النص الكامل لكلمة مطران الكنيسة الأسقفية في قداس عيد الميلاد

كتب: مصطفي رحومة:

النص الكامل لكلمة مطران الكنيسة الأسقفية في قداس عيد الميلاد

النص الكامل لكلمة مطران الكنيسة الأسقفية في قداس عيد الميلاد

حملت الكلمة التي ألقاها المطران منير حنا، مطران الكنيسة الأسقفية بمصر وشمال إفريقيا، مساء اليوم الخميس، في قداس عيد الميلاد، الذي ترأسه بكاتدرائية جميع القديسين في الزمالك، عنوان: "ميلاد المسيح.. نور يقهر الظلمة".

وجاء نص الكلمة كالتالي:

قبل ميلاد المسيح بأكثر من سبعمائة عام تنبأ أشعياء النبي عن هذا الميلاد قائلاً "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل". (اشعياء 7: 14)، ثم عاد وكتب "الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور". (أشعياء 9: 2)، وهنا نجد أشعياء النبي يصف ميلاد السيد المسيح بالنور الذي يشرق فيقهر الظلمة.

ولكن ترى ماذا يقصد أشعياء النبي بالظلمة؟ وماذا يقصد بأرض ظلال الموت؟، نجد الإجابة على ذلك من وصف أشعياء النبي للشر والظروف القاسية التي عاش فيها شعب إسرائيل في ذلك الوقت، فلقد كانوا مقهورين بسبب هزيمتهم من ملك أشور الذي دمّر مدنهم وسبى منهم الكثيرين وأذلهم حتى أنهم سبّوا وأهانوا ملكهم والههم وبدلًا من أن يتوبوا ويرجعوا إلى الله تمردوا عليه وعملوا الشر في عينيه ولجأوا إلى السحرة والعرافين حتى أن صوت الله جاء إلى أشعياء قائلاً "ألا يسأل شعب إلهه" وعاد وقال "فيعبرون فيها مضايقين وجائعين ويكون حينما يجوعون أنهم يحنقون ويسبون ملكهم وإلههم ويلتفتون إلى فوق.   وينظرون إلى الأرض وإذا شدة وظلمة قتام الضيق وإلى الظلام هم مطرودون" (أشعياء 8: 21- 22).

من هذا نجد أن الظلمة التي تحدث عنها أشعياء هي ظلمة الخطية.. ظلمة روحيه جاءت نتيجة شرور شعب إسرائيل الذي تمرد وزاغ عن طريق الله وناموسه وأصبح شعبًا سالكًا في الظلمة فاقدًا لكل معاني الأمل والرجاء وحتى معنى الحياة ذاتها لذلك وصفهم النبي بالجالسين "في أرض ظلال الموت".

لكن أشعياء تنبأ وسط هذه الظلمة الروحية بنور سيشرق على هذا الشعب ويملك عليه إلى الأبد ويخلصه من خطاياه ويعيد إليه الرجاء والسلام الحقيقي إلى كل من يقبل هذا النور في قلبه.

يقول أشعياء واصفًا ميلاد السيد المسيح وملكوته "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد.غيرة رب الجنود تصنع هذا" (أشعياء 9: 6- 7)، وهنا يتنبأ أيضًا بصفات الملك الذي سيولد ويملك إلى الأبد ويقهر ظلمة هذا العالم.

وتحققت نبوبة أشعياء وولد المسيح في بيت لحم ومجد الرب أضاء حول الرعاة الذين كانوا يحرسون رعيتهم فى ظلمة الليل وأعلن ملاك الرب "أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" (لو2: 11)، وترنمت الملائكة "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو 2: 14) ، وكتب يوحنا واصفًا المسيح "كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور، لكي يؤمن الكل بواسطته. لم يكن هو النور، بل ليشهد للنور. كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم. كان في العالم، وكون العالم به، ولم يعرفه العالم. إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله" (يو 1: 6-11)، وأضاف قائلاً "فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس،  والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه". (يو 1: 4- 5)، وهنا نرى أن يوحنا يؤكد نبوة أشعياء عن المسيح واصفًا إياه أنه مصدر الحياة التي تنير قلوب الناس وتقهر ظلمة الخطية التي تؤدى إلى الموت. 

لكن لاحظوا معى أيها الأحباء إن خاصته لم تقبله، أي أن شعب إسرائيل الذي كان يعيش فى الظلمة وظلال الموت لم يقبل هذا النور الحقيقي بسبب عنادهم وقساوة قلبهم. 

أما يسوع فقد أعلن عن ذاته مؤكدًا مرة أخرى نبوة أشعياء النبى وقال "أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة".

 أحبائي إن العالم الذي نعيش فيه تخيم عليه الظلمة، فنحن نسمع عن الأحداث الإرهابية التي تقع في أنحاء العالم ونقرأ في الصحف اليومية عن جرائم القتل والسرقة والتعذيب ونشاهد على شاشات التليفزيون المهاجرين الذين يهربون لحياتهم فتبتلعهم أمواج البحار ونقرأ عن ملايين الأطفال الذين يموتون سنويًا بسبب الجوع أنها ظلمة الشر وقساوة الإنسان التي تدفع إلى هذا كله، لكن ميلاد المسيح ومجيئه إلى أرضنا يعطينا الرجاء والأمل وينتشلنا من وادي ظل الموت ويخلصنا من خطايانا وينير قلوبنا بالإيمان ويمنحنا حياة أبدية وسلامًا لا يستطيع العالم أن يعطيه، فعلينا أيها الاحباء أن نقبل هذا النور الذي نختبره عندما نقبل المسيح في قلوبنا، مخلصًا لنا وملكًا على حياتنا ونسلك فيه حتى نكون أبناء للنور كما قال يسوع المسيح" النور معكم زمانًا قليلًا بعد، فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام. والذي يسير في الظلام لا يعلم إلى أين يذهب.   ما دام لكم النور آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور" (يو 12: 35- 36)، وهنا يشجعنا السيد المسيح أن نسير في النور أي نسلك ونحيا فيه وهذا يجعل منا أنوارًا تعكس نور المسيح ومحبته للمجتمع الذي نعيش فيه فلقد أوصانا أن نكون نورًا للعالم في قوله "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات". (متى 5: 16)

وختامًا أتذكر قول الأم تريزا "إنك تعيد عيد ميلاد المسيح في كل مرة تدع محبة الله تتدفق للآخرين من خلالك" دعونا ونحن نعيد هذا العيد أن نعكس نور وحب المسيح لجميع من حولنا".


مواضيع متعلقة