سوريا: من حكم «الحزب القائد» إلى «الحرب الطائفية».. أهلاً بكم فى دولة الصراعات «الممنهجة»

كتب: سيد خميس

سوريا: من حكم «الحزب القائد» إلى «الحرب الطائفية».. أهلاً بكم فى دولة الصراعات «الممنهجة»

سوريا: من حكم «الحزب القائد» إلى «الحرب الطائفية».. أهلاً بكم فى دولة الصراعات «الممنهجة»

عند دراسة رسائل جيرترود بيل 1899 - 1914، عالمة الآثار البريطانية، تستوقفك رسالتها التى قالت فيها: «ليس هناك أمة من العرب، فدولة سوريا تسكنها أجناس تتحدث اللغة العربية لكن جميعها يحرص على التناحر»، وانطلاقاً من هذه الرسالة للسيدة «بيل»، نجد أن سوريا الحديثة تتناحر طائفياً فيما بينها منذ بدايات القرن العشرين وحتى الآن.

ومن أبرز التحديات التى واجهت سوريا فى مطلع القرن العشرين، هو تحديد هوية الكيان السياسى لإقليم كان يخضع لـ«الحكم العثمانى» قرابة 4 قرون، فقد عمد الأمير فيصل بن الحسين مؤسس الحكم العربى فى سوريا والعراق، إلى تأسيس نظام ملكى سنة 1920، ومن ثم قامت سلطة الانتداب الفرنسى بتأسيس نظام جمهورى سنة 1932، وبالرغم من قصر فترة «العهد الفيصلى» فى سوريا فإن آثاره السياسية كانت لها انعكاسات كبيرة خلال فترة الانتداب، حيث تبنى الأمير فيصل «الفكر القومى» كأيديولوجية جديدة تضم إليها الجماهير العربية، واتخذ من النمط الغربى، «الدين لله والوطن للجميع» أساساً لبناء دولته الحديثة، التى قامت على قولته المشهورة، كما ذكر ساطع الحصرى فى كتاب «يوم ميلسون»، وركز «فيصل» فى خطابه السياسى على الهوية العربية التى اعتبرها سابقة لأى انتماء دينى، وبأن العرب «هم عرب قبل عيسى وموسى ومحمد». وبعد تخلص سوريا من الانتداب الفرنسى خلال الفترة (1946 - 1949)، ومروراً بالانقلابات العسكرية عام 1949 و1951 و1954، ومروراً بالصراع بين الحكم العسكرى والفكر اليسارى، وفترة الوحدة مع مصر «الجمهورية العربية المشتركة» (1958 - 1961)، وصلت سوريا إلى مرحلة الحزب القائد المدعوم بالجيش العقائدى فى السبعينات من القرن الماضى، فبعد أن شهدت سوريا خلال الفترة الممتدة منذ سنة 1949 وحتى 1970 حوالى 21 انقلاباً ومحاولة انقلابية وحركة تمرد أو عصيان قام بها بعض ضباط الجيش السورى، أما السنوات الثلاثون المتبقية من تاريخ سوريا فى القرن العشرين فلم تشهد سوى محاولة انقلابية واحدة قمعت بهدوء،. ورث بشار الأسد السلطة فى سوريا، وورث أيضاً سياسة الحزب القائد المدعوم بالجيش العقائدى، والحقيقة أن نظام حكم «بشار» فى سوريا حتى نشوب الاحتجاجات فى 2011، لم يبذل جهداً كبيراً لتبنى إصلاح اجتماعى يحقق التوازن بين فئات المجتمع وإنما قامت سياسته على ترسيخ الإرث الفرنسى المتمثل فى نظام حكم مدنى ضعيف وأحزاب سياسية لا تملك نظرية سياسية ناضجة، فى مواجهة مؤسسة عسكرية تشكل عنصر التوازن الفعلى فى الإدارة المحلية والأمن وتبسط نفوذاً كبيراً على الحكم المدنى، وذلك بالاعتماد على الأقليات الطائفية، التى استند عليها الفرنسيون للإضعاف من المقاومة التى قامت ضد سلطة الانتداب. وبينما كان نظام «الأسد»، الأب والابن -المؤسس والوريث- يقوم بتشجيع العلاقات ما بين السنّة، الذين يمثلون أكثر من 60% من التكوين العرقى والدينى فى سوريا، والمؤسسات الدينية، كما عمل على الربط ما بين العلويين (12% من السوريين) والنظام مباشرة، أو بالأحرى بعائلة «الأسد» العلوية، قام النظام بتحويل الطائفة العلوية إلى طائفة سياسية، مربوطة مباشرة بعائلة «الأسد».

وقام النظام السورى «الأسدى» بـ«عسكرة العلويين» تحت سيطرته، فأصبحت بالتالى الطائفة العلوية خزاناً بشرياً لنظام حكم «الأسد»، ما أسس لبيئة طائفية ناتجة عن الصراع مع النظام الأمنى، كما قمع نظام «الأسد» أى معارضة من الأكثرية السنية، وكذلك بزيادة التفرقة والتمييز بحق الأكراد، وخلق جو من التفرقة ما بين الأكراد والعرب والآشوريين والتركمان، خاصة فى الشمال السورى.

ومع استمرار الاحتجاجات الثورية منذ اندلاعها عام 2011 وحتى الآن أصبحت هذه الاحتجاجات لديها طبيعتان، طبيعة حراك سياسى سلمى، وطبيعة عنفية متمثلة فى الكثير من الحركات والأنظمة المسلحة مثل الجيش السورى الحر، و«جبهة النصرة» و«جيش الإسلام» و«جيش الفتح» و«كتائب ثوار الشام» وغيرها من الفصائل فى مواجهة قوات نظام بشار الأسد.

ورغم البيانات والهتافات المتعددة التى أطلقها المحتجون فى سوريا، رفضاً للطائفية وللمطالبة بوحدة الشعب السورى، فإن المتابع يرى أن هذه الاحتجاجات تطغى عليها الجماعات الإسلامية المتطرفة، التى تدعمها دول عربية، وتحاول هذه القوى الشراكة مع جزء كبير من اليسار، حول الصراع السورى إلى قوى طائفية.

وبعد هذا التشريح لواقع الثورة السورية، من الخطأ عدم الاعتراف بكون الطائفية هى جزء من السياسات التى تنتهجها القوى فى الحراك السورى.

 


مواضيع متعلقة