"العنصرية" و"الأرق" يؤرقان أسرة سورية لاجئة في ألمانيا

كتب: أ.ب

"العنصرية" و"الأرق" يؤرقان أسرة سورية لاجئة في ألمانيا

"العنصرية" و"الأرق" يؤرقان أسرة سورية لاجئة في ألمانيا

بالنسبة لأسرة سورية لاجئة، الجولات القصيرة إلى البحيرة تعد متنفسا من الملل الخانق في مركز اللاجئين، لكن في مدينة تعج بالنازيين الجدد، يمكن أن تمثل هذه الجولات ضغطا مضاعفا بدلا من الراحة، اقتحم رجل مؤخرا مقهى وصرخ في وجه امرأتين من عائلة حبشية لخلع حجابهما "لأننا في أوروبا!" مرة أخرى، هتف أشخاص في سيارة قائلين "ليرحل الأجانب!".

الخوف والإحباط رغم ذلك تغلفا بالعطف، صادق متطوع من دريسدن القريبة عائلة حبشية، التي فرت من الحرب الأهلية في سوريا، ويعيش أفرادها الآن في منشأة مؤقتة في مدينة هايدناو شرق البلاد، بعد وصولهم إلى ألمانيا الشهر الماضي، بعد رحلة محفوفة بالمخاطر من دمشق.

يساعد يوليوس روينبيك، العائلة المكونة من خولة كريم (44 عاما) وابنتها ريم (19 عاما) وأبنائها محمد (17 عاما) ويمن (15 عاما) والابنة الصغرى رغد (11 عاما) بالأغراض العملية، مثل الأغطية الثقيلة للتدفئة، والعصائر والمسكنات، كما اشترى لهم كتب تعليم اللغة الألمانية، وتقدر الأسرة كيف بدأ روينبيك، العزف على آلة الهورن في دار أوبرا سمبر الشهيرة في دريسدن، بأخذ العائلة إلى خارج دريسدن، بالقرب من مدينة بيرنا القديمة.

تقول ريم عن الموسيقي الألماني الطويل: "يوليوس رائع، كان عطوفا جدا معنا"، وبالنسبة لروينبيك، العطف لا يعد واجبا عليه، يقول: "أنا أحب فعلا هذه الأسرة كثيرا، إنهم أناس رائعون، الخروج مع روينبيك واحة في صحراء البؤس التي تعيش فيها العائلة، عدا رغد الصغيرة، وتركتهم مكتئبين وتائهين".

يستيقظ معظم أفراد الأسرة في وقت متأخر من الصباح، لأنهم نادرا ما يحصلون على أي نوم ليلا في المركز المزدحم بـ700 آخرين من طالبي اللجوء، وإلى جوارهم تسكن أسرة جديدة بها رضيع يصرخ لساعات، أحيانا يشعر الشباب الصغار بالاختناق لدرجة أنهم يلعبون كرة القدم داخل مركز تحسين السكن السابق في منتصف الليل، يطفئ المسؤولون الأنوار في الحادية عشر مساء، لكن أصوات مئات الأشخاص الذين يهمسون بعدد لا نهائي من اللغات الأجنبية يتردد في أنحاء المبنى، ما يخلق طنينا يصم الأذان.

عندما تهدأ الأصوات أخيرا في الساعات الأولى من الصباح، يستغرق أفراد العائلة في نوم عميق، لكن بالنسبة لخولة كريم، حان وقت النهوض.

في مواجهة القبلة إلى مكة، تركع وتسجد لأداء صلاة الفجر، وتقضي يومها في التألم بشأن وضعهم، تجلس على سريرها الصغير الضيق في المساحة الضئيلة المخصصة لهم، عادة ما تندم على أخذ أبنائها من حياتهم المألوفة في دمشق، ومن يأسها لحمايتهم من الحرب، سلمت خولة كريم مدخرات العائلة إلى مهربين نقلوهم عبر البحر المتوسط على متن قارب مطاطي، وقادوهم إلى شاحنات مختبئة عبر دول البلقان، ثم تركوهم على متن حافلة صغيرة إلى برلين، عندما كانت في سوريا، كانت خولة كريم، التي مات زوجها منذ 3 أعوام هي ربة البيت، الآن تشعر بالعجز.

تقول ريم: "كان عليها اتخاذ كل القرارات بنفسها، كانت معلمة في مدرسة ابتدائية، كانت تتولى تربيتنا، وتنظف المنزل كل يوم، كانت حياة قاسية، بخاصة حماية الأطفال من الحرب، لكن هنا، عجز خولة عن تحدث الألمانية، يجعلها تشعر كأنها فقدت السيطرة على مصيرها، لا تستطيع أن ترسل أبنائها إلى المدرسة، ما يمنحها شعورا بأنها تضيع حياتهم، يزعجها مشاهدة رغد وهي تقضي الأيام تلعب بالجوار مع أطفال لاجئين آخرين، بينما يلعب الأولاد الورق مع الرجال السوريين طوال الليل، .دورات المياه قذرة للغاية، إنها لا تريد حتى أن تستخدمها".

الإهمال كان هو الأقسى على الأم، بعد أسبوعين في برلين وشهر في هايدناو، مازالت أسرة حبشية عاجزة عن تقديم طلب اللجوء.

الثلاثاء، تفقدت خولة كريم السبورة السوداء في المركز بحثا عن أسمائهم بلا جدوى، مرة أخرى لم تستدع الأسرة لأي إجراءات، ولا حتى الفحص الطبي المبدئي، الفحص الذي يتضمن إجراء أشعة للتأكد من وجود مرض السل أو عدم وجوده، والفحص المتعلق بالجرب والقمل، شرط آخر يسبق الحصول على مصروف جيب أسبوعي قدره 30 يورو لكل شخص.

سبب التأجيل المستمر منذ شهور، في عملية تقديم طلبات اللجوء، هو التدفق الهائل للأشخاص الذين يرغبون في الحصول على إقامة اللاجئين، في سبتمبر وحده، تقدم نحو 164 ألف شخص تم تسجيلهم من قبل بطلبات لجوء، وبالنسبة لعام 2015 بالكامل، تتوقع الحكومة الألمانية نحو مليون وافد جديد، وبالرغم من طقس الخريف البارد، مازال الآلاف يأتون عبر دول البلقان ويدخلون ألمانيا من الحدود النمساوية.

ووظفت السلطات الألمانية موظفين إضافيين لتسريع الإجراءات، لكن ما زال هناك تراكم للأعمال التي لا تنتهي، يقدر بعض الخبراء أن يستغرق اللاجئون السوريون نحو عام للحصول على إقامة اللاجئين، من المؤكد سيسمح للسوريين بالبقاء في ألمانيا، على العكس من العديد من طلبات اللجوء الأخرى القادمة من دول مثل البوسنة وصربيا وكوسوفو وألبانيا، والتي تعتبرها الحكومة دولا آمنة، لكن ليس هناك الكثير لفعله أثناء الانتظار، لا يسمح لهم بالعمل في أول 3 أشهر لهم في ألمانيا، لا يسمح لهم بمغادرة البلاد التي نقلوا إليها حتى يحصلون على الإقامة، وعادة ما تكون مدارس الأطفال بعيدة أكثر من اللازم ليذهبوا إليها بانتظام.

كانت ريم تضطلع بمعظم مسؤولية العائلة منذ وصولهم إلى ألمانيا، تحافظ على الوجه الشجاع، تطرق أبواب المسؤولين كل أسبوع لتتأكد من أن أوراق العائلة لم تفقد، وتتحدث إلى أفراد الطاقم الطبي إذا شعر أحد أفراد الأسرة بالمرض، الشابة الجميلة التي تملك عينين كبيرتين لوزيتين نادرا ما تسمح لنفسها بلحظة ضعف، لكنها هي الأخرى، ترزح تحت الضغوط، تعترف قائلة: "منذ الأسبوع الماضي، لم أعد نشيطة كعهدي بنفسي، لم أستطع حتى النهوض من الفراش هذا الصباح".

فقط رغد الصغيرة ما زالت محتفظة بروحها المعنوية مرتفعة، إنها تمنح والدتها الأحضان والقبلات إذا رأتها تبكي، وتقضي ساعات في التزلج أمام المركز، وتبدو أنها تتعلم الألمانية أفضل من بقية أفراد الأسرة، وحظيت بالفعل بكثير من الأصدقاء الجدد، بخاصة بين أفراد الأمن.

"هناك كيفن وفرانك، وهناك الحارسة ذات العيون الزرقاء وأخرى صبغت شعرها باللون الزهري مؤخرا لكنه الآن عاد للون الأسود مرة أخرى، إنهم جميعا أصدقائي".. تقول رغد وهي تلوح إلى حارس متجهم، سرعان ما يبتسم إليها، وتضيف، "تعرفت إلى صديقين آخرين، فتاة كردية وأخرى سورية، نقود دراجات أو نلعب الحجلة معا".

تتابع رغد، وهي تأخذ قبعة رمادية كبيرة عليها خيوط لامعة لتضعها على رأسها، وترتجف: "لكنني فعلا أفتقد الدراسة والمدرسة أكثر من أي شيء آخر"، وفجأة، تركض إلى أصدقائها الحراس لتسمعهم الكلمات الألمانية الجديدة التي تعلمتها: "الطقس بارد للغاية في ألمانيا".


مواضيع متعلقة