هزيمة المستثمرين فى مصانع «برج العرب»

كتب: محمود عبدالرحمن

هزيمة المستثمرين فى مصانع «برج العرب»

هزيمة المستثمرين فى مصانع «برج العرب»

تسبب انقطاع المياه عن المنطقة الصناعية فى مدينة برج العرب بمحافظة الإسكندرية، على مدار الأسبوعين الماضيين، فى توقف العمل داخل 1340 مصنعاً من إجمالى 1900 مصنع هى مجموع المصانع العاملة بالمنطقة، وتقدم المسئولون عن أحد عشر قطاعاً صناعياً يعتمد على المياه بشكل رئيسى فى عمله، بمذكرات جماعية إلى القائمين على شركات مياه الشرب والصرف الصحى، والإدارات المحلية، ووزارة الإسكان، دون فائدة، بعد عودة المياه محملة بنسب أملاح تفوق المعدل الطبيعى بـ3 آلاف ضعف، ما يجعل ماكينات التحلية داخل المصانع تعجز عن إعادة ضبطها. «الوطن» زارت المنطقة الصناعية بمدينة برج العرب، ورصدت توقف العمل داخل مصانع الأغذية والعصائر واللحوم وغيرها، إضافة إلى إعطاء بعض أصحاب تلك المصانع إجازة مفتوحة للعمال لديهم.

أحد المصانع المتوقفة عن العمل نتيجة انقطاع المياه

 

يقول هشام سلطان، مدير عام جمعية مستثمرى برج العرب، إنه اضطر إلى التهرب من أصحاب المصانع والمستثمرين لعدم قدرته على وضع حلول مناسبة وسريعة مع شركة المياه من أجل وقف نزيف الخسائر التى تخطت ملايين الجنيهات يومياً لكل مصنع، دون أن يتواصل أحد من المسئولين مع المتضررين، والاكتفاء بالتصريحات الإعلامية فقط، الأمر الذى قد يتسبب فى جعل مدينة برج العرب طاردة للاستثمار، نتيجة تراكم المشكلات بها من صرف صحى وكهرباء.

{long_qoute_1}

ويقول «سلطان»: «انسداد مواسير الصرف الصحى خلال أزمة غرق الإسكندرية تسبب فى اختلاط مياه الشرب الحلوة بمياه الصرف الصحى، وبدلاً من أن يقدم المسئولون حلولاً سريعة لمواجهة الأزمة قطعوا المياه، ما اضطر أصحاب المصانع للإخلال بمواعيد طلبيات التصدير وإلغاء أخرى، نتيجة عدم قدرتهم على الإنتاج، ودفع رواتب آلاف العاملين لديهم على الرغم من توقفهم عن العمل».

الأزمة طالت الأهالى والمقيمين بالمنطقة، حيث أكد مدير جمعية مستثمرى برج العرب أن سعر زجاجة المياه المعدنية وصل إلى 8 جنيهات، بعد فشل سيارات المياه التابعة لجهاز مدينة برج العرب فى حل الأزمة، وأصبح من مهام أصحاب المصانع توفير مياه شرب نظيفة وصالحة للاستهلاك الآدمى لآلاف العمال لديهم.

وقال كريم أبوحديد، مدير عام بأحد المصانع الغذائية بمنطقة برج العرب، إن العمل داخل المصنع متوقف منذ 5 نوفمبر الحالى نتيجة انقطاع المياه بشكل كامل، وأضاف: «بعد عودتها اكتشفنا أن حجم الأملاح بها يرتفع إلى 3500 درجة على الرغم من أن معدلها الطبيعى يتراوح بين 250 و300 وحدة فقط، ما يعنى أنها وصلت لحد السمية القاتلة، لذا تصبح غير صالحة للاستهلاك الآدمى وكذلك التصنيع، لأنها مياه صرف صناعى صريحة».

كريم أبوحديد

 

محاولات تشغيل المصنع الذى يعمل به «أبوحديد» باءت بالفشل، نتيجة تفاقم أزمة الأملاح، ما يجعل أجهزة التحلية عاجزة أمامها، لذا اتجه لتشكيل لجنة من مهندسى الجودة داخل المصنع تكون مسئوليتها التواصل مع محطة المياه الموجودة بالكيلو 41 بشكل متكرر خلال اليوم الواحد، خاصة بعد إلغاء 28 طلبية محلية وخارجية لعدم قدرة المصنع على استيفائها، بعد أن بات الرصيد فى المخازن «صفراً»، بجانب مطالبة العملاء بدفع غرامات وأرضيات كونتنرات تحميل البضائع فى الموانئ، وأضاف: «تواصلنا مع المعامل المركزية وأبدينا مساعدتنا لهم حتى ننهى الأزمة التى عصفت بـ90% من مصانع المنطقة منذ يوم 4 من الشهر الحالى ولا تزال مستمرة حتى الآن، لكنهم لم يبدوا موافقتهم أو رفضهم، على الرغم من عدم قدرتهم على حل الأزمة، ما يجعل تشكيل لجنة تضم مسئولين من الصرف الصحى والصرف الزراعى والرى ضرورة ملحة مع البدء بأقصى سرعة فى وضع حلول حقيقية تترجم على أرض الواقع، ومن ثم البحث عن المتسبب فى الأزمة».

{long_qoute_2}

18 مصنعاً متخصصاً فى اللحوم، والفراخ، والخضار، والمرقة، والألبان، والعصائر، توقفت بشكل إجبارى عن العمل لمدة 15 يوماً، فى ظل وجود أقساط على الماكينات، التى تدبر من أرباح التصدير الخارجى والتسويق المحلى الذى توقف أيضاً، وينتظر دفع تعويضات عن تأخير مواعيد التسليم، فى ظل غياب الجهات المعنية التى رأت أن الأزمة تتمثل فى انهيار جسر يحتاج إلى تعديل، وهذا يتم من خلال قطع المياه لحين الانتهاء من الإصلاح، دون مراعاة كم الخسائر التى تكبدتها الشركات والمصانع نتيجة تقاعس بعض الموظفين عن أداء أعمالهم.

أكثر ما يثير قلق المهندس هشام عبدالعظيم، مدير عام أحد مصانع العصائر بالمنطقة الصناعية بمدينة برج العرب، هو اختفاء المنتجات من الأسواق المحلية وتعطل جميع الخدمات الملحقة بالمصنع من بيع ونقل وتوزيع بالكامل، بالإضافة إلى توقف التصدير بنسبة 100%، ما يعنى ضياع 50% من قوة العمل بالمصنع المتعلقة بالأسواق العالمية. وأضاف «عبدالعظيم» أن تعاقدات التوريدات التى وقعت مسبقاً مع فنادق وهايبرات وتجار الجملة وتجزئة تجىء بالسلب فى حالة الإخلال بالتعاقد أياً كانت الأسباب، حيث يتم إلزامنا بدفع غرامات تأخير، وعلى الرغم من كم الخسائر الكبيرة التى نتعرض لها بشكل يومى فإننا لا نعرف حتى الآن موعد انتهاء الأزمة بشكل نهائى، لذا فالأمر يتطلب تحركاً سريعاً من قبَل الجهات المختصة لأن الأزمة طالت مدينة برج العرب والعامرية، فى ظل عدم وجود محطات تحلية مياه فى غالبية المصانع التى تتعامل مع مياه الحكومة بشكل مباشر.{left_qoute_1}

روشتة إنقاذ 1900 مصنع فى المنطقة الصناعية بمدينة برج العرب فى الإسكندرية من المشكلات العديدة التى ضربتها على مدار الأعوام الماضية وحولتها إلى مدينة طاردة للاستثمار وليست جاذبة له، من وجهة نظر الدكتور طارق جاد، نائب رئيس جمعية المستثمرين، وصاحب مصنع منتجات بلاستيكية، الذى ينصح بضرورة القضاء على ظاهرة تعدد الوزارات التى يتعامل معها المستثمر مثل وزارات «الصناعة والاستثمار والبيئة»، إضافة إلى هيئة المجتمعات العمرانية، واعتماد تطبيق نظام الشباك الواحد الذى تحدث عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة، للقضاء على ظاهرة «تطفيش المستثمرين بشكل ممنهج».

ثانى الحلول السريعة الواجب على الحكومة تنفيذها من وجهة نظر «جاد» لتشجيع عمليات الاستثمار فى مصر، يتمثل فى توسيع سلطات المسئولين فى أجهزة المدينة المختلفة واعتمادها كمسئول رئيسى عن الأوراق الخاصة بالاستثمار، والبت فى الطلبات المقدمة إليها، خلال فترة زمنية قصيرة، ويقول: «ليس من المعقول أن تقتصر مهام مجالس المدينة على إرسال واستقبال الأوراق من وإلى الوزارات المختلفة، ويجب أن تنشأ مكاتب تابعة للوزارات داخل كل منطقة صناعية على حدة، بحيث لا يضطر المستثمر إلى الخروج من محيط المنطقة التى يرغب فى العمل بها، مع ضرورة إجراء تعديلات إجراءات استخراج رخص التشغيل، التى تعد السبب الرئيسى فى هروب المستثمرين المصريين قبل الأجانب».{left_qoute_2}

يرى نائب رئيس جمعية المستثمرين بمدينة برج العرب ضرورة إسناد عمليات الصيانة الخاصة بـ«الغاز والكهرباء والمياه والصرف الصحى وشبكات الطرق» إلى أجهزة المدن العمرانية؛ لأنها الأجدر على حلها من ناحية، وتمتلك أسطولاً كبيراً من الفنيين والعمال لديهم الخبرة الميدانية منذ بدء العمل بالمنطقة الصناعية ويعرفون كل صغيرة وكبيرة عنها، وعدم تركها للمحليات التى تسببت فى تحويل المعدات إلى قطع خردة نتيجة الإهمال وعدم انتظام إدارتها.

ذهبنا إلى مقر شركة مياه الشرب والصرف الصحى بمدينة برج العرب، إلا أن كل العاملين بها رفضوا الحديث بحجة وجود تعليمات مشددة من الشركة بعدم الإدلاء بأى تصريحات أو معلومات إلا بعد الرجوع إلى المركز الإعلامى بها، وبعد عدة محاولات قال أحد المسئولين بفرع الشركة -طلب عدم ذكر اسمه- إن سبب الأزمة يرجع إلى اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحى والزراعى، نتيجة تقارب مساراتهم، وتسبب فى ذلك انسداد شبكات الصرف الصحى خلال غرق الإسكندرية، الأمر الذى دفع بهم إلى قطع المياه لحين التمكن من وضع حلول سريعة.

وأضاف المصدر: «على الرغم من أن برج العرب تعد مدينة حديثة الإنشاء فإن غالبية الشبكات الخدمية بها متهالكة وتحتاج إلى ميزانية ضخمة لإعادة تجديدها، وعلى الرغم من ذلك بذل العاملون فى الشركة أقصى جهودهم لتقليص حجم المشكلة وإعادة تدوير المصانع والعمل بها، ولكن انشغال المسئولين فى الوزارات المختلفة بإلقاء وتبادل الاتهامات عن المتسبب فى حدوث المشكلة، جعل الجميع يعزف عن بدء العمل ووضع حلول حتى لا يتم التعامل معه على أنه المتهم الرئيسى».

وعن احتمالية تكرار أزمة انقطاع مياه الشرب عن المنطقة الصناعية مرة أخرى، أكد المصدر أنه لم يتم الانتهاء بعد من وضع حلول نهائية لتسرب مياه الصرف الصحى والزراعى إلى شبكات مياه الشرب، وهذا يعد السبب الحقيقى فى ارتفاع نسب الأملاح والكلوريدات بها.

 


مواضيع متعلقة