أفعال ثورية فى ذكرى عاشوراء
اليوم السبت 24 نوفمبر هو الموافق اليوم العاشر من شهر المحرم، فيه يحتفل المسلمون سنة وشيعة بذكرى عاشوراء، التى نجّى الله فيها سيدنا موسى ومن آمن معه من بطش فرعون وملئه الذين كان نصيبهم أن أغرقهم الله فى اليم، وفيه أيضاً نال الشهادة سيدنا الحسين رضى الله عنه وأرضاه.
ولقد تجمع أمس (الجمعة) وهى ليلة عاشوراء آلاف مؤلفة فى الميادين المصرية، كان أبرزها ذلك التجمع الهائل أمام قصر الاتحادية وهو المقر الرسمى لرئاسة الجمهورية، ولقد أعلن هذا الحشد الهائل تأييده المطلق للإعلان الدستورى الجديد، وما تلاه من قرارات، واعتبرها جميعا أعمالاً ثورية بامتياز، تحقق أهداف الثورة وتحميها من عناصر الثورة المضادة.
ووجد حشد آخر كبير فى ميدان التحرير يعلن صراحة أنه مع الثورة، لكنه يعارض ما اتخذه رئيس الجمهورية من قرارات، معتبرا إياها محاولة للانفراد بالسلطتين التنفيذية والتشريعية ومحاصرة السلطة الثالثة وهى السلطة القضائية بشكل -كما يقولون- لم يسبق فى تاريخ مصر القديم والحديث.
ونستطيع فى ضوء استحضار صورة كلية لما حدث فى بلادنا منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير وحتى الآن، أن نتناول رأى الفريقين بالمناقشة والتحليل؛ لقد كان من أبرز ما حدث فى الثورة سقوط المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى والمصابين فى طول مصر وعرضها، لكننا فوجئنا بمهرجان سماه البعض «مهرجان البراءة للجميع»، حيث لم يعاقب إلا الرئيس السابق ووزير داخليته، وبتهمة عدم حماية المتظاهرين، أما باقى المتهمين فقد قررت المحاكم تبرئتهم، معللة ذلك بأن مؤسسات الدولة آن ذاك لم تمدها بالأدلة الكافية، ومعلوم لدى الجميع من أفسد هذه الأدلة بل وفرم أوراقها فى مبنى رئاسة الجمهورية ومقار جهاز مباحث أمن الدولة السابق، فإذا جاءت المادة الأولى من الإعلان الدستورى لتعيد التحقيقات والمحاكمات فى جرائم قتل وإصابة المتظاهرين، فمن الطبيعى أن نعتبر ذلك تحقيقا لمطلب ثورى نادى به ثوار مصر ومعهم معظم الشعب المصرى.
وغنى عن البيان أن فساد الأدلة التى قدمت للمحاكم يسأل عنها النائب العام السابق، الذى كان أحد أركان حماية النظام السابق، ولقد كان مطلبا دائما لكافة الثوار أن يقال النائب العام ويأتى بديلا عنه نائب عام آخر، يحقق المطالب الثورية المتفق عليها، فجاءت المادة الثالثة من الإعلان الدستورى لمعالجة هذا الأمر معالجة جذرية.
وكان مطلبا لكثير من القوى السياسية أن تأخذ الهيئة التأسيسية للدستور وقتا إضافيا لتستطيع توثيق الآراء داخلها بحيث لا «تسلق» تلك المواد، حسب تعبيرهم، بالإضافة إلى حذف أو إضافة أو تعديل لبعض المواد، ومنطقى أن يحتاج ذلك كله إلى وقت إضافى، فجاءت المادة الرابعة من الإعلان الدستورى لتعطى شهرين إضافيين للمدة المحددة سلفا.
أما المادتان الثانية والخامسة، وقد نالتا حظا وفيرا من النقد، إذ اعتبرت المادة الثانية كافة ما صدر من إعلانات دستورية وقوانين وقرارات جمهورية نافذة وغير قابلة للطعن، ونسى كثيرون العبارة المهمة التى جاءت فى تلك المادة لتجعل هذا الأمر مؤقتا لحين الانتهاء من الدستور وانتخابات مجلس الشعب، فتعود الأمور إلى طبيعتها، بعد أن وضعنا فى هذا الوضع الشاذ ذلك الحكم العجيب الذى قضى وبجرة قلم على السلطة التشريعية المنتخبة، ولأول مرة، من ثلاثين مليون ناخب أو أكثر.
أما تحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية، فلأنهما المؤسستان الوحيدتان فى مصر اللتان جاءتا بالانتخاب الحر، فكيف لأى جهة أن تعصف بهما كما تم العصف بمجلس الشعب السابق؟ أرجو التأمل فى السطور السابقة قبل إصدار أى حكم عليها باعتبارها ثورية أو غير ذلك.