التضامن للأقوى!

لم يثر انتباهى ذلك التطبيق الجديد الذى أطلقه موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» -والذى يتيح للمستخدم أن يحول صورته الشخصية إلى علم فرنسا تضامناً مع حادث تفجيرات باريس- بقدر ما أثار انتباهى ذلك الجدل الذى دار بين مستخدمى الموقع من العرب تحديداً بشأنه! يبدو أننا لن نتوقف عن الجدال مطلقاً!

كان مستخدمو الموقع الشهير من العرب قد استنكروا انحياز القائمين عليه لضحايا تفجيرات باريس، على الرغم من حدوث تفجيرات وكوارث عديدة فى أكثر من دولة فى الفترة الأخيرة، ومنها العديد من الدول العربية تحديداً، إنهم يتحدثون من منطق «إشمعنى» أو بعبارة أكثر تهذيباً «لماذا فرنسا وليس لبنان والعراق وسوريا واليمن؟!».

إنه الاعتراض الأشهر عبر التاريخ، لماذا فزعت أمك حين أصيب أخوك الأصغر ولم تفزع حين أصبت أنت؟! لماذا ابتسم مدرس الفصل لصديقك ولم يفعل حين رآك؟ لماذا قام الزملاء بتعزية زميلكم حين توفيت والدته ولم يفعلوها حين توفى والدك؟! كلها أسئلة مشروعة ومنطقية، ولكنها الترجمة العملية لعقدة الشعور بالنقص والاضطهاد الشهيرة، التى يعرفها كل طبيب نفسى فى مقتبل حياته!

والواقع أننى تأملت الجدل الدائر على موقع التواصل الاجتماعى الأشهر باستمتاع شديد، فكل فريق كان يمتلك مبرراته التى تبدو مقنعة بالفعل، ولذا فوجودك فى أى من الجانبين سيجعلك تقتنع أنك على حق، سيحتاج الأمر لقدر كبير من الحياد لتتمكن من رؤية الطرفين من منظور الطائرة الشهير، كما فعلت أنا هذه المرة!

الطريف أن مبرراً واحداً لم يلتفت إليه أحد كان هو السبب الحقيقى من وجهة نظرى لتضامن الموقع مع فرنسا وتجاهله لباقى الدول العربية المنكوبة، الإجابة كانت فى صورة حائرة انتشرت منذ أيام على نفس الموقع الشهير، إنها يافطة رفعها متظاهرون فرنسيون احتجاجاً على التفجيرات، لقد حملت جملة واحدة «لقد قررنا مقاطعة منتجات العرب.. ولكننا اكتشفنا أنهم لا ينتجون شيئاً»!!

اللوحة قاسية للغاية، ربما كانت أقسى ما قرأت ضد العرب منذ عقود، وربما كانت تحمل إهانة تفوق بمراحل ما كان سيفعله أى تصريح يحمل سباباً صريحاً واضحاً للعرب أو حتى اتهاماً مباشراً للإسلام فى هذه الحادثة أو غيرها من الحوادث الإرهابية التى أصبحت تتكرر باطراد خلال السنوات الأخيرة.

لقد أنكر البعض الصورة وذكر البعض الآخر أنها مزيفة، والواقع أننى لا أعرف إن كانت الصورة حقيقية أم تم تركيبها «بالفوتوشوب»، ولكن فى كل الأحوال تظل حقيقة مؤلمة!!

نعم نحن غير مهمين بالمرة، لا للقائمين على الموقع الشهير ولا لغيرهم أيضاً، نحن غير مهمين لأحد، فنحن لا ننتج شيئاً يمكن مقاطعته، ولا نملك -باستثناء البترول الخام- ما يهم أحداً، ولذا فغضبنا لإهمال موقع مثل «فيس بوك» لنا لا يعنى لهم شيئاً، حقيقة قاسية ولكنها تظل حقيقة!

الأمر لا يتعلق بعنصرية من أى نوع، ولا تفضيل لفرنسا عن اليمن مثلاً، الأمر لا علاقة له بتفرقة بين الدماء الزرقاء الباريسية التى أريقت منذ أيام وبين الدماء العربية الساخنة التى تراق يومياً فى سوريا، فقط إنها حسابات السوق القاسية، باريس مهمة للعالم بأكمله، إنها عاصمة للحضارة والفنون، فضلاً عن مركزها الاقتصادى الذى يهم الجميع بكل تأكيد، ولكن سوريا لا تهم سوى السوريين، وربما بعض العرب الذين ما زالوا يصدقون أسطورة الحلم العربى، والذين يستمعون إلى أغنية وطنى الأكبر للموسيقار محمد عبدالوهاب بشغف حقيقى حتى الآن، إنهم كنز بالفعل!!

لا أزعم أننى لم أحزن حين شاهدت العالم كله يتضامن مع فرنسا، بينما لا يذكر أحد ما حدث ويحدث يومياً فى بلادى، ولكننى أستطيع أن أتفهم ما يفكر فيه المواطن الغربى الذى لم ير من العرب سوى أنهم مجموعة من الإرهابيين، وأستطيع أيضاً أن أتنهد ارتياحاً لأنهم لن يقاطعوا منتجاتنا، لأننا ببساطة لا ننتج شيئاً!