الحكومة والرأى العام

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

الدفاع المستميت من جماعات فى المجتمع عن أوضاعها القائمة ونجاحها فى صد كل محاولات تغيير أو تعديل الأوضاع القائمة يكشف عن متغيرات عميقة ومهمة فى المجتمع وتبدّلات فى المواقف والمواقع بينها وبين الحكومة.

تلاميذ فى المدارس تمكنوا من إجهاض أحلام الحكومة فى إعادة الانضباط إلى المدرسة، ونجح التلاميذ فى إلغاء قرار الحكومة بمنح درجات إضافية للتلاميذ المنضبطين الملتزمين، وتراجعت الحكومة عن قرارها بمبررات كثيرة، ليس فيها أن قدرتها على تنفيذ قرارها أقل من نفوذ التلاميذ وقدرتهم على إجبار الحكومة إلغاء قرارها.

أساتذة فى الجامعات استطاعوا حصار الحكومة أمام الرأى العام، ونجحوا فى إلزامها إلغاء قرارها «الخصم من الأجور»، وقدمت الحكومة مبررات كثيرة من نوعية احترام وتقدير الأساتذة، وكأنها -الحكومة- عندما أصدرت قرارها لم تضع فى اعتبارها احترام وتقدير الأساتذة، والمهم أن مبررات الإلغاء لم تقدّم لنا معلومة جادة وحقيقية عن السبب وراء الإلغاء سوى الاحترام والتقدير.

أمثلة كثيرة تكشف جوانب عديدة من الحاصل فى المجتمع المصرى وأهمها التضارب فى المواقف الحكومية، وإصدار القرارات من دون دراسة جادة عن أهدافها وإمكانيات تنفيذها وتحقيق المرجو منها، وقبل كل ذلك تكشف عن حقيقة التوازن فى المجتمع بين طرفى المعادلة الأساسيين.

ليس عيباً أن تتراجع حكومة عن قرارها، استجابة لرأى عام وضغوطه، رفضاً لهذا القرار أو ذاك، إذا ما تبين أن به نواقص مطلوباً استكمالها أو ثغرات يجب سدها، إنما العيب كل العيب أن تتراجع الحكومات عن قراراتها، وهى صحيحة، لأنها لم تدرس جيداً إمكانية تنفيذ القرار وقدرتها على فرض ما يجب أن يكون تصحيحاً لواقع خطأ نعيشه وننتقده ونطالب بتصحيحه.

الحاصل أن كثيراً من الشواهد يُدلل على أن قوة قطاعات فى الرأى العام تتصاعد، وأدواتها تتسع، وقدرتها على استخدام هذه الأدوات تتزايد، ويقابل ذلك أدوات حكومية نمطية لا تتطور بما يتناسب مع تطور أدوات فئات المجتمع المختلفة، وتزايد لنفوذ البيروقراطية فى إصدار قرارات يتأكد يومياً أنها قرارات مكتبية تكتسب نفوذها من قوة المكتب وليس قوة الناس.

الشاهد أن المصريين يتذمرون من الفوضى السائدة، ويعانون يومياً من تداعياتها على حياتهم فى كل مجال وكل مكان، الشاهد أيضاً أن القطاع الأغلب من الرأى العام ينتظر قرارات الحكومة لمواجهة هذه الفوضى وهو يؤيدها، وسيفعل، لكن الحكومة ما زالت حتى الآن فاقدة للقدرة على تحديد جمهورها وأنصارها، كما أنها فاقدة للقدرة على تطوير أدواتها، بما يحقق لها تحفيز أنصارها على مساندة قراراتها.

الحكومات القوية هى تلك القادرة على التعامل مع رأى عام قوى، وهى الحكومات التى تسعى دوماً للتفاعل والتعاون مع الرأى العام وتقويته حتى تحافظ الحكومة ذاتها على مصادر قوتها ونفوذها، ومن بين مصادر هذا النفوذ إصدار القرار الصحيح استجابة لرأى عام حقيقى قادر على مناصرة القرار وتأييده فى مواجهة الساعين لاستمرار الفوضى فى المجتمع.

القرارات المؤثرة تعكس السياسات المستجيبة لمطالب الرأى العام.. والحكومات القوية لا تخضع لضغوط الابتزاز، إنما لضغوط الرأى العام وتتفاعل معها.