الدرس التونسى.. اتعلموه بقى!

التجربة التونسية تؤكد حقيقة يشهد عليها الواقع داخل كل دول ثورات الربيع العربى، حقيقة تلخصها عبارة «الشعوب تريد الإصلاح». ثار التونسيون ضد حكم زين العابدين بن على حتى أسقطوه، فى تجربة مبهرة فاجأت العرب أجمعين أوائل يناير 2011، كان انتحار الشاب «محمد بوعزيزى» حرقاً هو شرارة انطلاق الثورة التى تدفقت أحداثها سريعاً، ولم تتوقف إلا بعد إسقاط الرئيس. المواطن التونسى ثار من أجل الإصلاح الذى يفضى به إلى حياة أفضل وأكثر كرامة، وعندما وجد «التوانسة» خلفاء «بن على» -أقصد حركة النهضة الإخوانية- عجَزة عن الاستجابة لمتطلبات المرحلة، وغير قادرين على إدارة المشهد التونسى بشكل يؤدى إلى تحقيق أهداف الثورة، أطاحوا بهم فى أقرب انتخابات، لتعود كرة الحكم من جديد إلى أحضان فلول نظام «بن على».

نظام الحكم الحالى فى تونس فهم خطأ أن الشعب غير قادر على الاستغناء عنه، وأن التخلص من «بن على» كان سحابة صيف، أو مجرد غضبة على حاكم طال به الأمد فى الحكم، ولم يكن ضجراً من نظامه السياسى الذى كانوا يشكلون جهازه العصبى، وأن تجربة الإخوان كفيلة بأن تعيدهم مرة ثانية إلى حظيرة «الطاعة والرضا» بالحكم المقسوم لهم، ولم يلتفتوا إلى طموحات الشعب وأشواقه نحو الإصلاح والتغيير، فكانت النتيجة أن تكرر مشهد «بوعزيزى» من جديد فى مدينة «القصرين» عندما انتحر «اليحياوى» صعقاً فوق أحد أعمدة الإنارة، لتتحول جنازته إلى مظاهرة عارمة للمطالبة بـ«الشغل والحرية والكرامة»، وانتقلت التظاهرات من مدينة إلى أخرى، وتعاظمت أحداث الشغب والمواجهات بين الشرطة والشعب، مما اضطر الجيش التونسى للنزول فى الشوارع.

سؤال الشارع التونسى ليس «من يحكم تونس؟»، بل «كيف تُحكَم تونس؟». المواطن لا يشغل نفسه كثيراً بشخص من يحكم، لكنه ينشغل أشد الانشغال بطريقة حكمه، بالخطوات التى يتخذها فى اتجاه الإصلاح، وإنعاش أحواله الاقتصادية، وحفظ كرامته، ومراعاة حقوقه كإنسان، ومنحه حرية التعبير عن رأيه دون ملاحقة أو مطاردة. لا يهم بعد ذلك فكر أو أيديولوجية الحاكم، أو المؤسسة أو الحزب الذى ينتمى إليه ويعبر عنه. المهم بالنسبة للمواطن هو أداء من يحكم، وقدرته على الاستجابة لمطالبه وطموحاته.

لم يتحدث أى من التونسيين عن النزول فى ذكرى ثورة الياسمين (13/1/2011)، بل نزل أهل مدينة القصرين، وبعدها عدد من المحافظات الأخرى بعد ذكرى الثورة بأسبوع. فالمسألة ليست فى يوم أو شهر أو سنة محددة، المسألة فى مزاج عام يصل إلى حالة غضب فينزل لتنبيه أصحاب السلطة إلى أنه غير راض عن مسلكها أو طريقتها فى الحكم، ويذكّرها من جديد بواجبها فى الإصلاح والتغيير، وأنها يجب ألا تتكل فى استمرارها على غير هذه القاعدة، وإذا وصل الناس إلى حالة يأس فإن المتدفقين إلى الشوارع لا يتوقفون إلا عندما يغيروا الحكم، ليأتوا بحاكم جديد، لينظروا ماذا يفعل؟ قصة الرضاء بالأمر الواقع انتهت وانمحت من الوجدان العربى. ولا سبيل للبقاء فى الحكم إلا بالإصلاح والتغيير. تلك هى «رسالة التوانسة».. اتعلموها بقى.. يقول الله تعالى: «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ».