الشعب يهزم «النور» والعليا للانتخابات

د. لميس جابر

د. لميس جابر

كاتب صحفي

مين السبب فى العزوف؟ موضوع الساعة واليوم وغداً والشهرين المقبلين. وعلى نهاية الانتخابات سوف يكون لدينا دراسة فى كتاب مكون من سبعة آلاف صفحة عن أسباب العزوف.. واحد يقول لك: أصل شباب يناير مقموص عشان كل شوية ناس تهاجمهم وكمان الشباب الينايرجى المحبوس لسه مزعّل باقى شباب يناير وفبراير، وكمان شعارات ثورة يناير المجيدة ما اتحققتش مع إن «العيش» مالى البلد والأفران شغالة أربعة وعشرين ساعة و«الحرية» مغرّقانا فى خيرها وعلى قفا من يشيل، واللى عاوز يعمل أى حاجة فى البلد دى بيعملها على مزاج مزاجه، من أول الوقفات الاحتجاجية للإضرابات، للشتايم، للاتهامات، لسواقة التوك توك والمكن اللى من غير نمَر مع إنه خطر على الأمن العام.. واحد تانى يقول: لك سبب العزوف إن شباب 30 يونيو مقموص عشان الريس بيدلّع بتوع يناير واحنا لأ.. وعشان كده حلفوا أيمانات مغلّظة بإنهم «هيعزفوا» عن النزول للانتخابات.. التالت بقى قال إن سبب العزوف إن شباب يناير ويونيو مقموصين الاتنين على بعض.. ليه؟ عشان عملوا ثورتين ومافيش حد قالهم شكراً ولا دخّلهم الانتخابات ولا عيّنهم وزراء.. أخطر المحللين السياسيين بقى ضرب لنا الكبيرة قوى وقال: لأ، لأ.. سبب العزوف هو انخفاض شعبية الرئيس عبدالفتاح السيسى، واحنا شعب طبعنا كده نبطل نحب الرئيس نقوم «نعزف» على طول، خصوصاً عن النزول لصناديق الانتخابات. واحد تانى قال لك: بالعكس!! العزوف سببه زيادة شعبية الرئيس، واحنا كده طبعنا كده نحب الرئيس نقوم «نعزف» على طول.. اللى بعده قال لك: لأ.. كل ده غلط، العزوف الأصلى.. النوع الحلو يعنى، سببه قناعة قطاع عريض من الشعب بوجود تعارض بين صلاحيات مجلس النواب وصلاحيات الرئيس وهذا هو سبب العزوف.. وده طبعاً على أساس إن الناس فاهمة حدود صلاحيات الرئيس والبرلمان فى الدستور ومذاكراها كويس، وأيضاً على أساس إن الانتخابات لو حصل لها عزوف مش هيكون فيه برلمان فيكى يا مصر.. مع إن كل البرلمانات السابقة على حياة عينّا لم تتجاوز نسبة الثلاثين فى المائة فى التصويت.. كل دى أسباب للعزوف والعزف والمعزوفين، وغيرها الكثير والكثير.. مع إن المسألة أبسط بكتير جداً.. وأنا اكتشفت سبب العزوف، وهو اللجنة العليا للانتخابات، بس كده، وبهذه البساطة.

لأن فترة الدعاية الانتخابية لمدة أسبوعين اثنين لا تكفى مطلقاً لتعريف الناخبين على أسماء المرشحين فى دوائرهم والذين يصل عددهم لأكثر من أربعين مرشحاً لدائرة لها مقعدان اثنان فقط فى البرلمان، والنتيجة أن الناخبين المجتهدين جداً والحريصين جداً أخذوا يسألون ويبحثون عن شخصيات المرشحين وتوجهاتهم، والتليفونات اشتغلت.. تعرف مين فى العجوزة؟ طيب لو تقدرى تقولى لى أنتخب مين فى الجيزة.. وانا فى العمرانية.. طيب أخبار إسكندرية إيه؟ طيب عرفنا الفردى.. القائمة مين بقى؟ دى ولا دى، مش مهم المهم ما تبقاش قايمة النور.. وإوعى فلان ده باين عليه إخوان والتانى ده الأضمن.. وتوالت الاجتهادات الشخصية، وكتب الكثيرون الأسماء على موبايلاتهم حرصاً من النسيان داخل اللجان، وتزعّم هذه المبادرات الذكية بالطبع السيدات المصريات ولا عزاء للنخبة والنشطاء والإعلاميين.. النتيجة التى أوصلتنا لها العليا للانتخابات أن الوضع أصبح معكوساً، وبدلاً من أن يذهب المرشح إلى الناخبين فى أماكنهم أخذ الناخبون يبحثون عن أصل وفصل المرشح حتى ينجحوا فى الاختيار وحتى لا تذهب أصواتهم إلى السلفيين أو الإخوان.. ولأن الشعب المصرى واعد وجدع صمّ أذنيه وأغلق عينيه وعقله عن كل هذا اللغو الفارغ الذى ما زال يفسر ويفلسف فى فعل «عزف» «يعزف» «عزوف»، وأراد أن يثبت أنه بمفرده، ورغم أنف العليا للانتخابات، لن يُلدغ من نفس الجُحر مرتين.. وكسب الشعب الرهان ضد «النور» وضد خزعبلات العليا للانتخابات التى قررت إغلاق لجان المغتربين فى المحافظات وأغلبهم من الصعايدة والتى كانت سوف تأتى بعشرات الآلاف من الأصوات، وسافرت إلى كل عواصم العالم لتصرف باليورو والدولار ولتأتى لنا بمائة وعشرين صوتاً من أمريكا وثلاثة أصوات من نيوزيلاند وصوتين من هولندا، وفى الآخر تُخرج لنا اللجنة العليا من جيب القميص «كارت أحمر» وتُشهره فى وجه الشعب وتفرض غرامة على «العازفين» خمسمائة جنيه.. ولا أدرى ما هى قيمة الغرامة على العازفين المقيمين فى ألاسكا ونيوجيرسى وجنوب أفريقيا، ولا هى شطارة علينا احنا وبس؟! ما علينا.. نحن نعيش ديمقراطية جديدة من نوعها ونتناولها بالغرامة والإهانة والسم الهارى.. وإلى النخبة والثوار.. ما زلتُ فى انتظار تفسير منطقى لأسباب العزوف والمعزوف به.