«أردوغان» يحاول استعادة الإمبراطورية العثمانية عبر بوابة إسرائيل

كتب: طارق الحريري

«أردوغان» يحاول استعادة الإمبراطورية العثمانية عبر بوابة إسرائيل

«أردوغان» يحاول استعادة الإمبراطورية العثمانية عبر بوابة إسرائيل

تعمل تركيا منذ سنوات على استعادة مجد إمبراطورى زائل وترتكب فى سبيل تحقيق هذا الوهم مؤامرات وأعمالاً دنيئة ضد دول الإقليم تقتصر على الدول العربية فقط، فهى قدمت من قبل كافة أشكال الدعم لأخطر تنظيم إرهابى أنتجته قوى الإسلام السياسى فى سوريا والعراق وتوجد قوات لها فى الموصل فى وجود غير شرعى ومرفوض من الحكومة العراقية وقامت بدور رئيسى فى نقل عناصر من داعش إلى ليبيا وتوفر الملاذ لقيادات تنظيمات الإسلام السياسى وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وتمارس أنقرة أدواراً أخرى لا حصر لها فى محاولة منها للوصول إلى غايتها بكافة السبل غير عابئة بقواعد الشرعية الدولية والعلاقات بين الدول، وآخر ما تفتق عنه ذهن الحكومة التركية محاولة خبيثة لأن تتسلل إلى قلب المنطقة العربية عن طريق غزة، وأن توجد لنفسها موطئ قدم على الحدود المباشرة مع مصر. {left_qoute_1}

خلفية أولى

بدأ هذا الترتيب الشيطانى من أنقرة للاستيلاء على غزة باستغلال مفاوضات بدأت أخيراً بين إسرائيل وتركيا عقدت جولاتها فى سويسرا من أجل عودة العلاقات الكاملة بين البلدين بعد التوتر الذى طرأ عليها فى أعقاب حادث السفينة «مرمرة» التى كانت تحمل ناشطين من أجل كسر الحصار على قطاع غزة، وقد أسفر هذا الحادث بعد هجوم قطع من البحرية الإسرائيلية على السفينة عن سقوط قتلى وجرحى، ومع هذا فقد عبر عن أهمية العلاقات بين البلدين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الشخصية الأقوى فى الدولة، معلناً بوضوح أن «إسرائيل فى حاجة لبلادنا مثلما نحن فى حاجة إليها، وعلينا القبول بهذا لأن هذه هى الحقيقة الواقعية فى هذا الإقليم»، ومن المعروف أن العلاقات بين البلدين ذات تميز وخصوصية منذ إنشاء دولة إسرائيل، وليس هناك ما هو أدل على هذا أكثر من تصريح المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية وهو الحزب الحاكم فى البلاد الذى جاء فيه بجلاء: «لا يوجد اتفاق ملموس حتى الآن بيننا لكن بعيداً عن المباحثات فإن إسرائيل وشعبها أصدقاء تاريخيون لتركيا» وهنا علينا أن نعود بالذاكرة إلى الوراء فى يناير 2009 عندما انسحب أردوغان من منتدى الاقتصاد العالمى فى دافوس فى مشهد سينمائى مصطنع رداً على حديث الرئيس الإسرائيلى «شيمون بيريز» عن غزة، وكان أداء «أردوغان» التمثيلى بغرض إحداث دغدغة مجانية لمشاعر المسلمين يحركه فى حقيقة الأمر خيال مريض عن وهم الخلافة الإسلامية، متناسياً أنه وقت أن كانت هناك خلافة فعلاً رفض السلطان عبدالحميد الثانى فى يونيو 1896 عندما زاره تيودور هيرتزل فى اسطنبول، التنازل عن فلسطين مقابل دعم مالى هائل للدولة العثمانية، وقد صارت كياناً متداعياً ومفلساً قابلاً للسقوط لعوامل داخلية كما هو شأن صعود وانهيار الإمبراطوريات والآن يتجاهل «أردوغان» المدعى هذا التاريخ الذى يستلهمه خياله ويعبر صراحة عن أهمية إسرائيل لبلاده متبنياً ببجاحة محاولات تنصيب تركيا كدولة مدافعة عن قضايا ومصالح العرب والمسلمين. {left_qoute_2}

خفايا النوايا التركية

دارت عجلة التقارب بين تل أبيب وأنقرة وسط ترحيب البلدين باستعادة الدفء لعلاقات ممتدة وعميقة منذ سنوات بعيدة عندما كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل ولكلا الطرفين مصالح فى استعادة العلاقات وتمتينها فى الوقت الحالى الذى يضطرب فيه إقليم الشرق الأوسط، واستغلت أنقرة فرصة المفاوضات الخاصة بالصلح كى تمرر محاولة تمكنها من تحقيق خطة خبيثة لخلق نفوذ مسيطر على قطاع غزة، لذلك وضعت تركيا لعودة العلاقات 3 شروط: الأول اعتذار إسرائيل عن حادث «مرمرة»، والثانى دفع تعويضات لأسر ضحايا حادث السفينة مرمرة، أما الثالث والأخطر فهو السماح لأنقرة بإقامة خط ملاحى مباشر بين تركيا وقطاع غزة يكون غير خاضع للحصار الإسرائيلى البحرى للقطاع، مما يعنى التنقل البحرى الحر بين كل من القطاع وأنقرة، التى يصبح لها بالتالى موطئ قدم وهيمنة، ويحمل الشرط الثالث فى طياته خفايا لأهداف ونوايا تركية للإخلال بالوضع الاستراتيجى فى الإقليم ويشكل تهديداً مباشراً لمصر للأسباب الآتية:

1 سوف تعمل تركيا على تثبيت حكم حماس فى القطاع بعد ضخ مساعدات واستثمارات مباشرة تمول فيها قطر بسخاء، وهنا يجب الأخذ فى الاعتبار أن حماس هى الفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان المسلمين التى ترعاها تركيا ويصطف الحزب الحاكم خلف كثير من أفكارها ويتبنى أردوغان أيديولوجيتها.

2 بمرور الوقت مع تثبيت الأوضاع الجديدة فى غزة تطمح تركيا لفصل القطاع عن السلطة الوطنية الفلسطينية.

3 تقليل دور معبر رفح الذى تسيطر عليه مصر وتحويله رمزياً إلى أداة عزل سياسى فى العلاقة بين مصر والقطاع وهذا يؤدى بالتالى إلى تهميش مكانتها فى محيطها الإقليمى.

4 تقليص الدور المصرى المحورى فى مجريات القضية الفلسطينية والنزاع العربى الإسرائيلى وصنع دور جديد لتركيا فى هذا الملف على حساب مصر.

5 تعزيز الوجود التركى فى حوض شرق البحر الأبيض المتوسط المرشح لأن يكون مناط صراع معقد بين عدد من الدول الإقليمية بسبب وجود كميات كبيرة من الغاز فى مياه المنطقة الواقعة بين قبرص التركية وإسرائيل وسوريا ولبنان وقبرص اليونانية وتركيا وبالقرب من سواحل غزة.

6 تعمل تركيا على بناء تحالف مع إسرائيل يمكنها بعد توسيع نفوذها فى قطاع غزة من ضرب تحالف مصر واليونان وقبرص بعد اتساع رقعة الخلاف السياسى بين مصر وتركيا التى تحدتها القاهرة من خلال فكرة إنشاء تكتل سياسى اقتصادى مع اليونان وقبرص اللتين تعاونتا مع مصر للتعبير عن رفضهما للتحرك السياسى التركى فى المنطقة، وبعد اجتماع الأطراف الثلاثة فى القمة التى عقدت بالقاهرة بتاريخ 8 نوفمبر 2014 وتضمن البيان الختامى رفض الموقف التركى تجاه قضية التنقيب عن الغاز، كما نص بيان القمة الختامى على فتح باب التفاوض بين الأطراف الثلاثة للتوصل إلى حل مشترك للبدء فى أعمال استخراج الغاز فى المناطق الاقتصادية الخالصة المشتركة بين مصر وقبرص واليونان ولم يتأخر الرد التركى على هذا البيان إذ فوضت الحكومة التركية بتاريخ 10 نوفمبر 2014 القوات البحرية التركية للرد العسكرى المباشر على أى عملية استخراج للغاز لا تشمل التوافق مع تركيا أو قبرص التركية، ومن هنا يعطى الوجود والنفوذ التركى فى غزة قدرات لوجستية وعسكرية إضافية ومهمة لتوجهاتها العدوانية.

7 نجاح تركيا فى الحصول على موافقة إسرائيل لبسط نفوذها فى غزة عن طريق الخط الملاحى المباشر يحقق لها بالإضافة إلى التهديدات السابقة دق إسفين بين مصر وإسرائيل، لاسيما أن القاهرة بعثت برسالة إلى إسرائيل تطلب فيها عدم تمكين الأتراك من ممارسة أى نفوذ داخل قطاع غزة الذى تديره حركة حماس.

8 ليس مستبعداً على الإطلاق أن تحوِّل تركيا بالتعاون مع حماس قطاع غزة إلى مركز ضخم لتدريب عناصر الإسلام السياسى المسلحة وإمدادها بالسلاح وجعلها بؤرة تهديد مزمنة لأمن واستقرار مصر.

الواقع الفعلى للمحاولة

رغم حرص كل من تركيا وإسرائيل على استعادة العلاقات إلا أن الأخيرة ترفض قبول المطلب التركى بالتواصل البحرى الحر مع غزة الذى يحمل فى طياته مخاطر تهدد إسرائيل مستقبلاً، كما أن تل أبيب تدرك أن الموافقة على بسط نفوذ لتركيا فى القطاع سيؤدى إلى توتر فى العلاقات مع اليونان وقبرص ومصر، ومع هذا ليس من المستبعد أن تتخذ إسرائيل موقفاً أكثر مرونة فى هذا الجانب الخلافى قياساً على الفوائد التى يمكن أن تجنيها من إغراءات تعرضها أنقرة لاسيما إذا نجحت تل أبيب فى الوصول إلى حل وسط لموقف البلدين رغم ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» منذ فترة قريبة فى جلسة لكتلة الليكود البرلمانية قائلاً «نجرى اتصالات مكثفة ومستمرة مع تركيا إلا أننا لم نتوصل حتى الآن لتفاهمات لسبب بسيط هو أننا نطالب بوقف أى نشاط للإرهابيين على الأراضى التركية أو انطلاقاً منها، ونحن لا ننوى إطلاقاً تغيير سياسة الإغلاق البحرى لأننا لا نستطيع التنازل عن أمن إسرائيل».

الثابت أن المحاولة التركية الحثيثة للهيمنة على غزة أثارت قلقاً فى الدوائر السياسة على اختلاف مواقعها فى الإقليم وهو ما تعكسه أطراف تقف على النقيض، وهو ما يبدو فى تصريحات منها على سبيل المثال لا الحصر ما نوه به «محمد شتية» القيادى فى حركة فتح الذى صرح محذراً: «إن إسرائيل أشارت إلى محاولات تركيا لإخراج غزة من سيطرة السلطة الفلسطينية وجعلها تابعة للإدارة التركية»، وعلى الطرف الآخر صرح زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» ووزير الخارجية السابق «أفيجدور ليبرمان» قائلاً: «أردوغان يتزعم نظاماً إسلامياً متطرفاً» وألمح إلى أن تطبيع العلاقات مع تركيا سيأتى على حساب العلاقات مع اليونان وقبرص ومصر. وقال: «لا أعتقد أن أردوغان سيتنازل عن طلبه بشأن غزة لرفع الحصار وكل دعم تركى لغزة يأتى على حساب مصر» مضيفاً: «الاتفاق مع تركيا لم يتم بعد لكن الضرر السياسى حصل».

لا تنوى الحكومة الحالية فى أنقرة إلا على المواقف والأدوار التى تضر بأمن مصر ومصالحها، وليس بخافٍ أن الدولة المصرية الآن ممثلة فى أجهزتها السيادية تقف منتبهة لما يدور حولها ويحاك ضدها من مؤامرات، وعليها أن تظل يقظة بعد سنوات طويلة من الغفلة والمواءمات.


مواضيع متعلقة