انتقاد دولي محدود لاستهداف المستشفيات في اليمن وسوريا

كتب: أ ب

انتقاد دولي محدود لاستهداف المستشفيات في اليمن وسوريا

انتقاد دولي محدود لاستهداف المستشفيات في اليمن وسوريا

ضرب الصاروخ الأول مستشفى ميدانيا في بلدة سرمين السورية الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، ما أدى إلى مقتل أخصائي علاج طبيعي بداخله.

بعد 5 دقائق، عادت الطائرة وأطلقت صاروخا آخر بمجرد وصول أول المستجيبين، ليصل إجمالي القتلى إلى 13 قتيلا، في هجوم أنحى مسؤولو المستشفى باللائمة فيه على طائرات حربية روسية.

في اليمن، أدت غارات جوية شنها التحالف سعودي القيادة، يستهدف المتمردين الحوثيين بالأساس، إلى تدمير مستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود الخيرية الدولية، خلال الأسبوع الحالي.

وعلى الرغم من عدم سقوط قتلى جراء القصف، كان المستشفى آخر ضحية حملة أودت بحياة زهاء 3 آلاف شخص منذ مارس الماضي.

بيد أن تلك الغارات التي استهدفت المستشفيات قوبلت بانتقاد دولي على استحياء، في تناقض شديد مع رد الفعل إزاء غارة أمريكية وقعت في 3 أكتوبر وضربت مستشفى في أفغانستان، ما أدى إلى مقتل 30  شخصا، وانطلاق عاصفة من الانتقادات لواشنطن.

الأسباب وراء تباين ردود الأفعال كثيرة، وربما يكون السبب الأساسي حالة الملل العام من صراعي سوريا واليمن، لا سيما وأن الصراع الأول مستمر منذ ما يزيد على 4 سنوات، كما أن اليمن بلد فقير ومنعزل نسبيا ويشهد اضطرابات منذ أكثر من 10 سنوات.

وفضلا عن هذا، وبينما اعترفت الولايات المتحدة بسرعة نسبية بأنها شنت الغارة، واعتذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمنظمة "أطباء بلا حدود"، والتي تدير المنشأة أيضا، نفت روسيا والسعودية بشكل قاطع أن غاراتهما تستهدف مدنيين، كما أن الأوضاع على الأرض تجعل عملية التأكيد أكثر صعوبة، ما زاد الطين بلة بالنسبة للمنتقدين.

ونفت روسيا ضرب مستشفى سرمين، في الهجوم الذي وقع في 20 أكتوبر الحالي.

في السياق، قال سيلفان غرولكس، رئيس بعثة منظمة "أطباء بلا حدود في سوريا"، "بعد أكثر من 4 سنوات من الحرب، لا زلت مندهشا من الطريقة التي تستهزأ بها جميع أطراف هذا الصراع من القانون الإنساني الدولي، ولا يسعنا إلا أن نتساءل عما إذا كان هذا المفهوم قد مات أم لا".

أدى الصراع السوري إلى مقتل نحو ربع مليون شخص، وتحول إلى ما يبدو كمخاض لا ينتهي من الموت والدمار أمام أعين المتابعين بأرجاء العالم.

ودمرت مئات المنشآت الطبية خلال الحرب، كما قتل 670 من المشتغلين بالمجال الطبي منذ بدء الصراع في مارس 2011، وفقا لمنظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان".

أما الحرب في اليمن، فقد جذبت قدرا ضئيلا من الانتباه، رغم أن السعودية وحلفائها يشنون حملة جوية هناك منذ مارس الماضي؛ لدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي أجبره المتمردون الحوثيون على مغادرة البلاد لفترة وسيطروا على مساحات كبيرة منها.

وتشهد مناطق مدنية في اليمن قدرا كبيرا من العنف، وقالت الأمم المتحدة ومنظمة "أطباء بلا حدود" إن المستشفى الذي قصف الإثنين الماضي كان المنشأة الصحية الـ39 التي تقصفها الحملة الجوية.

قليل من حكومات العالم شعرت بشغف لانتقاد لفظي للقوة النفطية السعودية، لا سيما وأن كثيرا من الحكومات تستفيد من المساعدات أو الاستثمارات السعودية، فضلا عن هذا، حشدت السعودية الدعم لحملتها الجوية في اليمن، حتى من قبل الولايات المتحدة، عن طريق توضيح أن هدفها يتمثل في مواجهة نفوذ إيران التي تدعم الحوثيين.

وعلى سبيل المثال، في مصر، التي تعد رسميا شريكا بالتحالف سعودي القيادة، ثمة تغطية قليلة لحرب اليمن على شاشات المحطات التلفزيونية، وما يتم عرضه غير منتقد.

وفي هذا الصدد، قال زياد عقل، المحلل وعالم الاجتماع المصري، إن صمت الإعلام إلى جانب وجود نقص عام في المعرفة بشأن اليمن وتنامي الشعور المناهض للشيعة في البلاد، عوامل تزيد حالة اللامبالاة بشأن الحرب.

ويتناقض الصمت النسبي إزاء حصيلة القتلى في اليمن كذلك مع الانتقاد الحروب المتعاقبة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قطاع غزة.

تعرضت إسرائيل لانتقادات بسبب حصيلة القتلى المدنيين الكبيرة خلال حرب العام الماضي، حين سقط 2200 قتيل فلسطيني، بينهم 1400 مدني، وفقا للأمم المتحدة.

وقالت إسرائيل إن حصيلة القتلى المدنيين كانت أقل من العدد المعلن، وأنحت باللائمة على حماس في سقوط مدنيين، قائلة إن الحركة استخدمت المدارس والمستشفيات والمساجد والمناطق السكنية كغطاء لشن هجمات.

وغالبا ما تشكو الحكومة الإسرائيلية اتهامها بازدواجية المعايير ومراقبة ما تقوم به بدرجة تفوق أي بلد آخر.

يرى هيرش جودمان، وهو باحث مستقل مختص بالشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية، أن انتقاد العمليات الإسرائيلية جاء نتيجة لعوامل عديدة من بينها النفور العالمي من الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 50 عاما للأراضي الفلسطينية، والرغبة في دولة مستقبلية للفلسطينيين، وتزايد عدد المسلمين المنتقدين لإسرائيل في أوروبا.

وأضاف أنه بسبب براعتها التكنولوجية العسكرية، يتم النظر إلى إسرائيل وكأنها "جالوت"، فيما يتم النظر إلى الفلسطينيين وكأنهم شعب مقهور ومحتل، وهي رواية جذبت قدرا كبيرا من الدعم للفلسطينيين.

كما أوضح جودمان أن الحرائق الهائلة في اليمن أو سوريا تجذب قليلا من الانتباه، لأنها معقدة ومن الصعب فهمها.

وقال المحلل السياسي البحريني، علي فخرو، إن انتهاكات مشابهة تقع في سوريا أو اليمن أو غزة، ولكن الرأي العام في العالم العربي أكثر تأثرا بالتصرفات الأمريكية، لأن الولايات المتحدة ارتكبت كثيرا من الأخطاء في المنطقة العربية، والتي لا يمكن نسيانها بسهولة، لا سيما وأن لها علاقات قوية مع إسرائيل.

و"عندما يتعلق الأمر باليمن، لا يوجد من يتحلى بالشجاعة الكافية لانتقاد السعودية" وإلا سوف يبدو وكأنه يدعم إيران، حد قول فخرو.

فيما قالت منظمة "أطباء بلا حدود" إن هناك زيادة كبيرة في عدد الغارات التي استهدفت المستشفيات في شمال سوريا منذ أواخر سبتمبر الماضي، عندما بدأت الحملة الجوية الروسية، ما أدى إلى مقتل 35 من المرضى والأطباء والمسعفين السوريين وإصابة 73.

وذكرت المنظمة، في بيانها الخميس الماضي، أن الغارات استهدفت 12 مستشفى في محافظات إدلب وحلب وحماة على مدار أكتوبر، بما في ذلك 6 مستشفيات تدعمها المنظمة.

وبينما ينفى مسؤولون روس بشكل قاطع استهداف مستشفيات أو أي أهداف مدنية في سوريا، قالت الجمعية الطبية الأمريكية السورية، التي تدير المستشفى الكائن في سرمين، إن الغارات الروسية ضربت المنشأة ومحيطها، وهي تصريحات أكدها نشطاء ميدانيون.

ويقول كثير من السوريين إن بإمكانهم تمييز الغارات الروسية عن الغارات التي يشنها الجيش السوري، لأنهم يرون علامات على أنها أكثر تقدما من الناحية التقنية، إذ تسفر عن انفجارات أضخم، كما أن الطائرات الروسية تحلق على ارتفاعات أعلى.

كانت رغدة غنوم، سورية تبلغ 23 عاما، ضمن أول مجموعة من المستجيبين المتطوعين، من أوائل من وصولوا إلى سرمين قادمة من بلدة سراقب المجاورة بعد الحادث.

وقالت رغدة، لـ"أسوشيتدبرس" الأربعاء، "كان هناك قتلى على الأرض"، مضيفة أن طائرات روسية كانت لا تزال تحلق وأن الروس يعتقدون أن كل المراكز الطبية تعالج إرهابيين.

وصرح زيدون الزعبي، رئيس اتحاد المنظمات الإغاثة الطبية السورية، وهي منظمة توفر المساعدة لمستشفيات في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، أن الناس في أرجاء العالم توقفوا منذ وقت طويل عن الاهتمام بسوريا، مضيفا أن السوريين فقدوا أي أمل في أن يساعدهم أحد، وتابع "أعتقد أن السوريين وصلوا إلى أعلى درجات اليأس".


مواضيع متعلقة