لو كنت الأمين العام!!

تسجل لجامعة الدول العربية العريقة بعض الإنجازات والنجاحات، لكن هذه الإنجازات تصغر أمام العديد من الإخفاقات والفرص الضائعة، فهى دائماً تواجَه بالانتقادات عربياً وعالمياً بسبب فشلها فى حل الكثير من القضايا العربية العالقة، والتى تمثل كرة لهب مشتعلة تركض صوب الجميع، دعونا نذكر بعض هذه المشكلات علّنا نجد على نيرانها هدى.

من هذه المشكلات ما هو سياسى كمشكلة القدس المحتلة والعراق وسوريا وأزمات ربيع عربى لا تنتهى والزحف المتطرف الداعشى على دول المنطقة، ومشكلة اليمن وأزمة إثيوبيا وحوض النيل وغيرها من مشاكل مزعجة لا يلوح فى الأفق أى إشارات لحلها.

وبعض المشكلات غير سياسى كالتعليم والثقافة والمواصلات والاقتصاد والصحة والسكان والصناعة والتجارة وغيرها من روافد الحياة، فلم يحدث أبداً لمس أى تقدم ملحوظ أو غير ملحوظ بشأنها، مع العلم أننا منطقة تعج بأسباب الاتفاق وسهولة التعاون بهذه المجالات، فاللغة واحدة والدين واحد والطبيعة الجغرافية متقاربة مترابطة لا حواجز أو موانع طبيعية، كما أننا متكاملون من حيث الإمكانيات والاحتياجات، ففينا الدول النفطية ذات اليد العاملة القليلة وبِنَا البلدان ذات الموارد البشرية الكبيرة وفينا بلدان متنوعة الثروات الطبيعية من زراعة وثروة سمكية وحيوانية (فوطننا غنى وتفكيرنا فقير).

وهناك أيضاً نوع مدمر من المشكلات العربية، وهو عدم الاتفاق والوحدة، والسبب فى هذا أمور عدة، منها التعصب للرأى وعدم الاستماع للآخر وتلك النظرة الأنانية المتعالية لبعض الدول العربية ضد دول عربية أخرى فى محاولة لفرض الهيمنة والسيطرة، وبالطبع هذه الأنا يقابلها حقد وشعور مقابل بالقهر، وهكذا ينشأ التشاحن والتبارز النفسى والمعنوى قبل السياسى، بل وينعكس هذا الشعور على الشعوب العربية ذاتها، وهكذا ندور بالدائرة ذاتها منذ إنشاء الجامعة «غير الجامعة»!! يا عرب إن الشعوب مرآة بلدانها!! فانتبهوا!!

ويطال الفشل أيضاً عدم استمرار مجموعات واتحادات بين بعض الدول داخل الجامعة (قد جُعلت فى بعض الأحيان استقواءً بالأخ ضد الأخ الآخر أو كيداً به!! هذا إن استثنينا مجلس التعاون الخليجى لما به من خصوصية بين أعضائه).

ومن المنغصات العربية كذلك أنه لم تفعّل أى من الاتفاقات المبرمة بشكل مُرضٍ وكاف يليق بعراقة وروابط صلة الدول المشاركة كاتفاقيات تسهيل التبادل التجارى والتعريفة الجمركية الموحدة أو اتفاقية الوحدة الاقتصادية وغيرها من اتفاقات ومشاريع مهمة، إن استثنينا اتفاقية الدفاع العربى المشترك التى طُبقت بالفعل ولكن -أسفاً- كان أبرز أدوارها أثناء حرب الخليج الثانية ضد دولة عربية لعدوانها على دولة عربية أخرى، أىّ وجع هذا يا عرب!!

من المؤكد أن مسألة إدارة مؤسسة كالجامعة العربية أمر بغاية الصعوبة، لما سلف ذكره من تعنت وعصبية الأداء والتمثيل العربى داخل البيت العربى، فلا انضباط ولا جدية تُضمَن، دون الالتزام بتنفيذ جميع الاتفاقات والقرارات المجمَع عليها، ولا نجاح ولا فلاح دون عدالة بين الجميع، فلا فرق بين دولة غنية وفقيرة، أو رائدة وصغيرة!! العدل أساس الملك يا عرب!!

وبين الأداءات المختلفة والمتتابعة لأمناء عموم الجامعة العربية أتساءل فى فرضية عبثية، تُرى.. ماذا لو كنتُ مكان الأمين العام لجامعة العرب!! هذا إن كان للإناث حظ فى بلاد العرب!! أظن أنى حينها سوف أولى الاهتمام الأكبر بالأمور غير السياسية (فالسياسة فى بلادنا كخيط عنكبوت) بل وسأتعاطى وأركز على المشاريع الإنمائية والتعليمية والبحثية وأشجع المتفوقين العرب بطريقة تكاملية، دولة تضخ مفكراً والأخرى تتكفل بتنميته والثالثة تذلل له العقبات.

كذلك سأنتبه جيداً لتفعيل التكافل والتكامل الاقتصادى بمشاريع ضخمة تستغل جميع الإمكانات العربية المختلفة واضعين نصب أعيننا مثالاً مهماً كالاتحاد الأوروبى والذى بدأ اقتصادياً بين ست دول ونما وكبر إلى أن شمل معظم دول أوروبا، كبيرها وصغيرها، ليتطور مع الوقت ويشمل النواحى الاجتماعية والسياسية كذلك.

وأخيراً والأهم وجب بناء جسر فكرى، اجتماعى، ثقافى، يعبر عليه جميع أبناء العرب لتجاوز التعصب والعرقية والفرقة ونبذ الآخر، ولتتحول الجامعة العربية لخلية نحل لا تتوقف عن العمل والإنجاز مع ضرورة استبعاد المتقاعس ومكافأة النشيط، فلا مجاملات ومراكز شرفية بمكان شديد الحساسية والخطورة. إنه الشريان الرئيسى المغذى لنا جميعاً أبناء العرب، لهذا يجب أن يكون المعيار الأول والأخير فى اختيارات كوادره هو الشعور القوى بأهمية المؤسسة والحمية والغيرة الشديدة على هذه العقيدة، نعم فالعروبة عقيدة وإيمان والأمانة العامة والأمانات الفرعية أمانة وأى أمانة..!