«سد النهضة»: السودان يخالف «اتفاقية 1959» بالتنسيق فى قضايا المياه

كتب: محمد أبوعمرة

«سد النهضة»: السودان يخالف «اتفاقية 1959» بالتنسيق فى قضايا المياه

«سد النهضة»: السودان يخالف «اتفاقية 1959» بالتنسيق فى قضايا المياه

منذ وضع حجر أساس سد النهضة الإثيوبى فى أبريل 2011 وإعلان التفاصيل المتعلقة بأبعاده وحجمه، وآثاره السلبية، ومحاولات تفسير مواقف الجانب السودانى، لا تتوقف، لتباين دوره من الخلافات الدائره خلال مفاوضات السد بين مصر وإثيوبيا، ففى الوقت الذى تقف فيه القاهرة حائط صد أمام أطماع أديس أبابا فى مياه نهر النيل، باعتبار أن «السد» هو المنشأ الأكبر فى حوض النيل وأفريقيا، اختارت الخرطوم أن تلعب دور الوسيط أحياناً والمدافع عن مواقف أديس أبابا فى كثير من الأحيان، مخالفة اتفاقية 1959 لتقاسم حصص المياه الموقعة بين مصر والسودان، التى تنص على التنسيق المشترك فى وضع استراتيجية التعامل مع أى أزمات تطرأ فى حوض النيل. {left_qoute_1}

موقف السودان الحقيقى كشفته تصريحات الرئيس السودانى عمر البشير عام 2013 فى خطاب جماهيرى عقب تدشين شبكة الربط الكهربائى مع إثيوبيا، حينما أكد مساندة حكومته للموقف الإثيوبى بشأن بناء سد النهضة، وقال إن حكومته تساند إثيوبيا فى إنشاء هذا السد، إلا أنه وعقب قيام ثورة يونيو، تغير الموقف للمراوغة، فيما يشبه اتفاقاً ضمنياً بين البلدين، على إضاعة الوقت والفرص على مصر للخروج بحل يرضى كافة الأطراف فى الوقت الذى لا تتوقف يد البناء عن استكمال السد.

يشبه الدكتور نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والرى الأسبق، الموقف السودانى بلعبة الكراسى الموسيقية، حيث يختار السودان الكرسى المناسب وفقاً لمصالحه، لافتاً إلى أنه فى الوقت الحالى فإن مصالح الخرطوم تتسق مع أديس أبابا، حيث يلعب السودان دور الوسيط إن لم يكن الداعم لإثيوبيا، وهو الأمر الذى يخالف اتفاقية 1959 الخاصة بتقسيم حصص المياه، والبند الخاص بالتزامها بالشراكة الاستراتيجية مع كل الأزمات التى قد تطرأ فيما يتعلق بقضايا المياه فى حوض نهر النيل، وهو الأمر الذى كان يجب على القيادة السياسية أن تتمسك به وأن يكون الموقف موحداً من خلال الهيئة الفنية المشتركة، فأضرار السد ستقع على البلدين، خاصة المتعلق منها بتقاسم أى نقص فى المياه قد يطرأ فى المستقبل، وهو الأمر الذى يتوقع حدوثه عقب بدء الملء فى تخزين بحيرة السد العام المقبل، مضيفاً أن كل ذلك قد يكون وراء بعض مظاهر إساءة العلاقات المصطنعة والخاصة بقضايا التعذيب ومثلث حلايب وشلاتين، وذلك للهرب من تلك الالتزامات، فى المستقبل القريب.

وقال الدكتور مغاورى شحاتة، الخبير الدولى فى المياه، إن النظام الحالى فى السودان يبحث عن مصالحه الآنية فقط، ولا يملك أى رؤية مستقبلية تتعلق بتأثير السد فى المستقبل على بلاده، وهو ما أوضحته الدراسات الفنية للجنة الأولى التى انتهت من تقريرها فى مايو 2013، مضيفاً أن مؤتمراً عقد فى بيروت العام الماضى حول السد كشف فيه رئيس الوفد التفاوضى السودانى الدكتور سيف حمد أن بلاده سوف تستصلح ملايين الأفدنة عقب الانتهاء من بناء السد، وأن السودان ظُلم حينما تم بناء السد العالى ولم يأخذ حصته من بحيرة ناصر، وهو ما لن يتكرر فى أزمة سد النهضة.

وفيما يتعلق بالموقف السودانى الحالى أكد مغاورى أن الأزمة مع مصر الخاصة بالتعذيب وحلايب وشلاتين «مصطنعة» وتم تنظيمها من قبل النظام السودانى، حيث ترغب الحكومة الحالية فى وجود أزمة حقيقية، بينما تتمنى مصر التهدئة لتحقيق المصالح الاستراتجية بعيدة المدى للبلدين، وتقليل أى ضرر قد ينتج عن السد فى المستقبل من خلال نتائج اللجنة الوطنية التى لم تستكمل دراساتها بسبب الموقف الإثيوبى المتعنت والموقف السودانى الداعم له.

وكشف مغاورى عن الأسباب الحقيقية للتصعيد السودانى واختلاق الأزمات، ولفت إلى أن الأيام الماضية شهدت تحركاً «إثيوبى سودانى» لتبادل المنفعة بينهما من خلال التكامل الاقتصادى على أسس زراعية فى منطقة القضارف شرق السودان، حيث تستولى «أديس أبابا» على مليون فدان سيتم زراعتها بشكل مشترك بالاستعانة بمياه سد النهضة، وهو طرح جديد حيث تسعى أديس أبابا للاستفادة من السد فى الزراعة، رغم إعلانها المتكرر أن الهدف من إنشائه يقتصر على إنتاج الكهرباء فقط، مضيفاً أن أحد أسباب التقارب «الإثيوبى السودانى» على حساب مصر يرجع إلى وجود أهداف عليا لدى نظام البشير فى فك الحصار الاقتصادى المفروض عليه من خلال التعاون مع هذا البلد فى مجالات الطاقة واستغلال كهرباء السد، وزراعة الحدود وهو عرض تقدمت به الحكومة الإثيوبية لنظام البشير وتمت الموافقة عليه، وشدد على أن مصر تتمسك بحقوقها فى مياه النيل وعلاقاتها مع السودان بالرغم من حملة الكراهية المنظمة من قبل النظام السودانى الحالى، لأن المسألة لا تتعلق بالبشير ولكن بشعبى وادى النيل المهددين بفعل سد النهضة وأطماع إثيوبيا فى المياه. وطالب «شحاتة» الرئيس عبدالفتاح السيسى بالاستعانة باللجنة الدولية الأولى لتقييم آثار السد التى انتهت من دراساتها فى مايو 2013، وإسناد مهمة تنفيذ الدراسات إليها، حيث ترتضيها جميع الأطراف المصرية والسودانية والإثيوبية، على أن تتنازل الدول عن إسناد تنفيذ الدراسات الهيدروليكية والبيئية والاجتماعية إلى مكتب استشارى، وذلك وقفاً لهدر الوقت والأزمات التى يفتعلها الجانب الإثيوبى، على أن تطالب مصر بوقف السد فى المرحلة الأولى ولا يتم البدء فى المرحلة الثانية إلا بالاتفاق بين الدول، مع عرض إسناد مهمة توفير الكهرباء التى مقرر أن ينتجها سد النهضة من خلال شركة سيمنز الدولية التى سدت العجز للكهرباء فى مصر وعلى نفقة حكومتها.

 


مواضيع متعلقة