الاستثمار التائه بين «الموت» و«خراب الديار»

نشوى الحوفى

نشوى الحوفى

كاتب صحفي

تابعت تصريحات البنك المركزى، أمس الأحد، عن ضخه نحو 40 مليون دولار للبنوك العاملة فى السوق المحلية لتغطية طلبات الاستيراد للسلع الأساسية والمواد الخام وسداد المستحقات المعلقة للمستثمرين الأجانب فى سوق المال المصرية. وهى خطوة قد تكون جيدة، ولكنها ليست بالكافية لحل مشكلات المستثمرين والمستوردين فى بلادى من الذين باتوا بين شقّى رحى، بين معاناة لمواصلة الاستثمار فى ظروف غياب النقد الأجنبى وبين البحث عنه حتى لو كان فى السوق السوداء. يأتى هذا فى الوقت الذى تتوالى فيه تصريحات الرئيس والمسئولين فى الدولة عن تشجيع الاستثمار ودعم المستثمرين فى كافة القطاعات وتقديم كل العون لهم، بينما تتعالى شكاوى المستثمرين المصريين الذين يدفعون ثمناً غالياً لقرارات البنك المركزى التى اتخذها رئيسه السابق هشام رامز فيما يتعلق بالإجراءات المصرفية، وتحديد سقف إيداع النقد الأجنبى لكل مستثمر فى البنوك، مما عطل عمليات استيراد المواد الخام الخاصة بالتصنيع وتحملهم غرامات مالية مرتفعة تصل لحد الجنون مع البعض منهم نتيجة تأخر الإفراج عن شحنات المواد الخام المحجوزة فى الموانئ. بالإضافة إلى تراجع سمعة المستثمر المصرى مع الشركات العالمية نتيجة لتأخره فى تسديد مستحقاتهم. وهو ما يعنى ببسيط العبارة «موت وخراب ديار».

أعلم ما تم بذله على مدى الشهرين الماضيين من جهود لحل تلك المشكلة، كما أعلم حجم ما تم ضخه فى البنوك طيلة الفترة الماضية وبلغ 7.6 مليار دولار لتحريك المياه الراكدة فى سوق الاستثمار، ولكن تلك إجراءات لم تعد تكفى لمنح المستثمرين قبلة الحياة فى مجالهم فى ظل تراجع نسب النمو الصناعى وتوقف الإنتاج لدى البعض منهم. استمعت لشكوى أحد المستثمرين الذى أقسم لى إنه قام فى الشهور الماضية بشراء ماكينات جديدة لمصنعه لا تزال حبيسة الجمارك رغم استقدامه مهندسين من الشركة المُصنّعة لها فى ألمانيا لتركيبها وتدريب العاملين فى مصنعه على العمل عليها. وهو ما تسبب فى تحملة غرامة مالية بلغت مئات الآلاف وتحمله إقامة المهندسين الألمان بالإضافة إلى عجزه عن تحويل باقى المبلغ المستحق عليه للشركة الألمانية. ثم سألنى: «هل أخطأت حينما صدّقت وعود الدولة فى دعمنا؟ وهل أخطأت حينما لم أتوقف عن الاستثمار كما فعل غيرى لمراقبة أحوال السوق؟». لم أعرف بماذا أرد عليه ليس فقط لعدم امتلاكى للإجابة ولكن لعدم خبرتى فى دنيا المال والاقتصاد. ولكن إلى متى سيظل الصمت والبطء فى التعامل مع ملف الاقتصاد وهو أهم ملفات مصر اليوم وغداً؟ لماذا لا يتم عقد اجتماع موسع مع شعب المستثمرين وتوضيح كامل الرؤية لهم بشفافية ووضع حلول فورية تضمن حماية الاقتصاد وعدم توقف عجلة الاستثمار ومواصلة فتح البيوت لملايين من العاملين المرتبطين بهؤلاء المستثمرين؟

لم يعد الأمر بحاجة لتعهدات بحل الأزمة، بل إلى حل جذرى وفورى لها. لقد سبق وأعلن المهندس محمد السويدى، رئيس اتحاد الصناعات فى شهر أكتوبر الماضى، عن تعهد طارق عامر، محافظ البنك المركزى، فى اجتماعه به بحل أزمة نقص الدولار، واتخاذ كافة الإجراءات لتوفيره، لاستيراد الخامات اللازمة للعملية الإنتاجية، والإفراج عن شحنات السلع المحتجزة فى الجمارك. ولكن ها نحن فى شهر يناير 2016 ولا تزال الأزمة قائمة ولا تزال المعاناة مستمرة. وهو ما يعنى تأثير ذلك على تشجيع الاستثمار الأجنبى فى مصر. إذ كيف يأتى لنا من يستثمر فى بلد يعانى فيه الاستثمار أزمة سيولة النقد الأجنبى نتيجة إجراءات مصرفية عطلت انطلاق مارد الاستثمار الذى نحن بحاجة له؟ نحن بحاجة فورية -كما قال رئيس اتحاد الصناعات من قبل- لإعلان قرارات تضمن تسهيل التعاملات البنكية مع المصانع، والتنسيق من أجل تنظيم الأسواق عبر السيطرة على الاستيراد الجائر الناتج عن دخول المنتجات بأسعار غير حقيقية، وتطبيق الأسعار الاسترشادية على السلع المستوردة، وتطبيق المواصفات القياسية على تلك السلع. فهل من منقذ للاستثمار فى بلادى؟