعض الطرق وقطع السكك الحديدية وهو ما يؤدى فى النهاية للشعور بعدم الأمان، دون أن ينفى ذلك وجود مطالب لفئات مظلومة لها مستحقات مشروعة ومن حقها قانونياً ودستورياً المطالبة بها بالطرق السلمية التى حددها القانون.

الصعوبات والمعوقات التى واجهت الأجهزة الأمنية فى السيطرة على الوضع المزرى آنذاك اكتشاف أن 65 فى المائة من الجرائم التى حدثت نفذها جناة لأول مرة، ليس لديهم سجل جنائى ولا توجد عنهم معلومات جنائية، حيث شاركت تلك العناصر الخطرة فى جرائم نهب وسطو مسلح على المحال التجارية الكبرى، إضافة لظهور عصابات منظمة لاختطاف الأطفال والأشخاص لمساومة أسرهم على مبالغ مالية كبيرة، أثبتت الإحصائيات اختطاف 856 مواطناً فى 2011 بمعدل عدد يتراوح بين 2 و3 كل يوم، بعدما اكتسب الخاطفون مزيداً من الخبرة، وتوفر عملياتهم وإتاواتهم، الإمكانيات التى تساعدهم على تطوير سلاحهم وتحديث طرق الاختطاف، فضلاً عن أنهم أصبحوا أكثر اهتماماً بخطف الأثرياء والقادرين والفنانين الذين يعتبرون الأسرع فى الاستجابة لابتزاز العصابة لإنقاذ أرواح ذويهم، وأشارت الإحصائيات إلى أن المتهمين ينفذون وعيدهم بقتل المخطوفين حال امتناع الأهالى وعجزهم عن دفع الفدية المطلوبة.

ومن أشهر حالات الاختطاف أيضاً، عندما خطف 3 ملثمين الدكتور أيمن النجار، أستاذ بقسم الحالات الحرجة بمستشفى قصر العينى، فاختطفوه وساوموا زوجته على مليون جنيه لإطلاق سراحه، إلا أنها تفاوضت معهم حتى وصل المبلغ إلى ١٠٠ ألف جنيه، لكن يبدو أن المتهمين لم يرضهم هذا المبلغ فقتلوا الضحية، وتركوا جثته بمدينة العاشر.

وفى مدينة الشيخ زايد جرى اختطاف نجل مدير بنك أثناء عودته من المدرسة، وتلقى اتصالاً هاتفياً من المتهمين باختطافه ومساومته على مبلغ ٥٠٠ ألف جنيه مقابل إعادته، وضبط المتهمين، وتبين أنهم 3 من الأعراب، وجرى إلقاء القبض عليهم، كما تعرض نجل لواء شرطة سابق فى مدينة ٦ أكتوبر للاختطاف أثناء عودته بسيارته الخاصة، إلا أن رجال البحث الجنائى تمكنوا من معرفة هوية المتهمين وإعادته وإلقاء القبض على الجناة، ومن أشهر حالات الخطف بهدف الفدية كان حادث خطف ابن الداعية الإسلامى محمد جبريل، طالب الجامعة، ودفع فدية ١٥٠ ألف جنيه لاسترداده، وفى الإسماعيلية عندما جرى خطف حماد موسى نائب رئيس نادى الإسماعيلى السابق وطلب فدية مليونى جنيه لإخلاء سبيله، وفى سوهاج تكرر اختطاف الأطباء، حيث تعمل عصابة فى اختطاف الأطباء لمساومة أسرهم على مبالغ مالية كبيرة، وأكثر الحالات اللافتة للنظر كانت فى مستشفى طما المركزى حينما جرى خطف ٦ أطباء الواحد تلو الآخر فى ليالٍ متفرقة خلال مجيئهم للمستشفى لاستلام نوبتجياتهم المسائية، وطلب الخاطفون فدية من مدير المستشفى، ثم نظم الأطباء إضراباً عن العمل لتصعيد الأمر من أجل حماية وتأمين أطباء المستشفى بعد تكرار هذه الحوادث، فضلاً عن حالات كثيرة أخرى، حتى تشكلت ظاهرة رصدها الخبراء بسبب غياب الأمن والانفلات الأخلاقى والفقر وزيادة البطالة.

ويقول اللواء رفعت عبدالحميد، الخبير الأمنى، إنه إذا كانت الثورة نجحت فى الإطاحة برأس النظام، فإنها أفرزت ظواهر سلبية بسبب غياب الدور الأمنى الأمثل، مضيفاً أن تلك الأمور لم تستمر طويلاً وسرعان ما عاد الأمن بعد استقرار الوضع السياسى بقرابة عام، وقلّت تلك الجرائم حيث كانت جرائم الخطف لا تتعدى 10٪ فى عالم الجريمة، وأنها زادت بشكل غريب عقب الثورة، ورغم أن رجال الأمن نجحوا فى إعادة ٧٠٪ من المختطفين لكن الجريمة لم تنته.

وتابع «عبدالحميد»: فى حالات كثيرة لم يجر إبلاغ الأمن بها خوفاً على أرواح المختطفين، حتى إن عائد جرائم الخطف بالنسبة للعصابات المسلحة أصبح أكبر من السطو المسلح وسرقة المجوهرات، ويحصلون على أموال الفدية من أيدى أصحابها، ما جعل الدولة تفكر فى مشروع قانون لمعاقبة هذا الجرم وتغليظ عقوبته، وتنوعت حالات الخطف، فكان منها رجال أعمال وأغنياء، بهدف الفدية، وخطف لشباب ورجال الثورة، ولم تخل محافظة فى مصر من هذه الجريمة، ولم يمر أسبوع إلا ونعلم بحالة خطف جديدة، لكن الشرطة استعادت دورها وبدأت فى ملاحقة تلك العناصر الإجرامية وأعادتها إلى السجون مرة أخرى.

من جهته، يقول خالد عكاشة، الخبير الأمنى، إن التغيرات السياسية الكبرى التى تقع فى الدول مثل الثورات السياسية على الحكام تعقبها فترة من عدم الاستقرار السياسى أو الأمنى، خاصة فى ظل محاولة جميع الفئات تنفيذ الأجندة الخاصة بها، فلا يكون المقصود كسر هيبة الدولة من عدمه، إنما خلق مناخ يسمح لهم بمزاولة أنشطتهم المتمثلة فى الحصول على مكاسب خاصة.

ويوضح أن هيبة الدولة المصرية فى الفترة التى أعقبت قيام ثورة 25 يناير ظلت متماسكة لدرجة كبيرة على الرغم من المحاولات العديدة لإسقاطها فى ظل غياب الأجهزة المنفذة للقانون، وبعد تولى جماعة الإخوان الإرهابية الحكم عاد الاهتزاز إلى هيبة الدولة مرة أخرى نتيجة النشاطات الإرهابية المتكررة لعناصر الجماعة مما تسبب فى ارتفاع معدلات الجريمة بصورة كبيرة، مشيراً إلى أنه بعد اندلاع ثورة 30 يونيو عادت هيبة الدولة متماسكة مرة أخرى نظراً لتضافر جهود غالبية الأجهزة الأمنية والتنفيذية، والتى جعلت هدفها الأول إعادة هيبة الدولة وردع المتجاوزين تجاهها.

إيهاب يوسف، الخبير الأمنى، يرى أنه ليس بالضرورة أن يكون معدل الجريمة مقياساً وحيداً لهيبة الدولة، لأن الجريمة لها أسباب أخرى اقتصادية واجتماعية، وأن هيبة الدولة سقطت إثر استخدام مجموعة من الإرهابيين وأعداء الشرطة الثورة السياسية فى أعمال إرهابية ضد الأقسام ونقاط الشرطة لحرقها، ما جعل المواطن يشعر بأن الدولة سقطت، وأن الأب الروحى الذى كان يحتمى به مات أو أن العصا الغليظة الذى كان يهابها انكسرت فشعروا بضرورة تولى حماية أنفسهم بأنفسهم، وأنهم بديل للحكومة، إضافة إلى تصرفات خاطئة من الدولة نفسها غير العادلة، سواء لمرتكبى الجرائم أو للمتجاوزين من رجال الشرطة، ما دفع إلى سخط كبير بين المواطنين فى الجهاز نفسه.

 


مواضيع متعلقة