الشرطة.. والثورة

يقول البعض إن ثمة حملة ممنهجة تستهدف النيل من صورة رجال الشرطة قبل حلول الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير. ويحتج هؤلاء بكلام مكرر ومعاد عن أن يناير 2011 سبقه حملة شبيهة للتنديد بقتلة خالد سعيد وسيد بلال، وأدت إلى إثارة الرأى العام المصرى فاندفع للنزول يوم الثلاثاء الشهير، مطالباً بإقالة وزير الداخلية، ثم تصاعدت المطالب، حين لم تجد أذناً واعية، إلى رفع شعار «إسقاط النظام». ويتقاطع مع هؤلاء فريق يرى أن الأجواء الحالية شبيهة إلى حد كبير بالأجواء التى سبقت يناير 2011، وأن ثمة فرصة متاحة لتدشين موجة ثالثة من الثورة. وظنى أن تفكير الفريقين يفتقر للدقة بطريقة أو بأخرى.

فى ظنى أن المطالبين بالصمت عن عمليات التعذيب وسحق آدمية البشر التى تكررت وقائعها ووصلت إلى قمة السفه عندما تساقط الضحايا من قبلى البلاد إلى بحريها، يهيئون أكثر من غيرهم الأجواء لنزول المصريين مرة ثالثة. فالتعتيم يؤدى إلى الانفجار، سواء تم عبر أجهزة الإعلام أو عن طريق أجهزة الحكم. المكاشفة وفضح الأداء السيئ هما السبيل الوحيد لاتخاذ قرارات إصلاحية. المكاشفة وفضح وقائع التعذيب دور ينبغى أن تضطلع به وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدنى، واتخاذ القرارات التى تؤدى إلى تصحيح الأوضاع المعوجة واجب وفرض عين على السلطة. ذلك ما يمكن أن يؤدى إلى تجنيب النظام الحالى وأنصاره مواجهة الشعب من جديد.

لقد قدمت الداخلية اعتذاراً إلى أهالى الأقصر لسقوط أحد أبنائهم قتيلاً داخل قسم بندر ثان الأقصر، ولم يقبل الأهالى الاعتذار، ولم يكترث أحد بكلام الوزير عن فتح تحقيقات عاجلة فى «قتلى الأقسام». الناس ليست بحاجة إلى اعتذار أو حديث عن تحقيقات قانونية، فقتلة خالد سعيد وسيد بلال تم تقديمهم إلى محاكمة، والكل يعرف النتيجة. «مبارك» و«العادلى» وغيرهما قُدموا إلى محاكمة، والكل يعرف النتيجة، الناس تريد تغييراً حقيقياً فى الفكر والأداء. ومن لا يعملون فى هذا الاتجاه يهيئون المشهد لغضبة جماهيرية لن تبقى ولن تذر. وذلك مكمن خطورتها!

دعونا نشد هذا الخيط لننتقل إلى وجهة النظر الثانية التى تقول إن الأجواء مهيأة حالياً لموجة ثالثة من الثورة. يهمل هؤلاء حقيقة أساسية تقول إن نظام «مبارك» سقط عندما فقد صلاحيته، نتيجة ممارسات ارتكزت على الفساد والاستبداد، بما ترتب عليه من إفقار لغالبية المصريين وقمع لهم وإهدار لكرامتهم. واقعة مقتل خالد سعيد وسيد بلال لم تكن أكثر من عَرَض لمرض خطير تكرس على مدار عقود، قتل الشابين بالقهر والتعذيب، لم يكن الواقعة الأولى فى عصر «مبارك»، بل سبقها وقائع مماثلة تستعصى على الحصر، ولم تؤدّ جميعها إلى قيام ثورة. الثورة قامت فى يناير عندما أصبح النظام فى نظر الشعب فاقد الصلاحية وأنه لا أمل فى إصلاحه. هنالك نزل المصريون. فى تقديرى أن كثيراً من المواطنين يستوعبون أن النزول حالياً محفوف بمخاطر لا يعلم إلا الله مداها. المقبل -إذا وقع- لن يتشابه مع 25 يناير ولا 30 يونيو. المقبل سيكون مختلفاً فى الشكل والمضمون والنتائج. على كل الأطراف أن تستوعب ذلك، وتفهم أن التحرك للتغيير والإصلاح هو الضمانة الوحيدة لاستقرار الأوضاع. والسلطة أجدر من غيرها بهذا الاستيعاب.