المستشار الجليل «عدلى منصور»

اتصال كريم أسعدنى به المستشار عدلى منصور، رئيس الجمهورية السابق ورئيس المحكمة الدستورية حالياً، أنارنى فيه برأيه فى المقال الذى كتبته فى هذا المكان تحت عنوان «رئيس مجلس النواب»، فى البداية أريد أن أوضح أننى أحترم هذا الرجل احتراماً جماً، وقد أشرت إلى ذلك فى المقال الذى كتبته، فقد قاد سفينة الوطن فى ظرف شديد الصعوبة وبالغ الحرج، وبعد أن أدى دوره سلَّم الحكم فى مشهد راقٍ للرئيس عبدالفتاح السيسى بعد انتخابه، ولست أنسى ضمن تفاصيل هذا المشهد أن المستشار عدلى منصور حرص على أن يُهدى الرئيس «السيسى» نسخة من دستور 2014 وهو يسلمه الحكم، فى إشارة بليغة ورسالة ذات دلالة إلى الرئيس الجديد.

اختلف المصريون خلال الأشهر التى أعقبت موجة الثورة فى 30 يونيو فى أمور عديدة، لكنهم اتفقوا -فى أغلبهم- على هذا الرجل، وتقديرى أن طرح اسم المستشار الجليل كرئيس لمجلس النواب القادم، تقف وراءه الرغبة فى طمأنة المصريين، لأنهم بالفعل يطمئنون إلى هذا الرجل بالتجربة، ومؤكد أن وجود قامة قانونية بحجم المستشار «منصور» سيضيف الكثير إلى المجلس القادم، وأرجو أن يكون مفهوماً أن ما كتبته فى مقال «رئيس مجلس النواب القادم» كان كلاماً فى الموضوع، وتأملاً لنمط أداء أجد أن المناسب أن يكون على غير هذا النحو، لكننى فى كل الأحوال أرى أنه لا توجد شخصية أنسب لرئاسة مجلس النواب القادم من المستشار عدلى منصور، لما تتصف به من توازن واتزان، وحضور وتأثير، وقناعة بفكرة الحكم الدستورى، ووعى بالقانون، ورغبة حقيقية فى حمايته.

حدثنى المستشار عدلى منصور، خلال اتصاله الكريم، عن قناعته بأن هذا البلد زاخر بالكفاءات، وأن مشكلتنا الحقيقية ترتبط بالأنظمة السابقة التى سعت بكل طاقتها إلى تجريف الواقع المصرى، وإقصاء الكفاءات، ومؤكد أننى أتفق معه فى ذلك كل الاتفاق، فقد عشنا عقوداً عديدة فى ظل أنظمة سياسية تبحث عن الأسوأ فى كل مجال وتضعه فى الصدارة. وهو نمط من الأداء يتسق مع قيادات سيئة كانت تميل فى كل الأحوال إلى اختيار الأسوأ، والأكثر تأكيداً أن الكثير من المصريين أحسوا بفارق كبير وهم يعاينون أداء المستشار عدلى منصور خلال فترة رئاسته المؤقتة للجمهورية، وكيف نجح فى إدارة واحد من أكثر المشاهد ارتباكاً فى تاريخنا بتؤدة واتزان، ثم سلم السلطة إلى الرئيس المنتخب، وعاد إلى موقعه ليمارس دوره فى هدوء.

أخبرنى المستشار عدلى منصور، فى المكالمة، بأنه استقر على قرار معين فيما يتعلق بالموضوع الذى أتناوله، وقد رجوته أن يراجع هذا القرار، ليس من أجل شخصه، ولكن من أجل الموضوع الذى نتحدث فيه. فمشاهد الارتباك تتطلب أكثر من غيرها الشخصيات المتزنة القادرة على بناء التوازن، وعلى وضع الأمور فى نصابها الطبيعى. وتقديرى أن هذا النمط من الشخصيات أصبح عملة نادرة داخل سوق السياسة فى مصر. هذه أول مرة أسعد فيها بالحديث مع المستشار الجليل عدلى منصور، وأعلم أننى لا أملك المساحة التى تمكننى من أن أطلب منه شيئاً، لكننى أتمنى عليه أن يراجع القرار الذى أخبرنى به.