مسألة الأخلاق

ثمة حالة من الغضب على الأداء الأخلاقى فى مجالات عديدة لدينا، وثمة إحساس لدى كثيرين أن الأخلاق العامة قد تردت فى نواحٍ شتى من الحياة. وهو إحساس فى محله إلى حد كبير. ففى السياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام وخلافه يمكنك أن تلحظ مشاهدات عدة على تراجع الأخلاق، وصعود ملحوظ لقليلى الأدب والحياء. أريد أن أتوقف عند عاملين أساسيين يمكن أن ينهضا مبدئياً فى تفسير هذه الظاهرة. الأول غياب القدوة، والثانى غياب القيمة.

تنتشر الأخلاق وتترسخ داخل المجتمع بالقدوة الحسنة. فإذا لم يجد أفراد المجتمع نماذج أخلاقية يقتدون بها تراجعت الأخلاق فيه كثيراً. القدوة الأخلاقية غائبة نسبياً داخل المجتمع المصرى، لأن قسماً لا بأس به من المصريين يتعامل مع الأخلاق بمنطق شديد العجب، أساسه التمسك بالأخلاق كل التمسك، إذا كانت تخدم أهداف الفرد ومصالحه، والعبور السريع والقفز عليها، إلى حد «التعامى»، إذا كانت عكس ذلك. إذا كذب عليك أحد فأنت تنظر إلى هذا الأمر على أنه غير أخلاقى، ولكن إذا كذبت أنت من أجل تحقيق مصلحة ما، فأنت لا تتوقف أمام المسألة الأخلاقية وتعبر عليها. هناك من يرضى عن الفضائح وانتهاك حرمة الحياة الخاصة ولا يرى فى ذلك جرماً أخلاقياً إذا مست الفضيحة عدواً له، لكنه يغضب ويثور إذا مست الفضيحة شخصاً أو شخوصاً يقعون فى دوائر مصالحه. اللهاث وراء المصالح فى الحياة أمر غير أخلاقى بالمرة ويؤدى إلى غياب القدوة. الكثيرون يعتبرون أن «الصالح» هو «المصلحة». وما أسهل أن يسقطوا فى دوائر اللا أخلاقية إذا تناقض «الصالح» مع «المصالح»!.

وتكاد الأخلاق تصبح معدومة القيمة والأثر فى مجتمعنا، لأن صاحبها يخسر أكثر مما يربح، بل قل يخسر على طول الخط، فى حين أن قليلى الأخلاق يكسبون دائماً. مثلاً الاجتهاد فى العمل خلق رفيع، لكن هل يؤدى الاجتهاد فى العديد من مؤسسات الدولة المصرية إلى الترقى، وحصد المكاسب؟. الملاحظ أن المنافقين وأصحاب الذمم الخربة يجدون طريقاً أسهل وأكثر استواءً للفوز بكل شىء مقارنة بغيرهم، رغم أن النفاق كما تعلم خلق مذموم، ومقدمة أساسية من مقدمات خراب المجتمعات. تعال أيضاً إلى خلق الصراحة، هل الإنسان الصريح يحظى بمحبة الناس ورضائهم؟. المؤكد أن كثيرين يترددون قبل أن ينطلق لسانهم بكلمة حق، يصارحون فيها غيرهم بآفات الواقع، وفى الحالات التى يمتلك فيها البعض الشجاعة الأدبية لمواجهة الآخرين برأى صريح، فإنك تجد من حولهم يعتبون عليهم صراحتهم، ويلومونهم كل اللوم، وينصحونهم بالمقولة المصرية الشهيرة: «زيك زى أهل بلدك»، أو مقولة «حش وارميله». وأصل النصيحة هنا التوجيه إلى حصد المكاسب، لأن الصراحة تعنى الخسارة على طول الخط، أما المداراة والممالأة والمواراة فسوف تؤدى بك إلى حصد المكاسب، وتحقيق ما يفوق أحلامك، لأن الناس تكره الحقيقة.

لن ينصلح حال هذا المجتمع أخلاقياً إلا عندما يعلم أهله أن الأخلاق تنتشر بالقدوة وليس بالمواعظ، وأن ترسيخ الأخلاق يقتضى مكافأة صاحبها، ومعاقبة من يحيد عن جادتها، وليس العكس كما يحدث فى مصرنا المحروسة!.