عندما يرتفع الستار عن البرلمان

المشهد الأول

يرتفع الستار على حملة إعلامية ضارية على حزب النور استبقت الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية، شملت معظم القنوات، وأكثر الصحف التى دشنت مانشيتاتها الكبرى عناوين تلك الحملة، فى الوقت الذى أغفلت فيه كل القضايا المهمة، مثل: الانتفاضة الفلسطينية فى القدس والضفة وعمليات الإعدام الميدانى للفلسطينيين فى القدس تحت سمع وبصر الجميع. ربطت الحملة كثيراً بين حزب النور و«داعش»، وأنهما سواء لا فرق بينهما.. لكن أبت الأقدار إلا أن تكذّب هؤلاء وتنطق بغير ما يقولون، فبعدها بأسبوع قام دواعش سيناء بقتل الأمين العام للحزب ومرشحه بالعريش «د. مصطفى عبدالراضى»، وهو صائم، ليشكو إلى الله ظلم الدواعش للجميع، جيشاً وشرطةً وقبائل وإسلاميين.. ويشكو معها عدم الإنصاف.

المشهد الثانى

شاب قاهرى توفى جده المعروف بالمنطقة، رأى وهو جالس فى شادر العزاء، مجموعة من المسجلين الخطرين بالمنطقة حول أحد المرشحين للبرلمان يدخلون العزاء.. ثم دخل مرشح آخر ومعه مجموعة أخرى من المسجلين الخطرين.. سأل عن الأمر، فقيل له: هؤلاء وكلاؤهم بالمنطقة، وهم الذين يأخذون عشرات الآلاف من الجنيهات لترتيب الأمور الانتخابية، قال: وهل إذا احتجت إلى هذا المرشح بعد نجاحه سيكون هؤلاء هم وسطاؤه؟ قيل له: نعم.. قال: لم أكن أعرف شيئاً عن المرشحين، لكننى عرفتهم من هذه المجموعة التى لها أسوأ سمعة فى المنطقة.. عزم على عدم الذهاب للتصويت هو وأسرته الصغيرة.. نجح المرشحان فى النهاية.

المشهد الثالث

تجمّع بعض الفقراء فى أحد الأحياء الشعبية الفقيرة بالإسكندرية انتظاراً لمندوب المرشح الذى حضر ومعه بعض الأوراق النقدية التى وزّعها عليهم، واصطحبهم فى أوتوبيس إلى مقر اللجنة، حيث أدلوا بأصواتهم ثم عاد بهم.. كان منظر الميكروباصات والأوتوبيسات عند شادر المرشح لافتاً ويراه الجميع ومنظر النسوة الفقيرات وهن ذاهبات من شادر المرشح إلى اللجنة سعيدات بما أفاء الله عليهن من رزق ساقته الانتخابات إلى أسرهن.. وفى القاهرة نزل أتباع أحد المرشحين إلى منطقة فقيرة جداً، فأغرقوها بالأموال والفراخ.. وكان هذا اليوم من أسعد أيام المنطقة.. علم بعض الإعلاميين بذلك، لكن لم يجرؤ أحد حتى على التصوير أو النشر.

المال السياسى عاد بقوة ليزاول مهمته الأزلية فى الانتخابات البرلمانية المصرية.. مع زيادة التسعيرة، فأدناها مائة، وأعلاها خمسمائة جنيه فى المدن الكبرى.. أما الزيت والسكر فقد اختفى لتحل الفراخ بدلاً منه.. وبسطاء الناس لا يستفيدون من الانتخابات إلا هكذا قبل أن يختفى المرشح تماماً وتختفى معه الأوراق النقدية والفراخ.

المشهد الرابع

كان الشعب المصرى يشكو أيام الرئيس الأسبق «مبارك»، من تزوير الانتخابات، وتسويد البطاقات، وتدخّل الجهات الحكومية مباشرة فى التصويت والصناديق ووجود البلطجية باللجان وأعمال العنف الجنائى بين أتباع المرشحين.. وفى الانتخابات البرلمانية الأخيرة التزمت الحكومة التزاماً صارماً بعدم التدخل فى التصويت، وعدم اللعب فى الانتخابات، وقد صدقت فى ذلك.

وأشرف القضاء تماماً على كل المراحل الانتخابية، ومنع الجيش والشرطة البلطجية من الاقتراب من اللجان، ولم تحدث أعمال عنف جنائية أو سياسية.. واكتفت الأجهزة المعنية بالتأمين دون دخول اللجان.. ولكن كانت هناك حالة عزوف من الناخبين عن الذهاب للتصويت.. وأكثر الفئات عزوفاً هم الشباب الذى يمثل نسبة 63% من قوة الناخبين.. وقد ظهر ذلك جلياً فى غياب الشباب من اللجان، فى الوقت الذى ذهب فيه أربعون ألفاً منهم لحضور تدريب فريق الأهلى مع مدربه الجديد.. وكأنهم يرسلون إشارة إلى أن الاهتمام بالكرة أضحى لديهم أهم وأكثر أماناً وأضمن وأسلم وأحكم من الاهتمام بالسياسة.. وأن السنوات الأربع الماضية لم تُبقِ رمزاً من رموز الوطن فى كل المناحى إلا وسفهته وحطمته ودمرته تدميراً.

المشهد الخامس

كل نواب البرلمان فى تاريخ مصر والأمم يبحثون عن مزيد من الصلاحيات، ويحاولون استخدام أقصى صلاحياتهم لمراقبة الحكومة والتشريع.. ورغم أن البرلمان المقبل سيكون أول برلمان فى تاريخ مصر كله يحظى بهذه الصلاحيات الواسعة جداً.. فإن معظم النواب يريدون تقليص صلاحياتهم والحد منها والتنازل عنها مجاناً ودون مقابل والعيش بلا صلاحيات تُذكر أو بأقل القليل.. وهذه من غرائب السياسة المصرية والبرلمانية.

المشهد السادس

يتهدج صوت بعض الإعلاميين هاتفاً: البرلمان المقبل أخطر وأعظم وأهم برلمان فى تاريخ مصر (وهذه لغة حنجورية تصلح لحقبة الستينات).. أما الخبراء فيتوقعون برلماناً ضعيفاً يعانى من عدم التجانس السياسى والاجتماعى والفكرى بين أعضائه.. ويؤكدون أنه سيخلو من برلمانيين عباقرة أمثال ممتاز نصار أو محمود القاضى أو إبراهيم شكرى أو خالد محيى الدين (الذين أعطوا ولم يأخذوا شيئاً).. وأنه قد لا يستوعب التغيرات والتحديات الاقتصادية والسياسية الهائلة التى تواجهها مصر والمنطقة والعالم.. لأنه يفتقر إلى الوفرة من السياسيين أو الاقتصاديين أو البرلمانيين أو القانونيين المخضرمين.

المشهد السابع

أطرف ما حدث فى المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية هو معدلات الكذب غير المسبوقة.. فقد اتُّهم د. عمرو الشوبكى بأنه «إخوان»، رغم أن الجميع يعرفه باشتراكيته وليبراليته ودخوله منافساً انتخابياً للدكتور عمرو دراج (أمين حزب الحرية والعدالة الإخوانى) عام 2012.. وقد أخرجا انتخاباتهما بصورة حضارية وقتها، رغم قسوة المنافسة التى انتصر فيها د. عمرو الشوبكى، لأن كليهما كان مهذباً مع الآخر.. وقد رفض «الشوبكى» خوض الانتخابات الأخيرة بأساليب ملتوية.. وكل من زامله وصادقه يعلم أن لسانه لم يتلوث يوماً بالفُحش.

وأعتبر أن «د. الشوبكى» قد انتصر فى هذه المعركة بأخلاقه السامية وعدم التردى فى حمأة الإسفاف والابتذال.. وكم دعوت مراراً إلى أن يظل العلماء والمفكرون بمنأى عن السياسة حتى لا يُشتموا ويهانوا أو ينالهم السباب والتفحش أو يضطر بعضهم إلى التفحش فى عالم لا يعترف إلا بطول الألسنة، لا بقوة العلم والفكر والإبداع.