«الإسكندرية».. 27 ألفاً و500 عقار.. و100 ألف قرار إزالة «دون تنفيذ»

كتب: هيثم الشيخ وحازم الوكيل

«الإسكندرية».. 27 ألفاً و500 عقار.. و100 ألف قرار إزالة «دون تنفيذ»

«الإسكندرية».. 27 ألفاً و500 عقار.. و100 ألف قرار إزالة «دون تنفيذ»

أكثر من 27 ألفاً و500 عقار صادر ضدها أكثر من 100 ألف قرار إزالة غير منفذ فى محافظة الإسكندرية، هى فاتورة عشوائية إدارة المدينة لعقود مضت، وكشفٌ طويل لكوارث ينتظرها أبناء عروس البحر الأبيض المتوسط. تنفذ الأجهزة المحلية بالإسكندرية ما يقرب من 70 قراراً شهرياً، كلما سلطت الأضواء على الأزمة عقب أى انهيار لعقار أو حدوث كارثة كبرى، ثم ما تلبث الأوضاع أن تعود إلى طبيعتها مرة أخرى، الأمر الذى يهدد حياة مئات الآلاف من المواطنين يومياً. {left_qoute_1}

وتسبب سوء الأحوال الجوية وما تبعه من انهيار عقارات قديمة بالإسكندرية، خلال الفترة الماضية، فى تصاعد وتيرة إصدار وتنفيذ قرارات الإزالة، إذ يصدر 5 قرارات إزالة يومياً من أحياء الإسكندرية المختلفة نتيجة وجود عقارات آيلة للسقوط، وتحتاج إلى ترميم. ومع تراكم قرارات الإزالة، وعدم تنفيذها بشكل كامل، تعود الأمور إلى نقطة الصفر مرة أخرى، وهو ما يؤدى إلى احتياج المحافظة إلى عشرات السنوات لتنفيذ تلك القرارات، لتصبح الإسكندرية خالية من العقارات الآيلة للسقوط.

ورصدت «الوطن» خريطة لأكثر المناطق التى تحتوى على عقارات آيلة للسقوط، فبداية من منطقة اللبان وبحرى بحى الجمرك، مروراً بمنطقة كرموز ومينا البصل، وصولاً إلى أبوقير ورأس التين، حيث تُعتبر تلك الأماكن قنابل موقوتة لما بها من عقارات آيلة للسقوط، نظراً لتهالك مبانيها، كونها أقدم مناطق بالإسكندرية. ولا يقع العبء الوحيد على الحكومة، فعلى الجانب الآخر يرفض أكثر من 80% من سكان العقارات الآيلة للسقوط والتى تحتاج إلى ترميم إخلاء منازلهم، وفقاً لمصدر بمحافظة الإسكندرية.

وقال مصدر بمحافظة الإسكندرية إن مسئولى الأحياء يصدرون 5 قرارات إزالة أو ترميم يومياً، إلا أن أكثر من 80% من تلك العقارات لم يُنفذ بها قرارات الإزالة أو الترميم، إما لتقاعس الجهات التنفيذية، أو رفض الأهالى ترك منازلهم. وأضاف المصدر أن عدد المنازل ذات الحالة الحرجة والخطيرة بالإسكندرية يصل إلى 15 ألف منزل تقريباً، من بين العقارات الصادر بحقها 27 ألفاً و500 قرار إزالة.

وتفاقمت أزمة العقارات الآيلة للسقوط فى الإسكندرية بسبب مياه الأمطار الغزيرة والسيول التى هطلت على الشوارع وأصابت المبانى بشروخ، وتسببت فى انهيار 26 عقاراً حتى الآن، ووفاة 8 وإصابة أكثر من 30 آخرين. ورفض سكان العقارات المتصدعة المغادرة، واضطروا إلى توقيع إقرارات رسمية فى دواوين الأحياء، بتحملهم مسئولية حياتهم وذويهم فى حال سقطت فوق رؤوسهم، فيما واصلت قوات «الحماية المدنية» محاولات الإنقاذ.

وتُعد مناطق حى غرب بالإسكندرية، التى تضم طابية صالح وكرموز والقبارى ومينا البصل، من المناطق المتقدمة فى خريطة المناطق المليئة بالعقارات الخطرة، وتحتوى على عدد كبير من العقارات الآيلة للسقوط، خاصة أنها تُعد من أقدم مناطق الإسكندرية، ويحتوى حى غرب على 475 ألف نسمة تقريباً. وقد شهدت المنطقة الشتاء الماضى عدداً من التصدعات والانهيارات الأرضية أدت إلى انهيار 4 منازل من المنازل العشوائية للأهالى، ما أدى إلى إصابة 5 أشخاص، نظراً لإخلاء البعض منهم أثناء الانهيار، بالإضافة إلى إنشاء العشش العشوائية للأهالى على أرض تكاد تكون مفرغة لوجود سراديب «جبانة مصر الغربية القديمة»، ويوجد بالمنطقة ما لا يقل عن 200 أسرة مهددة فى 10 بلوكات سكنية متجاورة.

وخلال الأعوام الثلاثة الماضية تعرضت منطقة كرموز إلى انهيار أكثر من 5 عقارات بشكل كامل، أدت لمصرع 3 أشخاص، وإصابة 10 أشخاص، إذ فى أواخر عام 2013 انهار عقار جزئياً فى منطقة كرموز، ما أسفر عن مصرع سيدة، وإصابة ابنتها بجراح، وقررت محافظة الإسكندرية إخلاء عقار مكون من 5 طوابق من السكان بمنطقة غيط الصعيدى، عقب سقوط أجزاء منه، فيما لقيت سيدة مصرعها فى انهيار عقار بمنطقة كرموز، كان قد صدر بحقه قرار إزالة لأكثر من مرة، ولكنه لم يُخل، بسبب إصرار أصحابه على عدم مغادرته، وانهار عقار مكون من 4 طوابق، خال من السكان، دون وقوع إصابات، بمنطقة المتراس غرب الإسكندرية.

وقال مصدر من حى غرب بالإسكندرية إن منطقة كرموز تحتوى على أكثر من ألف عقار صادر بحقها قرارات إزالة، وذلك بالإضافة لوجود أعداد كبيرة من قرارات الترميم الصادرة للعديد من العقارات. وأخلت عمليات محافظة الإسكندرية العقار رقم 66 شارع المناشى دائرة قسم شرطة كرموز بعد انهيار أجزاء منه وتصدعه بسبب الأمطار، حيث انتقل مأمور وضباط القسم وقوات من إدارة الحماية المدنية بمعداتها، وبالفحص تبين أن العقار مساحته حوالى 75 متراً تقريباً، مكون من ثلاثة طوابق بكل طابق شقة واحدة «بناء قديم، ملك محمد عزيز، وخال من السكان عدا شقة واحدة»، وسقوط سقف الطابق الثالث وسلم العقار دون حدوث إصابات أو تأثير على العقارات المجاورة. وتم إخطار عمليات المحافظة وحى غرب، وأشار مهندس الحى بإخلاء العقار من السكان دون المنقولات لحين العرض على لجنة المنشآت الآيلة للسقوط. تم وضع الحواجز الحديدية حول العقار لتأمين المارة، وتحرر المحضر إدارى قسم شرطة كرموز.

وبمنطقة مينا البصل والمتراس لقى طفل مصرعه وأصيب 4 أشخاص فى انهيار العقار رقم 8 بشارع ورشة الموازين القديم، وبالفحص تبين أن العقار محل البلاغ مساحته حوالى 80 متراً مربعاً «بناء قديم» مكون من ثلاثة طوابق بكل طابق شقة «مشغول بالسكان». ولم تخلُ منطقة حى وسط بالإسكندرية من انهيارات العقارات، حيث كان لها نصيب كبير، خاصة بعدد من المناطق مثل منطقة محطة مصر ومحرم بك، والتى شهدت خلال السنوات الماضية انهيار أكثر من 10 عقارات، حصدت خلالها أرواح أكثر من 4 أشخاص.

وتدخلت قوات الحماية المدنية لإنقاذ أهالى شارع أبوحيان بمنطقة الرمل أول، بعد سقوط أجزاء من عقار يقطنونه، ما تسبب فى انقطاع كابل الكهرباء وسقوطه فى الماء، وذلك بعد تلقى اللواء أحمد عبدالجليل حجازى، مساعد وزير الداخلية لأمن الإسكندرية، بلاغاً من مأمور قسم شرطة أول الرمل بسقوط أجزاء من العقار خلف 25 شارع أبوحيان دائرة القسم. وانتقل مأمور وضباط القسم وقوات من إدارة الحماية المدنية بمعداتها إلى موقع الحادث، وبالفحص تبين أن العقار مكون من ثلاثة طوابق «بناء قديم، خال من السكان» وسقوط سقف حجرة بالطابق الأخير حتى سطح الطابق الأرضى، مما أدى لقطع كابل الكهرباء المعلق على حائط العقار دون حدوث إصابات. وتم إخطار غرفة عمليات المحافظة وحى شرق وشركة الكهرباء لإصلاح الكابل ووضع الحواجز الحديدية حول العقار لتأمين المارة، وتحرر عن ذلك محضر إدارى قسم شرطة أول الرمل.

وانهارت 3 عقارات دفعة واحدة فى ذلك التاريخ؛ حيث انهار عقار غربال المكون من 5 طوابق، ثم كشفت سجلات بلاغات إدارة الحماية المدنية فى الإسكندرية عن تلقيها بلاغين بانهيار عقارين آخرين فى مساء اليوم ذاته، أحدهما فى منطقة الرمل، والآخر فى منطقة اللبان، ليصل إجمالى المصابين فى انهيار العقارات الثلاثة إلى 5 مصابين.

وأشار مهندس الحى إلى صدور قرار هدم رقم 10/2006، وإخلاء العقار وكذا إخلاء العقارين المجاورين رقمى 23- 27 من السكان دون المنقولات لحين العرض على لجنة المنشآت الآيلة للسقوط، إلا أنهم رفضوا الإخلاء وقرروا الإقامة على مسئوليتهم. تم وضع الحواجز الحديدية حول العقار لتأمين المارة، وتحرر المحضر إدارى قسم شرطة محرم بك. ولقى شخص مصرعه وأصيب 5 فى انهيار عقار مكون من 3 طوابق تسكنه 3 أسر، بمنطقة محرم بك.

وخلال الأعوام الماضية شهدت محافظة الإسكندرية انهيار عقارات تركت علامة كبيرة، ومن بينها عمارة الموت، ففى 2007 أدى انهيار أحد العقارات بمنطقة لوران بالإسكندرية إلى مقتل 36 شخصاً وإصابة 3 مواطنين، وصدر حكم ضد مالكة العقار، هانم مصطفى العريان، بالسجن المشدد لمدة 17 عاماً. وقالت منال أحمد، صاحبة منزل أبى قير المنهار جزئياً يوم 3 من شهر نوفمبر الحالى: «مسئولين الحى كل شوية ييجوا يقولولنا رمموا البيت أو أخلوه لحد ما يترمم، واحنا ناس أصلاً مش بنلاقى نجيب العشا، ولو معانا فلوس عشان نرمم، كان زمانا رحنا أجّرنا شقة جديدة، بدل رعب الموت فى أى وقت».

وتابعت السيدة منال، التى لا ترى حولها سوى جيرانها الذين توفوا تحت أنقاض منزلهم: «كل البيوت حوالينا محتاجة ترميم فى منطقة أبوقير، يعنى أكثر من 10 آلاف شخص مهددين بالموت، والحى بيقولنا رمموا يا إما تطلعوا من المنازل، ولو فيه واحد من الـ10 آلاف شخص معاه فلوس كان زمانا اتحركنا». وقال رمضان عبدالله، صاحب أحد المنازل المهددة بالانهيار بمنطقة كرموز، والذى سقط أجزاء من السقف والسلالم الخاصة به يوم 1 نوفمبر الحالى: «المنطقة كلها جالها قرار بترميم أو إزالة المنازل، دون وجود أى حل للناس، يعنى إحنا نطلع من بيوتنا نروح فين؟». وأضاف رمضان أن الحكومة ورؤساء الأحياء يقررون فقط إزالة أو ترميم المنازل، ولكن لا يوجد منازل بديلة أو مساكن لإيواء الأهالى أصحاب المنازل المنكوبة.

وقال أحمد مصطفى، الساكن فى أحد المنازل المكونة من 3 أدوار وبه شروخ كبيرة فى دائرة العطارين، والصادر ضده قرار بالإزالة: «لو طلعنا نروح فين؟، مفيش مكان غير فى الشارع، والحى قال لنا قبل كده مكانكم فى الشارع، والحكومة ماعندهاش أماكن لإيواء الأهالى». وأضاف مصطفى، بكلمات خائفة: «مش هنطلع من المكان ولو متنا فى بيوتنا، أحسن ما نموت فى الشارع من البرد، أو نموت متكهربين»، وقال رامى سعيد، صاحب أحد المنازل المنهارة جزئياً فى منطقة المنشية: «الإسكندرية تواجه كارثة فى المنازل التى تحتاج إلى ترميم أو إزالة، ومفيش حد عايز يرمم أو يزيل، لأن مفيش فلوس».

وقالت أسماء ياسين، صاحبة أحد المنازل بمنطقة بحرى: «لما نلاقى لقمة ناكلها فى يومنا، نروح نرمم بيوتنا، أو نطلع نروح نقعد فى شقق تانية، بس منين؟ ولا الحكومة عندها أماكن، ولا احنا معانا فلوس، وكده هنموت وكده هنموت، على الأقل نموت فى بيوتنا». وتابعت: «جالنا لحد دلوقت 3 قرارات ترميم، وصاحب البيت مش عايز يرمم، ولا احنا معانا فلوس، ومفيش حل غير إننا نفضل قاعدين لحد ما قضاء ربنا ييجى». وأضافت: ننتظر الموت ردماً تحت الأنقاض أفضل من الغرق أو الصعق فى الشوارع، والمسئولين بينفذوا أوامر وبس من غير ما يحسوا بينا، ومفيش أحنّ من ربنا.

 

 

إحدى محاولات البحث عن ناجين تحت الأنقاض


مواضيع متعلقة